ترجمة حضرة صاحب العزة الشهم المهذب عمر بك الشواربي

كلمة للمؤرخ

لو أن كل سري من سراة الأمة المصرية ربى أولاده التربية الحقة التي ترفعهم إلى درجات الرقي والكمال، والمستوى اللائق بشرف أسرهم ودفع بهم إلى الغرب حيث هناك الجامعات العلمية العالية، فاغترفوا من بحور علومها حتى إذا ما عادوا لأوطانهم أمكنهم أن يقوموا بالواجب المقدس المفروض عليهم نحو بلادهم، إذن لوجدنا أمامنا رجالًا عاملين مخلصين مجدين نحو خدمة بلادهم أمثال هذا الشاب النابه، والعامل المجد الذي يسرنا كما يسر كل والد أن يرى أبناءه قد حذوا حذوه، وسلكوا مسلكه وسعوا سعيه، فبقلم الفخر والإعجاب ندون تاريخه المجيد ضارعين للحق تعالى أن يهيب شبابنا سداد الرأي، وصائب العمل لخير البلاد ونفع العباد، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
figure
حضرة صاحب العزة الشهم المهذب عمر بك الشواربي من كبار وجهاء مديرية القليوبية.

مولده ونشأته

هو غصن شجرة خضراء، وسليل بيت من أمجد عائلات القليوبية وأعرقها حسبًا ونسبًا، تربى في أحضان العز والرفاهية فكان نجمه سعيدًا وطالعه عاليًا، كأنما السعد كان رفيقه والعز نصيبه ترعرع في أحضان النعمة، وتربى التربية اللائقة بأمثاله وكان مولده المبارك في سنة ١٨٩٣ ميلادية، ولما كان عمره خمس سنوات تدرج على التعليم الأولي بواسطة معلمين أخصاء، حتى إذا ما بلغ التاسعة أدخله المرحوم والده الجليل المدرسة الابتدائية الأميرية، فكان في مقدمة إخوانه الطلبة ذكاءً ونشاطًا، وثابر على التعليم وتلقى مبادئه الصحيحة، فنال شهادتها والتحق بالمدارس الثانوية فسار إلى سلم التقدم والنجاح، حتى أحرز شهادة الدراسة الثانوية «البكالوريا» في سنة ١٩١٢م وقد طمحت أنظاره إلى المزيد من العلوم، فسافر إلى إنجلترا عام ١٩١٣م وعرج في طريقه على مدينة نابولي من أعمال إيطاليا، ثم رحل منها إلى فرنسا حيث تمم مرسيليا، ومنها إلى باريس حيث شاهد فيها ما شاهد من المناظر المدهشة والكليات العلمية العظيمة، والأبنية الفخمة التي تدل على حسن ذوق الفرنسيين، ومن ثم رحل إلى إنجلترا وليرى بنفسه رقي تلك البلاد العامرة بالصناعة والتجارة، وكان نصيبه أن التحق بإحدى كليات أكسفورد الشهيرة، وبقي هنالك يستقي من علومها العذبة ما أهله لأن يكون رجلًا نافعًا مفيدًا لبلاده.

وإذا رأيت من الهلال نموه
أيقنت أن سيكون بدرًا كاملًا

ومكث في هذه الكلية مكبًّا على الدراسة ساهرًا على البحث فيما يفيده من علوم رياضية واقتصادية وغير ذلك، حتى إذا ما برق بارق أمله أشعلت نيران الحروب الأور بية، واضطرمت تلك البلاد بشرر المصائب فخاف من البقاء بها، فعقد النية على العودة للوطن المفدى حتى ترجع مياه السلام لمجاريها، فيعود إليها مرة أخرى، وما زال عاكفًا على المطالعة في ثمين الكتب من أدب وهندسة وفلسفة وغيرها في كل برهة يخلو فيها.

أخلاقه

جمع من الأدب أكمله وحاز من اللطف أجمله، أبي النفس، رقيق الإحساس طيب القلب، عالي الهمة — وبالإجمال فهو كما قال فيه الشاعر:

كملت شمائله فكان نموذجًا
للناشئين على الفضيلة والأدب

أدامه الله وأبقاه وزاده علمًا وأدبًا ليكون نبراسا يستضيء بنوره العاملون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤