ترجمة حضرة صاحب العزة السري الجليل والمالي الشهير يوسف دي بيشوتو بك

كلمة المؤرخ

إن الثقة العظيمة التي حازها هذا المالي الجليل لدى الخاص والعام وشهرته التي لا حد لها بالذمة والاستقامة، والعطف على البؤساء، وإسداء الإحسان ومديد المساعدة لكل عمل خيري لمما يسر كل غيور على تقدم شعور الأمم نحو بني الإنسان، ورقي إحساسه وسمو تربيته، وسيجزي الله تعالى أولئك الساعين للخير، ويثوبهم جزاء حُسن فعالهم ثوابًا عظيمًا، إن الله لا يضيع أجر العاملين المخلصين.
figure
حضرة صاحب العزة السري الجليل والمالي الشهير يوسف دي بيشوتو بك كبير تجار الإسكندرية والعاصمة والعضو المعين بمجلس الشيوخ.

مولده ونشأته

هو يوسف بن دي بيشوتو ولد بالإسكندرية في أبريل سنة ١٨٧٢ من أبوين كريمين حسبًا ونسبًا، ويعد بيته من أقدم البيوتات المعروفة بحسن المعاملة وطهارة الذمة.

فقد والده وهو في السادسة من عمره، فقامت السيدة والدته الفضلى بتربيته التربية الأولية ألا وهي التربية المنزلية السامية، وكان منذ الطفولة تلوح على محياه سيما الذكاء ومخايل الجد والنشاط.

ولما أن بلغ الخامسة عشرة من سنه اضطر لترك المدرسة والتوظف في إحدى المحلات التجارية؛ للقيام بأود عائلته، وفي الوقت ذاته لم يكن يترك لحظة من فراغ وقته، دون أن ينتهزها للمطالعة والدرس، مما جعله من خيرة الرجال العاملين المفكرين، ولما كان من الميالين للاشتغال بالتجارة لا سيما وقد توفرت له أسبابها من قوة في الإرادة، وبعد في النظر وهمة عالية وثابة إلى المعالي تحفها الروية والرزانة وأصالة الرأي، فقد فضل الاشتغال بها حتى أسس من المحال التجارية ما يعد من أكبر البيوتات ثقة وحسن معاملة، فمنها محلات بيشوتو وأخيه وشركاهم بالإسكندرية ومصر ومنشستر للمنسوجات القطنية وكل من زار إحدى هذه البيوتات العظيمة، ورأى ما بها من البضائع الجيدة وحسن المعاملة وإدارة محكمة؛ لا يسعه إلا الاعتراف بقدرة الخالق، تلك القدرة التي وهبت يوسف دي بيشوتو بك من المميزات أحسنها ومن الأفكار أحكمها؛ ونظرًا لما هو عليه من هذه الصفات السامية والمواهب العالية قد انتخب رئيسًا للغرفة التجارية للواردات، فأظهر من العقل الراجح ما أعجب الخاص والعام، وكان موضع ثناء كبار التجار؛ ولذلك اختير عضوًا بمجلس إدارة بنك الخصم والتوفير، وصار موفقًا في كل عمل أسند إليه من الأعمال وبرهن على أنه من أنبغ رجال العمل وأحكمهم، فاختير قاضيًا محلفًا بالمحكمة المختلطة لما له من الدراية، وما اشتهر عنه من محبة العدل والصدق، ولقد انتخب رئيسًا لمحفل أبناء العهد وهو رئيس وعضو مجلس إدارة جملة شركات صناعية وتجارية ومالية، وله مواقف عديدة وخدمات جليلة في الحركة الوطنية لا سيما في حوادث مايو المشئومة، وتهدئته لخواطر الجاليات الأجنبية لأخذ اعترافات من هؤلاء ببراءة الوطنيين من هذه الحوادث، وأنها عبارة عن حادث محلي، وغير ذلك من الخدمات الجليلة التي يضيق بشرحها المقام؛ ونظرًا لما له من تلك الصفات وهذه الهمة النادرة فقد تعين عضوًا بالمجلس الاقتصادي المصري؛ ولثقة مولانا صاحب الجلالة فؤاد مصر ومليكها المحبوب به عينه عضوًا في مجلس الشيوخ؛ حتى يواصل جهوده في تأدية ما تتطلبه الكنانة من الخدمات من مثله من ذوي الرأي والمكانة والتفكير، والرجل العظيم لا تقف همته عند حد، بل كلما وصل إلى درجة وثب إلى أخرى، وعلى ذلك فإنه لم تقتصر همته على ذلك فحسب، ولكنها تعدت ذلك إلى القيام بأداء المساعدات العظيمة لصالح أبناء الطائفة الإسرائيلية بالإسكندرية، وهو نائب رئيسها ورئيس لجنة مدارسها المجانية حتى أصبحت تلك المدارس بفضل جهوده تضم ٢٣٠٠ تلميذًا، وجمع لها رأس مال وهو وقف تبلغ قيمته ٢٢٠٠٠ جنيه اثنين وعشرين ألفًا من الجنيهات المصرية، وقد كافأه جلالة الملك المعظم فأنعم عليه برتبة البكوية سنة ١٩١٩، وفي سنة ١٩٢١ حاز رتبة ضابط المعارف العمومية من الحكومة الفرنساوية.

صفاته وأخلاقه

وديع محب للخير ميال إلى مساعدة الفقراء والضعفاء، يلقى محدثه بكل بشاشة وانعطاف، كثير التفكير فيما يعود على البلاد والعباد، دمث الأخلاق كريم جواد يعمل أكثر مما يقول.

حفظه الله للإنسانية عونًا ونصيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤