جاي أوف جيسبورن يلقى حتفه
كثيرًا ما تسطع الشمس في الصباح قبل أن تهب عاصفة هوجاء، وكان هذا هو الحال في اليوم الأسوأ لروبين هود منذ أن صار خارجًا على القانون. غردت الطيور فوق الأشجار، وهزّ النسيم العليل أوراق الشجر. وكان جون الصغير وروبين هود يتسامران وهما يجوبا الغابة.
قال جون الصغير في ضجر: «مرّ علينا وقت طويل دون أي مغامرات؛ أرى أن ينطلق كلانا بمفرده ونرى ماذا سنجد، وعندما نلتقي مرة أخرى سيكون لدينا حكايات مثيرة لنخبر بها بعضنا بعضًا.»
أجاب روبين: «تروق لي خطتك يا جون.»
وعندما بلغا مفترق طرق في الدرب، أشار روبين نحو اليسار وقال: «اذهب أنت في هذا الطريق، وسأذهب أنا في هذا الطريق، وأنا على يقين من أنك تستطيع التغلب على أي صعاب تصادفك.»
وبينما كان روبين يسير بحماس عبر دربه، إذ به يلمح رجلًا عليه سيماء الشر يجلس تحت شجرة بلوط كبيرة، ويرتدي من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين عباءة ثقيلة من جلد الخيل الداكن، ويحجب وجهه عن النظر غطاء مصنوع من جلد رأس الحصان، وتنتصب الآذان الموضوعة على غطاء الرأس كالقرون، وإلى جانبه سيف وقوس طويل، وخلف ظهره جعبة السهام.
ارتاع روبين من منظره قليلًا، لكنه نادى بصوت مرتفع في ابتهاج: «مرحبًا، من ذا الذي يمكث هناك؟ وما هذا الذي ترتديه؟ لو كنت قد أذنبت، لكانت ساورتني الشكوك بأن الشيطان أرسلك لتأخذ روحي.»
استدار الغريب ببطء ونظر إلى روبين، وعندئذ دفع غطاء إلى الوراء فظهرت عيناه السوداوان الفاترتان، وقال مزمجرًا: «من أنت؟»
أجاب روبين: «لا تتحدث بهذه الحدة يا أخي، هل تناولت أشواكًا وخلًّا في وجبة الإفطار اليوم؟»
ردّ عليه الغريب مزمجرًا: «إذا كان لا يعجبك كلامي، فارحل الآن؛ فإن أفعالي مزعجة أيضًا ككلامي.»
قال روبين باسمًا: «لكن كلامك يعجبني حقًّا، فأنت شخص حلو المعشر، وكلامك مملوء حكمة وفطنة لم أسمع مثلهما في حياتي كلها.»
نظر الغريب إلى روبين نظرة شريرة، ونظر إليه روبين أيضًا، وكان روبين يبتسم ابتسامة عريضة طوال الوقت، وأخيرًا كسر الغريب جدار الصمت وسأل: «ما اسمك؟»
قال روبين في تعجب: «أنا مسرور لأني أسمعك تتحدث! لقد بدأت أظن أنك مصاب بالخرس، بخصوص اسمي فقد يكون هذا أو ذاك، لكني أرى أنه من الأنسب لك أن تخبرني أنت «باسمك» لأنك أنت هو الغريب في هذه البقاع.»
قهقه الغريب بصوت بارد أجش وقال: «لا أعرف لماذا لا أضربك بالسيف، فمنذ يومين غرزت سيخًا في رجل بمدينة نوتينجهام لسبب تافه، أنا جاي أوف جيسبورن، أحد الخارجين على القانون، وسيمنحني شريف نوتينجهام عفوًا غير مشروط عن كل الجرائم التي ارتكبتها في الماضي، علاوة على مكافأة مائتي جنيه كي أقتل رجلًا بعينه من الخارجين على القانون اسمه روبين هود. يقول المثل «ما يُوقع المجرم إلا مجرم مثله.»»
وشعر روبين هود بقلبه يقفز بداخل صدره وهو ينصت؛ إذ كان يذيع صيت أعمال القتل الوحشية التي يقترفها جاي أوف جيسبورن في كل أنحاء إنجلترا، لكن روبين ظل باسمًا وقال: «لقد سمعت حقًّا عن أعمالك النبيلة، وأعتقد أن روبين هود لا يحبذ أن يلتقي بأي رجل في العالم غيرك.»
ضحك جيسبورن ضحكة فظة أخرى وقال: «من المبهج أن تسمع عن لقاء عملاقين من الخارجين على القانون، لكنه سيكون يومًا سيئًا للغاية على روبين هود؛ فاليوم الذي ألقاه فيه هو يوم موته.»
قال روبين: «لكن يا صاحب الخلق الدمث، ألا تظن أن روبين هود قد يكون أقوى منك؟ أنا أعرفه معرفة وثيقة، وكثيرون ممن يقطنون هذه المنطقة يرون أنه أقوى الأحياء.»
قال جيسبورن بازدراء: «قد يكون أقوى رجل في الجوار لكن لا تعد هذه المنطقة العالم بأسره؛ كيف يطلقون عليه خارجًا على القانون وهو الذي لم يرق الدماء منذ أن هرب إلى الغابة! وكيف يطلقون عليه رامي السهام! ومع ذلك لا أخشى أن أقف أمامه وقوس في يدي في أي يوم.»
قال روبين هود: «هم يطلقون عليه بالفعل رامي سهام بارع، ونشتهر نحن أيضًا قاطني نوتينجهامشير باستخدام الأقواس الطويلة، وحتى أنا غير المحنك في هذه المهارة، لا أخشى أن أتبارى معك.»
ضحك جيسبورن على نحو فظّ وقال: «تعجبني روحك. ثبت حلقة من الأعشاب.»
اعترض روبين هود: «لا، الأطفال فقط هم من يصوبون نحو أكاليل الزهور في هذه الغابة. امكث هنا وسأعد هدفًا جيدًا.»
ابتعد روبين عن الطريق، وقطع عصا من أغصان شجر البندق، وبرى أحد طرفيها ثم غرزها في الأرض أمام شجرة بلوط، وقاس ثمانين خطوة وقال: «هذه هي نوعية الأهداف التي يستخدمها رجال نوتينجهام. لتشق هذه العصا إذا كنت تقول إنك رامي سهام.»
قال جيسبورن في تأفف: «لا يستطيع الشيطان نفسه أن يصيب هذا الهدف.»
ردّ روبين: «قد يستطيع وقد لا يستطيع، لا نستطيع أن نجزم بهذا إلى أن تصوب.»
التقط جيسبورن قوسه، وأطلق سهمه الأول الذي طار على بعد قدم من عصا شجرة البندق، وصوب مرة أخرى فحاد عن الهدف ست بوصات.
ضحك روبين في جذل وقال: «أستطيع أن أجزم الآن أن الشيطان نفسه «لا يستطيع» أن يصيب هذا الهدف. لنرى إذا كنتُ أستطيع أنا.»
جذب روبين قوسه وصوب سريعًا، فاخترق سهمه الهواء في خط مستقيم وشقّ العصا في مكانها.
وقبل أن يستطيع جاي أوف جيسبورن أن ينبس ببنت شفة، طرح روبين قوسه على الأرض، واستل سيفه، وصرخ صراخًا عنيفًا: «أيها الوغد المتعطش للدماء! الآن وقد رأيت مدى سذاجتك في ألعاب الرجال، ألق نظرة الوداع على ضوء النهار أيها الوغد الحقير؛ فاليوم آخر يوم في عمرك! أنا روبين هود!»
صُعق جيسبورن وقال: «هل أنت روبين هود بحق؟ سعدت بلقائك، ستموت الآن!» ثم استلّ سيفه.
وعندئذ دار أعنف قتال شهدته غابة شيروود، وعلى الفور بدأت تتناثر قطرات الدماء على الأرض، ولم يكن أي منها يخص روبين، وأخيرًا هجم جيسبورن بقوة على روبين الذي تفادى الهجمة عندما رجع بخفة إلى الوراء، لكن عقبه تعثر في جذر من الجذور وسقط على ظهره، وصلى روبين: «أغثني يا الله.»
حاول جيسبورن أن يطعن روبين بوحشية، لكن روبين أمسك نصل السيف بيده، وعلى الرغم من أن السيف أحدث جرحًا غائرًا في يد روبين، فإنه استطاع أن يدفع السيف بعيدًا عنه ويغرزه في الأرض، وعندئذ وثب على قدميه وشهر سيفه، حاول جيسبورن أن يسحب سيفه من الأرض، لكن روبين طعن سيفه تحت ذراع جيسبورن، الذي أخذ يدور حول نفسه، فغرز روبين السيف الفولاذي الحاد في أحشاء عدوه. صرخ جيسبورن وهو يتهاوى على العشب الأخضر.
مسح روبين سيفه من الدماء التي كانت تلطخه، وفكر في نفسه وهو يقف فوق جثة جيسبورن: «هذا أول رجل أذبحه منذ أيام صباي، سأشعر بالمرارة كلما أتيت على ذكر هذا اليوم، لكن هناك ما يبرر قتلي لهذا الرجل؛ فقد بعث شريف نوتينجهام هذا الوغد ليقضي عليَّ، سأرتدي زيّ جيسبورن وأذهب إلى الشريف لعلي أرد له هذا الصنيع بطريقة ما.»