روبين «يجازي» الشريف
في الوقت الذي كان فيه روبين يقاتل جاي أوف جيسبورن، كان يجابه جون الصغير الصعاب على الجانب الأيسر من مفترق الطرق؛ فعندما اجتاز بجانب منزل، سمع صوت تشنج شخص ما، طرق جون باب المنزل فأجابته امرأة عجوز، وكان الدموع تنهمر من عينيها، فقال جون: «ما الذي يزعجك يا سيدتي؟ لعلي أستطيع مساعدتك.»
رفعت المرأة عينيها نحو جون وقالت: «لا أظن أن روبين هود نفسه يستطيع مساعدتي، لكني سأخبرك بقصتي؛ أنا أرملة لي من الأولاد ثلاثة، وفي الليلة المنصرمة قتل أكبرهم غزالًا، وتتبع رجال الشريف قطرات الدماء المنسكبة على أرض الغابة حتى وصلوا كوخي، وأقسم الشريف أن يشنق أولادي الثلاثة معلقًا إياهم في شجرة عند طرف غابة شيروود.»
أنصت جون الصغير إلى المرأة العجوز باهتمام وقال: «أعرف الشريف جيدًا، وأعرف أيضًا كيف أحرر أولادك.» وأخبر جون المرأة أنه بحاجة إلى ملابس تنكرية، فأعطته ثياب زوجها المتوفى، وعندئذ صنع جون لنفسه لحية وباروكة مصطنعتين من صوف الأغنام الأبيض، وتظاهر جون بأنه رجل عجوز، ثم صار نحو طرف الغابة.
وكان الشريف يمتطي جواده عندما رأى جون الصغير قادمًا فناداه: «أيها الرجل العجوز، تعال هنا! هل تحب أن تحصل على ستة بنسات؟»
– «ستة بنسات! أجل يا سيدي! ما يجدر بي أن أفعل حتى أحصل عليها؟»
أشار الشريف صوب الفتية الثلاثة الذين كانت أياديهم موثقة خلف ظهورهم، وقال: «أن تشنق هؤلاء الأوغاد. سأدفع لك ستة بنسات لقاء هذه المهمة.»
قال جون الصغير: «بكل سرور سيدي، هذا مبلغ جيد لقاء هذه المهمة اليسيرة، هل اعترف هؤلاء الفجار بخطاياهم؟»
قال الشريف في لجاجة: «يمكنك أن تحاول معهم محاولة إذا كان يروق لك ذلك، ما دمت ستفعل ذلك بسرعة.»
سأل جون الصغير: «هل بمقدوري أن استخدم قوسي يا سيدي، أريد أن أنخسهم في ضلوعهم وهم معلقين.»
صاح الشريف: «افعل ما يحلو لك، ولكن أتمم المهمة بسرعة.»
شدّ جون الصغير وتر القوس، ثم مال على كل واحد من الفتيان الثلاثة متظاهرًا بأنه يستمع إلى اعترافه، وهمس في أذنه: «سأقطع وثاقك، أبق يديك معًا حتى لا يلحظ أحد، وعندما أقول لكم «اركضوا»، انطلقوا نحو الغابة.» وبعد أن فكّ جون وثاق الغلام الثالث، وضع سهمًا في وتر قوسه، ثم جذب الوتر قليلًا إلى الخلف، وصرخ: «اركضوا!»
عدا الفتيان الثلاثة بأقصى سرعتهم نحو الغابة، وأخذ جون الصغير يتقهقر إلى الوراء ببطء نحو الغابة الآمنة، موجهًا سهمه نحو رجال الشريف، وحذرهم: «أي شخص يحاول أن يدنو مني سيموت.» فلم يتحرك أحد.
وعندئذ انفتحت عينا الشريف فتعرف على جون الصغير فانطلق في حمو غضبه، دافعًا جواده، وشاهرًا سيفه، وغار على جون كالرياح.
جذب جون الصغير وتر قوسه للوراء متأهبًا لأن يصوب سهمه. فصدر صوت طقطقة! لقد انكسر القوس في يده، فرمى به حصان الشريف الذي استمر مندفعًا صوب جون. ولوح الشريف بالسيف بكل ما أؤُتي من قوة، وضرب الشريف جون الصغير على رأسه بالجانب المسطح لنصل السيف، فأردت الضربة جون على الأرض فاقدًا الوعي.
قفز الشريف عن جواده، وتهلل قائلًا: «هذا يوم سعدي! لقد فلحت في مقايضة لصوص الصيد أولئك بذراع روبين هود الأيمن! لنشنق هذا الوغد اللئيم اليوم قبل أن يتمكن سيده من مساعدته، وسنترك جثته عبرة لمن يعتبر.»
وبينما كان رجال الشريف يهيئون الشجرة التي سيشنقون جون عليها، ظهرت هيئة سوداء على الطريق، فصاح أحد رجال الشريف في رعدة: «أليس هذا جاي أوف جيسبورن؟»
رفع الشريف نظره، فرأى العباءة السوداء المصنوعة من جلد الحصان ملطخة بالدماء، فارتعدت فرائصه؛ إذ كان هو نفسه يخشى جاي أوف جيسبورن، وقال: «أجل هذا هو الشيطان، أتمنى أن يكون قد ذبح كبير اللصوص.»
تأوه جون الصغير وأخذ يسترد وعيه، وعندما رأى هيئة الرجل يسير عبر الطريق، توّلاه الفزع؛ إذ كان الرجل يحمل بوق روبين وقوسه، وكانت ملابسه مغطاة بالدماء.
صرخ الشريف: «ما معنى هذا! كيف كان حظك اليوم في الغابة؟ لماذا ثيابك مغطاة بالدماء يا رجل!»
أجاب روبين في صوت أجش مثل صوت جيسبورن حتى لا يتعرف عليه الشريف: «إذا كانت لا تعجبك ثيابي، فأغمض عينيك، الدم الذي يغطيني هو دم أشنع رجل خارج على القانون عرفه العالم، لقد ذبحته اليوم.»
صرخ جون الصغير: «أيها الوغد الخسيس! أنا أعرفك يا جاي أوف جيسبورن، وأنت فعلًا خير وسيلة يستخدمها شخص جبان مثل شريف نوتينجهام، سأموت مسرورًا، فالحياة لم يعد لها قيمة الآن،» وانسالت الدموع على وجنتي جون الصغير وهو يتكلم.
قال الشريف في جذل شديد: «قلّ لي يا جيسبورن إن هذا حدث بالفعل.»
– «أتكلم الصدق، فهاك سيف روبين هود، وقوسه، وبوقه، أتظن أنه سيعطيني هذه الأشياء مجانًا؟»
صفق الشريف وتهلل: «الرجل العظيم الخارج على القانون مات، وذراعه الأيمن في قبضتي الآن! مهما طلبت فسيكون لك يا جاي أوف جيسبورن.»
قال روبين آمرًا: «هبّ لي حياة هذا الرجل؛ فكما ذبحت سيده فسأذبحه هو أيضًا.»
ضحك الشريف: «أنت أحمق؛ كان حري بك أن تطلب مالًا فكنت سأمنحك كل ما تريد، لكن بما أنني وعدتك أن أعطيك ما تريد، فها حياته في قبضتك.»
قال روبين: «أشكرك من أجل هذه الهبة. والآن، أمل هذا الرجل نحو الشجرة، وسأريك كيف نفعل بأمثاله عندنا.»
وفي الوقت الذي انشغل فيه رجال الشريف في تولي أمر جون الصغير، شدّ روبين القوسين اللذين كان يحملهما، ثم اتجه صوب جون الصغير.
تقهقر رجال الشريف للوراء، وصرخ جون الصغير: «هيا! هاك صدري، من الصواب أن تذبحني نفس اليد التي اغتالت سيدي، أعرفك حق المعرفة يا جاي أوف جيسبورن.»
همس روبين: «اهدأ يا جون الصغير، لقد قلت مرتين إنك تعرفني، لكن من الواضح أنك لا تعرفني على الإطلاق، ستجد فوقك مباشرة قوسًا وسيفي العريض، عندما أقطع وثاقك، أمسك بهما سريعًا. الآن! أمسكهما!»
وفي نفس اللحظة، وضع روبين بسرعة سهمًا على وتر القوس وقال: «أول رجل يلمس سيفًا أو وتر قوس سيموت! لقد قتلت جاي أوف جيسبورن. فليحذر كل منكم أن يكون التالي!»
صرخ الشريف: «روبين هود!» وكان على يقين من أن روبين هود سوف يقتله اليوم، لذا أدار جواده ونخسه بمهمازه، فانطلق الجواد بأقصى سرعة وسط سحابة من الغبار.
وكان الجواد سريعًا للغاية، لكنه لم يكن أسرع من السهم؛ إذ أطلق جون الصغير سهمًا واحدًا من قوسه اخترق الهواء، ثم انغرس في مؤخرة الشريف، وكان السهم يخرج من جسمه مثل الذيل الريشي بمؤخرة العصفور. وعلى مدار شهر ظل الشريف يتوجع بشدة ولم يكن يستطع الجلوس إلا على وسادات ناعمة للغاية.