نجاة ويل ستوتلي
حمي غضب شريف نوتينجهام في الأيام التالية؛ إذ كان واثقًا تمام الثقة من أن فخه سوف ينجح، وقال في نفسه: «لقد جربت استعمال القانون، وجربت استعمال الخداع، والآن سأستخدم القوة.»
قصد ثلاثمائة رجل غابة شيروود، وكان الشريف قد عرض مكافأة مئة جنيه على من يتمكن من إلقاء القبض على روبين هود. أخذ الرجال يجوبون الغابة على مدار سبعة أيام بحثًا، بيد أنهم لم يروا رجلًا واحدًا يرتدي ملابس ذات لون أخضر زيتي، إذ وصلت أخبار خطة الشريف إلى روبين هود عن طريق حانة بلو بور.
فكر روبين في بادئ الأمر في أن يخوض غمار المعركة، إذ كان يعلم أن رجاله أقوى من رجال الشريف، لكنه قرر في أخر الأمر أن يختبئ إلى أن يزول الخطر. قال روبين لرجاله: «لقد قتلت رجلًا ذات مرة، ولا أرغب في أن أفعل هذا مجددًا، لأن هذا حمل ثقيل على النفس، لذا سنختبئ في الغابة حتى لا يُضر أحد منا، ولا نضر أحدًا.
اختبئ روبين ورجاله طيلة سبعة أيام وسبع ليال، وفي صباح اليوم الثامن سأل رجاله: «من سيذهب ليتفقد ماذا يفعل رجال الشريف الآن؟»
صارت جلبة عظيمة بين الرجال، وأخذ كل واحد منهم يلوح بقوسه في الهواء، فانشرح صدر روبين فخرًا برجاله وقال: «يا لكم من زمرة شجعان، سأختار ويل ستوتلي لأنه ماكر مكر الثعلب.»
تنكر ويل في زيّ راهب، مرتديًا الثوب البني فوق الزيّ الخاص برجال روبين، وقد ثبت في جنبه سيفًا حادًّا عريض النصل يغطيه الثوب، ثم قصد حانة بلو بور إذ كان يعلم أنه لا بدَّ أن تكون لدى صاحب الحانة أخبار.
عندما بلغ ويل الحانة، كان هناك بعض من رجال الشريف، لم يخش ويل منهم، بل تقدم وجلس على إحدى الطاولات. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه صاحب الحانة، احتكت قطة ضخمة بقدم ويل، فأزاحت ثوب ويل إلى أعلى بدرجة كافية حتى إن ملابسه الخضراء التي يرتديها تحت الملابس التنكرية ظهرت.
شدّ ويل ملابسه بسرعة إلى أسفل مرة أخرى، لكن بعد فوات الأوان؛ إذ لمح أحد رجال الشريف ومضة اللون الأخضر فسأل ويل: «أخبرني يا أبي، أين ستذهب في حرّ هذا الصيف؟»
أجاب ويل: «أنا متجه لزيارة الأماكن المقدسة في مدينة كانتربيري.»
قال الرجل ساخرًا: «وهل يرتدي كل زوار الأماكن المقدسة ملابس ذات لون أخضر زيتي تحت أثوابهم؟ أنت لست راهبًا، وإنما أحد رجال روبين هود!»
انقض الرجل التابع للشريف على ويل شاهرًا سيفه لينال منه، على الفور استل ويل سيفه، لكن بعد فوات الأوان؛ إذ جرح الرجل ويل، فأُصيب ويل بدوار، فجره بقية الرجال من رجليه وسحبوه على الأرض.
أرسل صاحب الحانة ابنته إلى روبين هود محملة بالأخبار فأخبرته قائلة: «قُبض على ويل ستوتلي، وسيُشنق غدًا.»
رد روبين: «لن يُشنق غدًا، وإن حدث هذا، فسيدفع الشريف الثمن.»
بوّق روبين في البوق، فجاء رجاله مهرولين، وأخبرهم الأخبار السيئة قائلًا: «لا بدَّ أن نأخذ أقواسنا وسيوفنا ونسرع لإنقاذه. أعرف أننا لا بدَّ أن نجازف بأرواحنا في سبيل إنقاذ ويل، كما جازف هو أيضًا بحياته من أجلنا.»
وفي باكر صباح اليوم التالي، وصل روبين ورجاله مدينة نوتينجهام، وقد انتظروا خارج بوابات المدينة حتى بعد الظهيرة. أخذ الجمع يتجمهرون، وكان الكافة يعلمون أنه سيُشنق ويل ستوتلي الشجاع اليوم.
أخيرًا اندفعت عربة عبر البوابات عليها ويل ستوتلي، وكان الشريف يركب إلى جانبه. تلفت ويل حوله بحثًا عن وجوه أصحابه، غير أنه لم يستطع رؤيتهم. غاص قلبه بداخله مثل الحجر الذي يغوص في المياه.
قال ويل للشريف: «أعطني سيفًا ودعني أدافع عن نفسي، أنا جريحًا بالفعل، لكنني سأحاربك أنت ورجالك حتى النفس الأخير.»
صاح الشريف في ازدراء: «لن تحصل على أي سيوف، أنت مجرم، ولسوف تموت ميتة شنيعة.»
طلب إليه ويل: «إذن فكّ قيودي وسأدافع عن نفسي دون أي سلاح.»
صرخ الشريف: «ستموت الآن أيها الوغد الصعلوك. ستُشنق في تمام هذه الساعة.»
صرّ ويل بأسنانه وصرخ: «أنت جبان! إذا لقيك روبين هود في أي وقت، فسيدفعك الثمن غاليًا. إنه يحتقرك شأنه شأن كل الرجال البواسل. ألا تعرف أن اسمك مثار سخرية كل رجل شجاع؟»
صرخ الشريف وهو متقدًا بالغضب: «ها أنا ذا مسار سخرية لسيدك؟ سأمزقك إربًا بعدما أعلقك!»
عندما بلغت العربة المشنقة، لم يستطع ويل ستوتلي أن يتمالك دموعه، فنكس رأسه كي يخفي دموعه عن الشريف الجبان، وعندما رفع رأسه مرة أخرى، أخذ قلبه يتراقص من شدة الفرح؛ فمع أن نظره كان مغشيًّا، استطاع أن يلمح أصدقاءه يحتشدون على مقربة، وعندئذ رأى سيده روبين هود. لم يستطع ويل أن يتمالك فرحه.
قفز جون الصغير على العربة وقطع الحبال التي توثق يدي ويل، صوب الشريف سيفه نحو رأس جون الصغير الذي انحنى لأسفل، وعلى الفور، ضرب سيف الشريف بسيفه فأجبر الشريف على أن يوقع سيفه. قذف جون بالسيف إلى ويل وقال له: «ويل، لقد أعارك الشريف سيفه!»
صرخ الشريف في الحراس: «أمسكوهم!» وعندئذ صفر صوت سهم يطير في الهواء على بعد بوصة من رأسه، فأخذ الحراس المرتاعون يتقهقرون.
صرخ الشريف في رجاله كي يصمدون ثم ركض هو نفسه.
صرخ فيه ويل: «قف مكانك.» ثم التفت إلى جون الصغير وشكره قائلًا: «لم أتوقع أن أراك اليوم، أو أي يوم آخر، قبل أن نلتقي في السماء. أنت صديقي الصدوق.»
ومع أنه لم يمت أحد في هذا اليوم، جُرح عدد كبير من رجال الشريف، مما بث الرعب في نفس الشريف، ففكر في نفسه قائلًا: «لا يهاب أولئك الرجال شيئًا. وقريبًا سأخسر منصبي قبل حياتي، لذا سأدعهم وشأنهم.»