الصيد الثمين!

عندما دخل «أحمد» إلى مركز معلومات المقر، توقفت كل أجهزة الكمبيوتر عن العمل فهل كانت دائرة؟!

نعم كانت دائرة … رغم أن هذا ضد عوامل أمان أجهزة الكمبيوتر … فهي تحوي معلومات عن أدَق تفاصيل حياتنا، وتَرْكها تعمل دون رقابة يُعرِّضها للاختراق من قِبل القراصنة الذين يسقطون في البرامج ويفتحون الملفات … ويطَّلعون على أسرارنا … بل ويدمِّرون ملفاتنا إنْ شاءوا … هذا لأن أجهزتنا على اتصال دائم بخط التليفون.

إن الشياطين كلهم الآن في المقر السري الكبير بالصحراء الغربية … يخضعون للفحوص الدورية … ويحصلون على دورات تدريبية حديثة في كل ما استُحدث من أسلحة وفنون قتال … وأجهزة اتصال … وغيره الكثير مما سبقهم هو إليه.

فمَن إذَن أدار أجهزة الكمبيوتر؟ ولماذا أدارها كلها دفعة واحدة؟

ولماذا أطفأها بمجرد دخوله؟

هل هناك مَن يسكن الأجهزة؟!

إنه احتمال بعيدٌ للغاية … فهذه أجهزة محترفين … لا يتعامل معها إلا الشياطين … أم إنها عملية الصيانة الدورية التي تقوم بها الإدارة الهندسية للمقر؟!

إنه احتمال وارد … وعليه التأكد منه أو نفيه.

وعبر تليفونه المحمول … قام بالاتصال بالإدارة الهندسية … فعرف أن ميعاد الصيانة لم يحِن بعدُ … فذهب إلى جراج المقر ليطمئن على كمبيوتر سيارته … فهذا الكمبيوتر بالذات له وضعٌ خاص جدًّا … فهو لا يعمل إلا بناءً على أوامر شخصية منه … حيث يُحلِّل ذبذبات صوته ليتعرف عليه … كذلك يقرأ بصمة إصبعه … ولهذا كله وجده غير دائر … فوضع سبابته على دائرة زجاجية زرقاء أعلى لوحة المفاتيح. وأُضيئَت الشاشة … وظهر عليها رسالة تقول «عرِّف نَفْسك» … وما إن نطق باسمه حتى ظهرت قائمة الوظائف … وقبل أن يتعامل معها … أراح ظهره على مسند الكرسي وأخذ يحادث نفسه قائلًا في صوت خافت: ماذا جرى يا «أحمد»؟ لماذا تظن أن ما يحدث هو اختراق وقرصنة؟ ولماذا ذهب ظنك إلى ذلك بالذات؟ لماذا؟ لماذا لم تعطِ نفسك فرصة البحث والتحرِّي؟

هل هناك ما جرى في العمليات السابقة كان سبب ذلك؟

إنك في حاجة ماسَّة لأن تخضع لتدريب نفسي مكثَّف حتى تتخلص من تأثير كل ما جرى من قبل.

وقطعَت عليه أفكاره ساعته بوخزاتها المستفزة … فتلقى اتصالًا لم يعرف صاحبه إلا بعد أن سمع صوته يقول له: أين أنت يا فتى؟!

أحمد: أهلًا «عثمان» … متى ستأتون؟

عثمان: أنت مَن سيأتي … فهناك جديدٌ يحتاجك!

أحمد: هل هي أوامر «رقم صفر»؟

عثمان: نعم.

أحمد: ولماذا لم يبلغني بها؟!

عثمان: لقد اجتمع بنا وطلب مني في نهاية الاجتماع أن أبلغك بذلك!

أحمد: هل هذا الأمر له علاقة بعملية جديدة؟

عثمان: أشعر بذلك.

أحمد: سأتحرك الآن … فأنا في «اللاند كروزر».

عثمان: أبلغها تحياتي.

ابتسم «أحمد» وقال له: أبلغ تحياتي لجميع الزملاء إلى أن آتي.

عثمان: إلى اللقاء.

بقدر ما كان «أحمد» يستمتع بقيادة «اللاند كروزر» … كانت هي أيضًا تستمتع به فما أن أعطاها الإشارة … حتى دارت محركاتها في نعومة بالغة … وما أن وضع قدمَيه على بدَّال السرعة … حتى انطلقت تُغادر جراج المقر … وتقطع الممر الواصل إلى بوابة الخروج في تأنٍّ … وما أن شعر بها الباب حتى انفتح على آخره طواعية … فغادرته في انحراف دائري حتى استوت على الطريق الموصل إلى طريق «الإسكندرية» الصحراوي … وبعدها جرت الأرقام على شاشة عدَّاد السرعة حتى بلغت أقصى المسموح به قانونًا.

غير أن «اللاند كروزر» لم يعجبها ذلك … فهي تريد أن تنطلق … لتستفيد من إمكاناتها وإمكانيات هذا القائد الماهر … فأطلقت العنان لمحركها وجُنَّت العجلات جنونًا خطيرًا … فلم تعُد تلامس أسفلت الطريق إلا نادرًا.

اندهش «أحمد» لما يجري … فقد خرجت السيارة عن سيطرته. وأصبحت كالطلقة الطائشة.

والطلقة لا يوقفها إلا الاصطدام بجسم ثابت … أو فقدان طاقة الانطلاق … وهذا يعني أنه إن لم يستطع السيطرة عليها فإنها لن تتوقف إلا بحادثة … ذلك أن خزان الوقود ممتلئ إلى آخِره.

ولم يعد أمامه إلا اللجوء إلى كمبيوتر السيارة … فقام باستدعاء برنامج الطوارئ … فلم يجد لديه غير حل واحد … هو فتح سقف السيارة والانطلاق بمقعده إلى خارجها وسوف يهبط المقعد محمولًا على أحزمة المظلة.

لم يوافق «أحمد» على هذا الحل … فهو يعني النهاية بالنسبة للسيارة … وهو لن يُضحي بها … وتذكر أنه يعرف طريقًا داخل الصحراء يمكنه السير فيه حتى تفقد السيارة ما بها من وقود غير أنه عاد واستدعى برنامج التوجيه الإجباري … وأدخل بعض المعطيات، وما أن عاد إلى عداد السرعة حتى وجده وقد بدأ يستجيب له … واتزنت السيارة مرة أخرى على الطريق … فأخذ نفَسًا عميقًا واسترخت عضلاته … وشعر بنشوة الانتصار على هذه المحنة … فبدأ يغني وقام بطلب «إلهام» التي ما إن سمعت صوت الموسيقى ينطلق من تليفونها … ونظرت إلى شاشته … حتى صاحت في بهجة: إنه «أحمد».

وضغطت زر الاستقبال وصاحت تقول له: أين أنت؟

أحمد: أنا على الطريق ولكني جائعٌ للغاية!

إلهام: نحن في انتظارك لنأكل سويًّا!

أحمد: هل لديكِ فكرة عن العملية القادمة؟

إلهام: إنها الآثار يا «أحمد» … فقد اكتُشفت كمية كبيرة من الآثار تم تهريبها من «مصر» إلى المملكة المتحدة بطريقة مريبة … وللأسف هناك أسماء كبيرة دخلت ضمن قائمة الاتهام!

أحمد: وما دورنا نحن!

إلهام: هناك ملف كامل للعملية ينتظر حضورك!

أحمد: يبدو أنني لن أحضر الآن.

إلهام: لماذا؟

علا صوت فرامل سيارة «أحمد» فاختلط بزمجرة احتكاك العجل بالطريق … وانقطع الاتصال … ورأى «أحمد» رجلًا يسقط أمام سيارته من سيارة جيب شيروكي زرقاء … ولمَّا تفاداه لم يصطدم به، فانفتح الباب الخلفي للسيارة … وخرجت طلقة من ماسورة بندقية أصابته في ساقه … فانحرف «أحمد» بشدة وخرج من الطريق وخلع حزام الأمان وفتح الباب … وقفز من السيارة … وجرى ليلتقط الرجل من الطريق … ويسحبه إلى حيث سيارته.

لكن الطلقات لم تنقطع … وبدلًا من ماسورة بندقية واحدة. انهالت عليهما الطلقات من عدة بنادق ومسدسات … فانبطح أحمد على الرمل بعد أن رمى الرجل بعيدًا عن مرمى النيران … وفي ثوانٍ … وقبل أن يلحظ «أحمد» ما يدور … دارت السيارة حول نفسها حتى أصبحت تسير عكس الطريق … وعندما رفع رأسه وجدها تنطلق في اتجاههما … فحاول جاهدًا جرَّ الرجل … والطلقات تنهال عليهما فتصطدم بكل ما يُحيط بهما … وفي ثوانٍ أخرج مسدسه … وأطلق ما فيه من رصاصات دفعة واحدة على عجلات السيارة … وكانت صدمة لمَن بها … فقد هبطت السيارة مرة واحدة … وأصبحت تقف على الإطارات الحديدية … وكانت فرصة له … فقد تمكن من الوصول لسيارته حاملًا الرجل … وقبل أن يفيق ركاب الشيروكي من هول المفاجأة كانت «اللاند كروزر» تستعد لمغادرة المكان.

وقبل أن تستوي على الطريق … كانت الشيروكي هي الأخرى تستعد للانطلاق، كيف وهي تسير على الإطارات الحديدية للعجلات؟!

لا … لم تعُد تسير عليها. فقد رآها «أحمد» وهو في غاية الدهشة … ترتفع لأعلى وتستقر على أربعة إطارات يملؤها الهواء … فصاح يقول للرجل: لقد انتفخت العجلات مرة أخرى!

فعلق الرجل بصوت ضعيف قائلًا: إن بها أنابيب هواء احتياطية يتم نفخها آليًّا!

انتبه «أحمد» في هذه اللحظة إلى وخزات ساعة يده في رسغه … وعرف أنها «إلهام» فضغط زرًّا بالساعة وأجابها قائلًا: أنا ما زلت حيًّا!

ولم يسمع ردها جيدًا … فعدل من وضع سماعة أذنه … وقال لها: ماذا قلتِ يا «إلهام»؟!

فقالت «إلهام» في قلق تسأله: لماذا انقطع الاتصال؟ ولماذا لم ترد على اتصالي بك كل هذا الوقت؟ وما هذه الضوضاء التي سمعتها قبل انقطاع الاتصال؟!

أحمد: سأجيبكِ عن كل ذلك … ولكني الآن مُطارَد ومعي مُصاب.

إلهام: مَن هذا الرجل؟

أحمد: حتى الآن لا أعرف مَن هو؟!

إلهام: ومَن الذين يطاردونك ولماذا؟

أحمد: حتى الآن لا أعرف مَن … ولكني أعرف لماذا؟

إلهام: أخبرني إذَن يا «أحمد» لماذا يطاردونك؟

أحمد: لأني أحمي هذا الرجل!

كان «أحمد» يحادث «إلهام» وعيناه على المراية الجانبية والأمامية يُتابع مطارديه وتطوُّر حركتهم … وسمع أنين الرجل الجالس بجواره … قال له يسأله: هل آلامك شديدة؟!

الرجل: نعم!

أحمد: سأحاول الذهاب بك إلى أقرب مستشفى … ولكن عليَّ أن أتخلص منهم أولًا!

وهنا صاح الرجل معترضًا بقوله: لا … لا … لا داعي للمستشفى!

وكانت «إلهام» لا تزال على الخط … فقالت له: إنه مُطارَد من الشرطة يا «أحمد»!

والتفتَ «أحمد» إلى الرجل وقال له باقتضاب: هل أنت حقًّا مطلوب أمنيًّا؟

فقال الرجل في قلق وهو يُمسك بساقه: نعم.

فعاد يسأله قائلًا: هل أنت قاتل؟

فأسرع الرجل ينفي التهمة عن نفسه قائلًا: لا … لا إنني سارق آثار!

فعلَّقَت «إلهام» قائلة: إنه صيد ثمين يا «أحمد».

نظر «أحمد» مليًّا ثم قال له ضاحكًا: هل أنت حقًّا سارق آثار؟

فعاد الرجل يؤكد ما قاله قائلًا: نعم يا سيدي!

أحمد: هل لك علاقة بقضية الآثار الأخيرة؟

الرجل: نعم.

إلهام: حافظ عليه جيدًا يا «أحمد» … وسُنرسل لك سيارة مجهَّزة طبيًّا لعلاجه.

أثار الرجل حاسة الفضول الأمني لدى «أحمد» … فعاد يسأله باهتمام شديد: ألم تقبض عليك الشرطة بعد؟!

الرجل: لقد اختطفوني من قاعة المحكمة.

أحمد: مَن؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤