الخدعة!

في صبيحة ذلك اليوم الحاسم … كان المقر السري الكبير في الصحراء الغربية في حالة نشاط زائد … فقد تم الانتهاء من إعداد أربعة توابيت لثلاثة رجال وامرأة … وقد قام «برقوق» بالاتفاق مع تجار الآثار على ميعاد يُعاينون فيه التوابيت النائمة في الرمال.

ومن مكان ما في الصحراء الغربية … تحركت سيارة مصفَّحة ليس فيها نوافذ يمكن للمرء أن يرى منها الطريق … وبعدت كثيرًا عن حرم المقر السري الكبير … وعند مكان ما في الصحراء الغربية … ترك ثلاثة رجال سيارتهم الجيب الفارهة وركبوا مع «برقوق» السيارة المصفَّحة … وأُغلقت عليهم الأبواب … ولم يعُد لهم علاقة بالعالم الخارجي … حتى إن السائق يفصلهم عن كابينته حائط معدني … وبعد مسيرة حوالي نصف الساعة … تم إنزال «برقوق» من السيارة … ولم يعُد فيها غيرهم والسائق … وتاجر الآثار الخطير «أحمد» … الذي كان يجلس بجوار السائق.

وبعد عشر دقائق أخرى من السير في عمق الصحراء … توقفت السيارة … ونزل «أحمد» وفتح الباب الخلفي للسيارة … وعاون الثلاثة رجال على النزول … ثم عرَّفهم بنفسه … أنه «عارف المجدوع» رجل لا يراه الناس كثيرًا … وأنهم محظوظون لأنهم رأوه … وسار السيد «عارف» عددًا من الخطوات ثم توقف وأمر السائق بالنزول والحفر في المكان الذي توقف فيه … ولم يحفر السائق كثيرًا وبعدها أزاح الرمال عن التابوت الأول … وما إن رآه الرجال الثلاثة … حتى طاشت عقولهم … وانحنوا يفحصونه بينهم لدقائق … دفع بعدها السيد «عارف» الرمال بقدمه فردم بها التابوت مرة أخرى، وكذلك فعل مع بقية التوابيت … وبعدها ركب السيارة المُصفَّحة معهم من الباب الخلفي … ودار بينه وبينهم حوارٌ وصلوا بعده إلى اتفاق على أن يدفعوا له خمسة ملايين دولار، مقابل الأربعة توابيت … وعليه هو محاسبة «برقوق».

هل بهذا كملت الخدعة … وكيف وافق الرجال بهذه السرعة على شراء التوابيت؟ وهل السيد «عارف» مُطمئن لهؤلاء الرجال؟

وقد أجاب السيد «عارف» عن هذا التساؤل قائلًا: إن الآثار لا يتم العبث بها أو فحصها باليد قبل شرائها … بل يكتفي بالفحص بالعين المجردة … والاستعانة بالعدسات المكبرة … أما المومياوات التي نبيعها … فلها مظهر يحرص أكثر التجار مهارة على شرائها … وهو ما قد تم والبقية الآن هي إعداد الشياطين ليكونوا جاهزين قبل ميعاد الاستلام والتسلم.

وفي نفس اليوم … تلقى «أحمد» اتصالًا هاتفيًّا منهم … حددوا فيه ميعاد تسليم الدولارات … وقد اتفقوا على أن تكون أوراق فئة المائة دولار.

وفي الميعاد المحدد … حملت السيارة المصفَّحة ثلاثة رجال ومعهم سَلَّة من سِلال البلح إلى مكان آخَر … كانوا قد نقلوا إليه التوابيت … ولم يكتشف الرجال ذلك لأن الصحراء واحدة في كل بقعة منها رمال.

وهناك … تم تسليم السلة ﻟ «أحمد» الذي سلمها لرجلين كانا بصحبته … فقاما بعَدِّ النقود قبل أن يزيحا الرمال عن التوابيت … ويسلموها لهم.

ثم عاونوهم في نقلها إلى السيارة المصفَّحة … ووضعوا بدلًا منها سَلَّة الدولارات وأعادوهم مرة أخرى إلى المكان الذي اصطحبوهم منه … وهناك تم نقل التوابيت الأربعة إلى الأربع سيارات «فان» كبيرة كانت تقف في انتظارهم … وقاموا بتحية السيد «عارف» بحرارة … ورجوه ألا يتوقفَ عن التعامل معهم.

وظلت سيارتهم متوقفة … ولم تتحرك إلا بعد أن تحركت المصفَّحة واختفت عن أنظارهم.

فهم لا يريدون أن يتبعهم أحد … ولم يكونوا يعرفون … أن هناك على بداية الطريق إلى الجبَّانة ثلاثة جمال يركبها ثلاثة أعراب من البدو هم «خالد» و«رشيد» و«قيس» … تقف في انتظارهم.

وحول الجبَّانة انتشر عدد من الرجال وعلى الطريق الوحيد غير المؤهل والموصل إليهم … وقف بعضهم أيضًا في انتظار السيارات الفان الأربع وكأنه موكبًا للاحتفال بأصحاب هذه التوابيت.

وأمام الجبَّانة … وقفت أول سيارة … فتقدم مجموعة من الرجال … وقاموا بفتح الباب الخلفي … ثم في حرص شديد قاموا بحمل التابوت … وساروا به دهاليز الجبَّانة الخارجية إلى أن هبط بهم الطريق إلى داخلها.

وبعد عدة دقائق كانت الفان الأخرى قد حلت مكان الأولى التي انصرفت وهكذا حدث مع بقية التوابيت.

ولاحظ «أحمد» على شاشة كمبيوتر السيارة … أن حفلًا ساهرًا يتم الإعداد له احتفالًا بقدوم المومياوات … وليتهم يعرفون ماذا تُخبئ لهم هذه التوابيت … إنها تُخبئ لهم أربعة شياطين يُجيدون فنون القتال والقنص.

وأُعِدَّت حلبة الرقص … وذُبحت «الذبائح» … وأُطلقت الأعيرة في الهواء … وتوافدت الجمال تحمل المزيد من الرجال.

وشعر «أحمد» بالقلق على النائمين في التوابيت … وقام بالاتصال بهم … وفي كلمات موجَزة جدًّا … عرف أن الأمور عندهم جيدة … فقرر الاستفادة من هذا الاحتفال … وطلب من رقم «صفر» أن يُرسل له المزيد من الرجال على المزيد من الجمال … وكأنهم من رجال القبائل المحيطة بهم.

ومع أن الرجال الذين أرسلهم رقم «صفر» لم يكونوا غرباء عن أهل المنطقة … فإن رجال العصابة شعروا بالقلق وبدأت حركتهم تتسم بالعصبية، وكان «أحمد» يرى هذا على شاشة كمبيوتر السيارة … وبجواره كانت تجلس «ريما» العبقرية فقال لها: الوضع لن يستمر في صالحنا طويلًا.

ريما: لماذا؟

أحمد: رجال العصابة بدءوا يقلقون لرؤية رجالنا … وهم لم يدعونهم، ولا يعرفونهم … وهذا سيدفعهم للتصرف بحماقة وهذا ما لا نريده!

ريما: وما العمل؟

أحمد: سأُعجِّل بالمواجهة! ثم أُعطي الإشارة لسكان التوابيت للاستعداد … وكذلك بقية الرجال راكبي الجمال والسيارات.

وشعر رجال العصابة بحركة مريبة بين ضيوفهم … فخرجوا من مكمنهم يستطلعون الأمر … فرأوا الْتحامًا بالأسلحة البيضاء … وبنادق أُلصقت فوهاتها بظهور الرجال وقد وُضعت في أيديهم القيود.

فأطلقوا الأعيرة النارية في كل مكان بشكل عشوائي … مما دفع كل مَن كان بالجبَّانة إلى الخروج من منافذ مختلفة للمعاونة.

وكانت هذه الفرصة التي ينتظرها «أحمد» فأعطى إشارةَ الخروج للنائمين في التوابيت.

وكان منظرًا مرعبًا حين فُتِحَت التوابيت وخرج منها الشياطين … ثم أعادوا إغلاقها مرة أخرى … وأعطوا إشارة لاسلكية ﻟ «أحمد» عن طريق ساعتهم الإلكترونية … فأبلغ بقية الرجال بذلك … فالتحموا مباشرة برجال العصابة … الذين كانوا يترددون على الجبَّانة من الداخل للحصول على السلاح والذخيرة … فكانت تُقابلهم أقدام الشياطين كالقذائف … تصطدم بصدورهم فتُلقيهم على ظهورهم أرضًا.

وتكون فرصتهم لوضع القيود في أيديهم.

لقد أُصيب رجال العصابة بالفزع عندما رأوا الشياطين يخرجون من داخل الجبَّانة، فأخذوا يصرخون قائلين: لعنةُ الفراعنة!

وصدَّقهم بقيةُ الرجال وفروا هاربين، وكانت فرصة لرجال البوليس فقد كانوا صيدًا سهلًا … والفضل كله يرجع ﻟ «حصان طروادة».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤