دعبل الخزاعي والجارية

قال دعبل الخزاعي: كنت جالسًا بباب الكرخ إذ مرت بي جارية لم أرَ أحسن منها، ولا أعدل قدًّا، وهي تنثني في مشيتها وتسبي الناظرين بتثنيها، فلما وقع بصري عليها افتتنت بها وارتجف فؤادي وآنست من قلبي ارتحالًا، فأنشدت معرضًا بهذا البيت:

دموع عيني بها انقضاضُ
ونوم جفني به انقباض

فنظرت إليَّ واستدارت بوجهها وأجابتني بسرعة بهذا البيت:

وذا قليل لمن دعته
بلحظها الأعين المراضُ

فأدهشتني بسرعة جوابها وحسن منطقها فأنشدتها ثانيًا هذا البيت:

فهل لمولاتي عطف قلبٍ
على الذي دمعه مغاضُ

فأجابتني بسرعة من غير توقف بهذا البيت:

إن كنت تهوى الوداد منا
فالود ما بيننا قراضُ

فما دخل أذني قط أحلى من كلامها، ولا رأيت أبهج من وجهها، فعدلت بالشعر عن القافية امتحانًا لها وعجبًا بكلامها، فقلت لها هذا البيت:

أترى الزمان يسرنا بتلاق
ويضم مشتاقًا إلى مشتاقِ

فتبسمت، فما رأيت أحسن من فمها ولا أحلى من ثغرها، وأجابتني بسرعة من غير توقف بهذا البيت:

ما للزمان وللتحكم بيننا
أنت الزمان فسُرَّنا بتلاقِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤