الفكرة المدهشة

لم يتناول الأصدقاء الجيلاتي الذي وعدهم به «تختخ»؛ فقد انصرفوا فورًا، وقال «تختخ»: سنركب بثمن الجيلاتي تاكسيًا … إن الوقت يمر بسرعة، ولا بد أن نعثر على «مأمون» فورًا.

وأسرع الأصدقاء إلى تاكسي، وطلبوا من السائق الاتجاه إلى المقطم، وعندما وصلوا إلى باب اللوق قالت «لوزة»: لا أدري كيف نذهب إلى الأستاذ «مأمون» دون أن نتأكَّد من وجوده في منزله؟ … أليس من الأفضل أن نتصل به تليفونيًّا أولًا؟

وطلب «تختخ» من السائق أن يتوقَّف، وأسرع إلى تليفون، واتصل بمنزل «مأمون» … ولكنه لم يجده في البيت، فعاد إلى التاكسي قائلًا: معك حق يا «لوزة» … كنا سنُضيِّع وقتنا ونقودنا عبثًا. إن الأستاذ «مأمون» … ليس في المنزل … فهيا بنا إلى المعادي.

عندما وصل الأصدقاء إلى المعادي … اتجهوا إلى منزل «تختخ» حيث وجدوا أن المفتش «سامي» قد اتصل بهم تليفونيًّا … فطلبه «تختخ»، ولم يكد المفتش يرد حتى قال «تختخ»: إن هناك لغزًا يحتاج إليك!

المفتش: لقد عدتُ هذا الصباح، وكنت أُحب أن أرتاح من الألغاز والمشاكل لبعض الوقت.

تختخ: على كل حال لست متأكِّدًا حتى الآن هل في إمكانك أن تأتي لتناول الليمونادة والقهوة هذا المساء؟

المفتش: لا بأس، سأحضر إليكم في الثامنة.

وبعد أن أغلق «تختخ» التليفون قالت «نوسة»: والآن يا «تختخ» هل تقول لنا ما هي فكرتك؟

تختخ: أُفضِّل أن نُؤجِّلها حتى المساء … فقد حان موعد الغداء … وسيكون المفتش «سامي» معنا يُساعدنا في حل اللغز.

وهكذا افترق الأصدقاء على موعد في الثامنة.

عندما جلس المفتش «سامي» في الثامنة بين الأصدقاء قال موجِّهًا الحديث إلى «تختخ»: هل تعثرون على الألغاز في الطريق؟ لقد كنت أظنكم تُنفِّذون برنامج زيارة المتاحف كما قلت لي قبل سفري.

تختخ: إننا وقعنا على هذا اللغز ونحن نُنفِّذ البرنامج … إنه لغز خاص بمتحف، أو قل إنه لغز فني!

المفتش: إنني على استعداد للاستماع … فمن الذي سيبدأ؟

قال الأصدقاء في نفَس واحد: تختخ.

وبدأ «تختخ» الحديث قائلًا: إنني سأتحدَّث عن لغز قد يُساوي مائة ألف جنيه … أو مائتَي ألف … وربما مليون جنيه.

رفع المفتش رأسه وكفَّ عن تناول القهوة قائلًا: لابد أنها نكتة!

تختخ: إذا صدقت استنتاجاتنا فإن اللغز يُساوي أكثر من مليون جنيه، بل إنه قد يساوي أكثر من هذا بكثير.

المفتش: يكفي تشويقًا … وأرجو أن تُحدِّثني عن اللغز حالًا.

تختخ: إنك تعرف متحف «محمد محمود خليل» الواقع على كورنيش النيل قرب فندق «شيراتون».

المفتش: طبعًا أعرفه.

تختخ: إن به لوحات تُساوي مليون جنيه أو أكثر.

المفتش: بعض اللوحات التي فيه تُساوي هذا المبلغ.

تختخ: أعتقد أن بعض هذه اللوحات قد سُرق.

المفتش: متى؟!

تختخ: منذ خمسة أيام.

المفتش: هكذا دون أن يعلم أحد؟

تختخ: نعم … فقد وُضعت أغرب خطة سمعت بها لسرقة هذه اللوحات.

المفتش: كيف؟

تختخ: سأبدأ من البداية … فهذا أفضل لنا جميعًا … منذ خمسة أيام ذهبنا لزيارة «متحف محمد محمود خليل» فوجدناه مغلقًا … وعلمنا أن هناك لجنة جرد تقوم بإحصاء مقتنيات المتحف بعد أن شوهد شخص في حديقة المتحف ليلًا … وأطلق عليه الحارس النار … وفي أثناء تجوُّلنا في الحديقة قبل أن يفتح المتحف أبوابه عثرنا على آثار هذا الشخص الذي سمَّيناه شبح المتحف، وكانت هناك آثار دماء على العشب … ومنديل ملوَّث بالدم، وآثار ألوان ممَّا يستعمل في الرسم، ودبابيس رسم … وأعقاب سجائر من نوع «جولواز» الفرنسي.

المفتش: ثم ماذا؟

تختخ: انتهت لجنة الجرد من عملها وأعلنت أن لا شيء قد نقص من المتحف … ولم يهتم أحد بمتابعة أخبار شبح الحديقة … وحدث بالصدفة أن ذهب «محب» لزيارة قريبة لهم مريضة في مستشفى «العجوزة»، فقابل الرسَّام «مأمون» هناك، وكنا قد تعرَّفنا به في المتحف، وعلم أنه سيزور صديقًا له في المستشفى … وذهب «محب» لزيارة الرسَّام فوجده مصابًا وقد أُجريت له عملية، ووجد أنه يُدخِّن سجائر «جولواز» فشككنا في أنه شبح المتحف … وذهبنا في اليوم التالي لزيارته في المستشفى فوجدنا أنه غادر المستشفى قبل إتمام علاجه، وهو شيء يدعو إلى التساؤل، خاصةً وأنه خرج دون أن يُخبر أحدًا … أي أنه هرب … فذهبنا لزيارة حارس المتحف، حيث علمنا أن هذا الرسَّام الشبح واسمه — كما قال الرسَّام «مأمون» — «رزق»، كان يتردَّد على المتحف خلال الشهرَين الأخيرَين؛ لأنه يقوم بنقل صورة طبق الأصل من بعض اللوحات الشهيرة لحساب هيئة في باريس … فهو يعيش هناك منذ فترة طويلة.

المفتش: وما هو اللغز إذا لم يثبت أن شيئًا سُرق من المتحف، وحتى بفرض أن «رزق» هذا هو شبح المتحف أو الحديقة كما تسمونه كان هناك، وأنه ترك المستشفى دون إذن … إن هذا لا يُشكِّل لغزًا إلَّا إذا أردنا أن نعرف لماذا هرب «رزق» من المستشفى … فهل إجابة هذا السؤال تحل اللغز؟

تختخ: نعم. لماذا هرب «رزق» من المستشفى؟

المفتش: لعل عنده أسبابًا خاصةً لهذا الخروج المفاجئ؛ بأن يكون مرتبطًا بموعد للسفر أو أي شيء من هذا القبيل.

تختخ: على العكس … إن «رزق» هرب من المستشفى لأنه لص!

المفتش: لص؟!

تختخ: نعم … لأنه لص!

التفت الأصدقاء الأربعة والمفتش إلى «تختخ» بعد هذا الاتهام الصارخ الذي وجَّهه إلى «رزق»، وقال المفتش: وما هو دليلك على أنه لص؟

تختخ: ليس عندي دليل حتى الآن … ولكن مجرَّد فكرة.

المفتش: من الصعب جدًّا أن نتهم الناس بالسرقة لمجرد فكرة، ولكن على كل حال ما هي فكرتك؟

تختخ: سأشرح فكرتي بشكل مطوِّل نوعًا ما؛ حتى يمكنكم متابعتي … إنني أتصوَّر أن «رزق» جاء من فرنسا وفي ذهنه سرقة بعض اللوحات الفرنسية المشهورة الثمينة الموجودة بمتحف «محمد محمود خليل»؛ فهو يعرف قيمة هذه اللوحات، ويمكن أن يبيعها بثمن كبير … وهكذا حضر إلى القاهرة، وفي ذهنه خطة شيطانية … أن يقوم بتقليد هذه اللوحات أولًا.

سكت «تختخ»، والمفتش والأصدقاء يُتابعون باهتمام، ثم مضى يُكمل شرح فكرته: وذهب إلى المتحف ومعه أدوات الرسم، وأخذ يرسم اللوحات بنفس مقاييسها، وحجمها … وهذا عمل ليس محرَّمًا؛ فهناك عدد كبير من الفنَّانين يقومون بتقليد اللوحات المشهورة … وعندما أتمَّ «رزق» رسم اللوحات انتهى بهذا الجزء الأول من خطته … أمَّا الجزء الثاني فهو وضع اللوحات المزيَّفة مكان اللوحات الأصلية.

وعاد «تختخ» إلى الصمت وقد بدأ حديثه مشوِّقًا جدًّا للأصدقاء والمفتش.

المفتش: حتى الآن هذا كلام معقول … فكيف نفَّذ الجزء الثاني من الخطة؟

تختخ: الجزء الثاني من الخطة نفَّذه منذ خمسة أيام … لقد دخل إلى المتحف ومعه اللوحات المزوَّرة … وظلَّ بالمتحف حتى موعد إغلاق الأبواب، فاختفى في مكان ما داخل المتحف … وربما في دورة المياه مثلًا … وهو على كل حال درس المكان الذي سيختفي فيه خلال الشهرَين اللذين قضاهما متردِّدًا على المتحف … اختفى إذن حتى أغلق المتحف أبوابه … وانتظر حلول الظلام؛ فهو يعرف أن حارس المتحف يُغادر مكانه بعد ذلك ويذهب للجلوس مع حارس باب الحديقة … وعندما اطمأنَّ إلى ذلك خرج من مكمنه، وقام بإبدال اللوحات، ووضع المزيَّفة في الإطارات، وأخذ اللوحات الأصلية، ثم فتح إحدى النوافذ، وقفز منها، وأعاد إغلاقها من الخارج بقدر ما يستطيع؛ حتى لا يشك أحد … فقد كان يُريد أن يُبعد أي شبهة سرقة حتى لا يتحرَّك رجال الشرطة، ولكن لسوء الحظ عندما وصل إلى سور الحديقة الخلفي، عاد الحارس ليُحضر شيئًا وشاهده من بعيد، فأطلق النار عليه وأصابه … ولكن الحارس لم يكن متأكِّدًا من إصابته، ومن ناحية أخرى فقد فضَّل أن يُسرع إلى المتحف ليرى ما حدث فيه … وعندما وجد الأبواب والنوافذ كلها مغلقة، اطمأنَّ حين عرف أن شيئًا لم يحدث، وأحضر الشيء الذي كان يبحث عنه، ثم عاد للجلوس مع حارس الباب.

نوسة: ولكن الحديقة مضاءة، وكان يمكن للحارس أن يراه بعد إصابته.

تختخ: نسيت أن أقول لكم إن «رزق» أطفأ أنوار الحديقة قبل خروجه، ولمَّا كان من الممكن أن تنطفئ الأنوار أحيانًا، ثم تُضاء مرةً أخرى؛ فإن الحارس لم يشك في شيء … واستطاع «رزق» أن يتسلَّل في الظلام، فلمَّا أُصيب أسرع إلى الاختفاء خلف شجرة ضخمة في الحديقة، ولكن إصابته منعته من مواصلة السير، فبقي في مكانه فترةً طويلةً يُفكِّر فيما يفعل … وقد وجدنا آثاره هناك … أعقاب السجائر، ودبابيس الرسم، ولعله خشي أن يخرج إلى الشارع فيراه أحد … وهكذا بقي حتى قرب الفجر حيث استطاع أن يقفز السور، ثم يختفي.

المفتش: ولكن لجنة الجرد … ألم تعرف اللوحات المزيفة؟

تختخ: إن لجنة الجرد لم تُفكِّر مطلقًا في فحص اللوحات … لقد أتمَّت مهمَّتها بمراجعة اللوحات والتماثيل الموجودة على ما عندها من أرقام، فوجدت العدد سليمًا لم ينقص، فلم تُفكِّر في فحص اللوحات نفسها.

المفتش: إن هذه فكرة شيطانية حقًّا … المهم أن نُثبتها، ولا بد من إحضار رسَّام متمكِّن حتى يكتشف اللوحات المزيفة.

تختخ: إن صديقنا الرسَّام «مأمون» يمكن أن يقوم بهذه المهمة.

المفتش: علينا إذن أن نتصل به فورًا.

وأحضر «تختخ» التليفون وتحدَّث إلى «مأمون»، واتفقا على أن يلتقيا في اليوم التالي في المتحف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤