حقيبة بمليون جنيه

وصل المفتش «سامي» أمام محطة السكة الحديد، فوجد الأصدقاء في انتظاره ومعهم «زنجر» … وبعد أن حيَّاهم وزَّع رجاله على مختلِف أنحاء المحطة؛ فقد يصل «رزق» في هذا الوقت فيمكنهم القبض عليه.

ثم اتجه مع الأصدقاء إلى مخزن الأمانات … كان هناك زحام على المخزن … حيث صُفَّت مئات من الحقائب من مختلِف الأنواع والأشكال والأحجام … وعندما جاء دور المفتش للحديث، قدَّم نفسه للموظف، ثم قال: إننا نبحث عن حقيبة لا نعرف لها لونًا ولا حجمًا، ولكن نُرجِّح أنها أودعت في نحو الساعة الثامنة صباح يوم السبت الماضي، أودعها شاب نحيل الجسم، له لحية سوداء، وكان واضحًا أنه يسير بصعوبة؛ فقد كان مصابًا في ساقيه، فهل تذكر شخصًا له هذه الصفات؟

قال الرجل وهو يتذكَّر: نعم … إنني أذكر جيدًا شخصًا له هذه الصفات … نعم إنني أذكره جيدًا. يسير بصعوبة في الصباح الباكر وهو يتقدَّم مني … ولمَّا سألته عمَّا حدث، قال إنه أصيب في حادث، وطلب إيداع حقيبته حتى يسرع إلى الإسعاف … وقد أخذت منه الحقيبة وأعطيته إيصالًا بتسلُّمها.

المفتش: وهل عاد لأخذ الحقيبة؟

الرجل: لا أدري؛ فمن الصعب التذكُّر، خاصةً ولي زميل آخر قد يكون قد سلَّمها … ولكنني لا أذكر أنني رأيت الشخص مرةً أخرى.

محب: هل يمكن تفتيش الحقائب التي هنا؟

الرجل: لا بد من الحصول على إذن بذلك من النيابة؛ فمن الممنوع فتح حقيبة مسافر وهي في الأمانات.

المفتش: من الممكن الحصول على هذا الإذن بسرعة.

تختخ: إنني أقترح مراجعة إيصالات يوم السبت … إذا كانت لها أرقام مسلسلة … ونرى إذا كانت الإيصالات التي أُعطيت في هذا اليوم للمسافرين قد أعيدت إلى المخزن أو لا … بمعنًى آخر … هل تسلَّم كل المودعين يوم السبت حقائبهم أولًا؟

الرجل: هذا ممكن.

وذهب الرجل إلى مكتبه، وعاد بالإيصالات، وأخذ يفرزها، ثم قال فجأة: لقد تسلَّم كل أصحاب الحقائب التي أودعت يوم السبت حقائبهم يومَي السبت والأحد … وهناك شخص واحد تسلَّم حقيبته اليوم … منذ دقائق قليلة، ولكن لم تكن له لحية.

تختخ: لقد كان «رزق» في المستشفى يومَي السبت والأحد؛ فلا بد أنه هو الذي تسلَّم الحقيبة الآن بعد أن أزال لحيته!

المفتش: معنى هذا أنه غادر المحطة قبل أن نصل.

تختخ: وقد يكون في أحد القطارات التي ستُغادر المحطة الآن … إذا لم تكن هناك قطارات غادرت المحطة منذ دقائق وركب في أحدها.

المفتش: تعالَوا نسأل.

وأسرع الأصدقاء والمفتش إلى غرفة ناظر المحطة، الذي قال إنه لم تُغادر أي قطارات المحطة خلال الربع الساعة الماضية … ولكن هناك قطارًا سيُغادر المحطة فورًا.

تذكَّر «تختخ» مرةً أخرى «زنجر» الذي كان يقف خلفه، فأخرج المنديل وقرَّبه من أنفه … ولم يكد «زنجر» يشم المنديل، حتى أخذ يتشمَّم الهواء حوله، والأصدقاء والمفتش ينظرون إليه في رجاء … ثم انطلق «زنجر» جاريًا وخلفه الجميع … جرى «زنجر» وتجاوز بوابة الدخول إلى الرصيف رقم «١»، حيث كان يقف القطار المسافر إلى الإسكندرية، وكان يُطلق صفَّارته إيذانًا بالرحيل.

أسرع الأصدقاء والمفتش خلف «زنجر» الذي قفز إلى القطار، واستطاع المفتش و«تختخ» و«محب» اللحاق به، وتحرَّك القطار، فوقف «تختخ» بالباب وطلب من بقية الأصدقاء العودة إلى المعادي، وكان «زنجر» يقف حائرًا في القطار يتشمَّم ما حوله، ثم انطلق يجري ولكن في بطء داخل العربة الأولى.

تجاوز «زنجر» العربة الأولى وخلفه المفتش و«تختخ» و«محب»، ثم تجاوز العربة الثانية بين دهشة الناس الذين أخذوا يتجمَّعون حولهم وقد أثارتهم المطاردة.

في العربة الثالثة اندفع «زنجر» إلى حقيبة موضوعة على أحد الأرفف وأخذ ينبح … ودون تردُّد مدَّ المفتش يده … وجذب الحقيبة، وكان «تختخ» و«محب» ينظران حولهما للبحث عن «رزق»، ولكن لم يكن له أثر … كانت الحقيبة مقفلة، ولكن المفتش لم يتردَّد، فقد أخرج من جيبه مطواة قوية بها عدد من الأسلحة، ثم أخذ يُعالج القفل ببراعة، وسرعان ما استسلم القفل ونزعه المفتش، ثم مدَّ يده يفتح الغطاء … وخفقت قلوب الثلاثة وهم ينظرون للغطاء وهو يرتفع … ولم يكن على وجه الحقيبة إلَّا بعض الملابس … ولكن عندما رفع المفتش الملابس، كانت اللوحات الأولى موضوعةً أسفل الحقيبة، وقد طُويت بعناية … أخرج المفتش اللوحات الأولى ونظر فيها ونظر إلى الأصدقاء، وارتسمت على وجوه الثلاثة ابتسامة ظافرة!

قال «تختخ»: بقي أن نجد «رزق».

المفتش: وأين سيفلت؟ … إن القطار لن يقف إلَّا في «بنها»؛ فأمامنا نحو نصف ساعة نبحث عنه فيها.

وحمل المفتش الحقيبة بين تعليقات الركاب … ثم قال «تختخ» موجِّهًا الحديث إلى «زنجر»: والآن أيها المخبر الممتاز … هل تجد لنا «رزق»؟ هيا … هيا يا «زنجر»، أكمل عملك!

وكأنما فهم «زنجر» حديث «تختخ»، فانطلق مرةً أخرى يجري وخلفه الثلاثة … وعندما وصل إلى دورة المياه وقف وأخذ ينبح! وأدرك الجميع أن «رزق» في الداخل؛ فاستدعَوا كمساري القطار الذي يحمل مفتاحًا إضافيًّا لفتح الأبواب، فمدَّ يده ببساطة وفتح الباب … وفي الداخل كان «رزق» يقف وقد اصفرَّ وجهه وزاغت عيناه … فأمره المفتش في لهجة قاسية أن يخرج.

وخرج … ونظر إلى الحقيبة في يد المفتش … الحقيبة التي تُساوي مليون جنيه!

واصطحب المفتش «رزق» إلى بوفيه القطار، وطلب منه أن يروي له قصته.

قال «رزق» وهو يتصبَّب عرقًا: لقد غادرتُ القاهرة إلى باريس لأستكمل دراستي في الرسم، ولكن للأسف الشديد أغوتني الأضواء والملاهي، فنسيت دراستي وأخذت أرسب عامًا بعد آخر، حتى طُردت من كلية الفنون … وأخذت أبحث عن عمل ولكني لم أكن موفَّقًا … وكنت أحلم بالثراء السريع، وهكذا وقعتُ بين عصابة من لصوص التحف واللوحات. ولمَّا عرفت العصابة قصتي وبلدي فرضت عليَّ أن أعود إلى القاهرة لسرقة هذه اللوحات التي تُساوي نحو مليون جنيه … ووعدتني العصابة أن تأخذ اللوحات وتتولَّى بيعها مقابل عشرة آلاف جنيه لي شخصيًّا!

وسكت «رزق» قليلًا … ووجهه يعكس مدى يأسه وبؤسه، ثم قال: ورسمت العصابة الخطة … وكانت تقوم على فكرة تزييف اللوحات ووضعها في أماكن اللوحات الأصلية لتضليل الشرطة … وقمت بالجزء الأول من الخطة، وزيَّفت اللوحات، ثم أطفأت أنوار حديقة المتحف حتى لا يراني أحد … ولكن تصادف لسوء الحظ أن رآني حارس المتحف في الحديقة فأطلق النار وأصابني … وخشيت أن يتبعني فاختفيت خلف الأشجار الضخمة الموجودة بالحديقة، وظلِلت في مكاني حتى الصباح؛ فقد كان من الضروري أن أحصل على حقيبة لإخفاء اللوحات فيها … وفي الصباح ذهبت واشتريت حقيبةً من شارع «كلوت» بك، ثم ذهبت إلى المستشفى.

والتفت المفتش إلى «تختخ» قائلًا: من صاحب فكرة أن «رزق» ظل للصباح في مكانه حتى تفتح المحلَّات أبوابها؟

تختخ: إنها «لوزة»!

قال المفتش موجِّهًا حديثه إلى «رزق»: لقد استطاعت فتاة صغيرة أن توقع بك … وتهدم خطة العصابة الباريسية.

ووصل القطار إلى «بنها»، حيث نزل المفتش و«تختخ» و«محب» ومعهم «رزق»، واستقلوا تاكسيًا إلى القاهرة.

•••

عندما عاد «تختخ» و«محب» إلى المعادي، كان بقية المغامرين الخمسة في انتظارهما في حديقة «عاطف»، فاستقبلوهما بعاصفة من الأسئلة عمَّا حدث، فروى لهم «تختخ» كل شيء، ثم أخرج قلمًا ثمينًا من جيبه قدَّمه إلى «لوزة» قائلًا: هذا هدية من المفتش «سامي» لك مع تقديره لأصغر وأذكى مغامرة. وأمسكت «لوزة» بالقلم في سعادة وقالت: إنه ليس هديتي وحدي … إنه هدية للمغامرين الخمسة جميعًا … ولكلبهم … الذكي «زنجر»، الذي استطاع مرارًا أن يكتسب المعركة في الوقت المناسب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤