نهاية لغز

ألصق «تختخ» فمه بالباب المغلق وصاح: «هدى» … «هدى» … هل أنت هنا؟

ردت الفتاة بصوتٍ باك: نعم … من أنت؟ وكيف عرفتني؟

تختخ: ليس مهمًّا الشرح الآن … لا تخافي … سوف نُساعدك على الخروج.

وعلى ضوء مصباح «مُحب»، أخرج «تختخ» من جيبه الأدوات التي يحملها دائمًا، واستطاع بمفكٍّ أن يفتح باب صندوق السيارة، وعندما أطلق الصديقان أنوار مصباحيهما داخل الصندوق، سقطت الأضواء على الفتاة المسكينة، وهي واقفة تبكي وتَرتعِش، وقد بدا عليها الخوف والجوع، ومن خلفها بدا الأثاث المسروق مكومًا في مكانه.

ساعد الأصدقاء الثلاثة الفتاة على النزول من السيارة، فأخذت ترتعد وهي تقول: ذلك الوحش «عوض»، إنه الذي فعل كل شيء.

قال «تختخ»: لا تخافي شيئًا؛ فقد انتهى كل شيء … ووجدت النقود.

وصاحت «هدى»: من الذي وجدها؟ وهل أخذها «عوض»؟

تختخ: لا تخافي لقد وجدتُها أنا في الستائر حيث أخفيتِها.

هدى: ولكن كيف عرفت؟

تختخ: هذه قصةٌ طويلة، والذي يُهمُّنا الآن أن تروي لنا أنت القصة كاملة!

هدى: لقد عرفت طبعًا أن «عوض» كان دائمًا يُهدِّد العجوز، ويطلب منه أن يعطيه النقود، وقد كان العجوز يخفي النقود في إحدى المخدات التي تحت رأسه، وكنتُ أعرف ذلك لأنني كنت أنظف له فراشه، وكان هو يستأمنني، وفي هذا اليوم أحسست أن العجوز قد يخضع لتهديد «عوض» ويدله على مكان النقود، فقررت أن أخفيها في مكانٍ لا يَعرفه العجوز حتى لا يدلَّ «عوض» عليها تحت أي تهديد، وغادرت المكان بعد أن اطمأننت على أن النقود بعيدة عن العجوز و«عوض» معًا، فلما اكتشف العجوز ضياع النقود، حضر إليَّ «عوض» وقال: إن العجوز يتَّهمني بالسرقة، فأقسمت له أنني لم أسرق شيئًا، وأن النقود في غرفة الصالون، وحاول «عوض» أن يُغريَني لأدلَّه على مكان النقود ونقتسمها معًا … ولكني رفضت طبعًا، فتركني وخرج … وفي هذه الليلة سرَق الأثاث، وفتَّشه تفتيشًا دقيقًا دون أن يجد النقود لأنها كانت ما تزال في مكانها حيث وضعتُها داخل الستائر، ثم حضر في الصباح الباكر، وقال لي إن الشرطة تُريدني، فخرجت معه، حيث استطاع هو وشخص آخر سجني في صندوق السيارة التي استأجرها أسبوعًا، كما سمعتُ وهو يتحدث إلى من كان معه، وقال لي إنني سأبقى هنا حتى أدله على مكان النقود.

كانت الفتاة شاحبة اللون ومتعبة، فقال لها «تختخ»: لقد انتهى كل شيء الآن، فلا تخافي، وبعد لحظاتٍ سنكون في طريقنا إلى المعادي.

ثم التفت إلى «عاطف» وقال له: اذهب الآن بسرعةٍ إلى «مُحب» وحاول العثور عليه، وأطلق صيحة البومة حتى يسمعها.

أسرع «عاطف» في الظلام إلى المكان الذي تركا فيه «مُحب» فلم يجده، فأخذ يسير بحذرٍ متسمعًا إلى أيِّ صوتٍ في الظلام، ولكنه لم يسمع شيئًا.

احتار «عاطف» ماذا يفعل، ثم قرَّر أن يطلق صيحة البومة لعل «مُحبًّا» يسمعها، وفعلًا أطلق الصيحة، ولكنه لم يسمع إجابة، قلق «عاطف» كثيرًا، وأخذ يجري في الظلام على غير هدى، وأخيرًا وصل إلى قرب الشارع العمومي حيث الأضواء والناس، فقرَّر أن يعود مرةً أخرى إلى «تختخ» ليخبره بما حدث.

عاد «عاطف» مسرعًا، ووصل إلى «تختخ» فوجده يقف مع «هدى» و«مُحب» وهم جميعًا قلقون لغيابِه.

قال «عاطف» ﻟ «مُحب»: أين ذهبت؟ لقد بحثت عنك في الظلام وأطلقت صيحة البومة ولكنك لم ترد.

قال «مُحب» ضاحكًا: لقد استطعت أن أجعل الرجل يجري خلفي في الظلام حتى الشارع، وهناك رأيته يذهب إلى أحد المحالِّ لشراء علبة سجاير، فعدتُ مسرعًا لأبلغ «تختخ» ونتحرك.

قال «تختخ»: على كل حال … لقد نجحنا، ويجب أن نتحرك قبل أن يعود الرجلان … هيا بنا.

ثم قال موجهًا كلامه إلى «هدى»: من الأفضل الآن أن تعودِي إلى بيتك، وسأتولى أنا توضيح الأمر لمفتِّش الشرطة.

وركبت الفتاة أمام «تختخ» على دراجته، وانطلقوا جميعًا إلى منزل الفتاة … وكم كانت فرحة أمها عندما رأتها، فقد احتضنتْها وأخذتا تبكيان، وقالت الأم إنها لم تُبلغ الشرطة عن اختفاء «هدى» حتى لا تُثير شبهة الشاويش في ابنتها وقد يتهمها بالسرقة.

عاد «تختخ» و«مُحب» و«عاطف» إلى المعادي، فذهب كلٌّ منهم إلى منزله، وأسرع «تختخ» إلى التليفون وتحدث إلى المفتش «سامي»، فسمع صوت المفتش يقول: أهلًا بالمغامر الكبير، ولكن لماذا هذا الاتصال في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟

تختخ: إنها مكالمةٌ بخصوص سرقة الألف جنيه من الرجل العجوز!

المفتش: ولكن هذه القضية انتهت؛ فقد أبلغني الشاويش أن السارق هو فتاة تدعى «هدى» وقد وزَّعنا نشرة بأوصافها على جميع أقسام الشرطة للقبض عليها، هل هناك شيءٌ آخر؟! لعلك قبضت على الفتاة؟

تختخ: لقد وجدتُ الفتاة، ولكني لم أقبض عليها؟!

المفتش: غير معقول … فنحن يُهمُّنا جدًّا القبض عليها.

تختخ: هل تقبضون على الأبرياء، وتتركُون اللصوص؟

المفتش: أبرياء! ماذا تقصد؟

تختخ: أقصد أن الفتاة لم تسرق النقود، ولم يَسرقها أحدٌ على الإطلاق، فالنقود ما زالت موجودة في منزل الرجل العجوز، وبقية القصة في انتظارك إذا تفضَّلت بالحضور إلى مكان السرقة غدًا صباحًا في العاشرة والنصف.

المفتش: أوافق … وأرجو أن تَذهب إلى فراشك وتصبح على خير.

في صباح اليوم التالي، كان عددٌ كبيرٌ من الناس في الشارع رقم ٩٣ أولهم المغامرون الخمسة؛ فقد ذهب «تختخ» إلى الأصدقاء، وجمعهم وأخذهم معه إلى حيث وقعت السرقة ليشهدوا نهايتها، وأخرج «تختخ» مفتاح المنزل من جيبه وفتح الباب، ثم حضر الأستاذ «قاسم» الذي شاهدهم من شرفة منزله حيث اعتاد أن يجلس … ثم حضرت «هدى» أيضًا، وكان «تختخ» قد طلب منها الحضور عندما ودَّعها أمس.

قال «تختخ»: هناك شخصٌ سأنتظرُه وأنا متأكدٌ من حضوره.

لوزة: لعلك تقصد المفتش «سامي»؟ إنني أيضًا مشتاقة لمقابلته.

تختخ: إن المفتش سيأتي طبعًا، ولكن الذي أنتظره شخصٌ آخر.

وفجأة ظهر الشاويش «فرقع»، ودخل المنزل أيضًا، وقد أذهله وجود المغامرين الخمسة والأستاذ «قاسم»، ولكن المفاجأة الكبرى بالنسبة له كانت «هدى»، فلم يَكدْ يراها حتى هجم يريد القبض عليها، ولكن المغامرين الخمسة، والأستاذ «قاسم» وقفوا يدافعون عنها.

صاح الشاويش غاضبًا: هل تقفون في وجه القانون، هل تمنعونَني من أداء مهمتي … إنني …

ولكنه قبل أن ينطق بكلمةٍ أخرى … دخل المفتش «سامي»، فوقف الشاويش متصلبًا وهو يُحيِّيه التحية العسكرية، وسلم المفتش على الأصدقاء، فأخذه «تختخ» ومعه «هدى» إلى الستائر حيث أخرجوا النقود، ثم روى «تختخ» للمفتش القصة كاملة، وكانت «هدى» تتدخَّل بين فترةٍ وأخرى، لتصحيح بعض المعلومات.

قال المفتش: إذن فقد انتهى لغز الرجل العجوز نهايةً سعيدة، وبقي أن نرسل الشاويش للقبض على الشاب «عوض».

تختخ: لا داعي لإتعاب الشاويش؛ فسوف يحضر «عوض» الآن!

المفتش: كيف عرفت؟

تختخ: بالطبع سوف يذهب هذا الصباح للاطمئنان على وجود «هدى» مكانها هو وشريكه، فإذا لم يجدها فسيذهب إلى منزلها، وسيُخبرونَه حسب اتفاقي مع والدتها أنها جاءت إلى هنا لإحضار النقود، وسيحضر فورًا.

ولم يكد «تختخ» ينتهي من جملته، حتى سمع الجميع صوت أقدام على الممر الموصل إلى الباب، ثم صوت الباب يفتح، وظهر «عوض» على عتبة الباب، وعندما شاهد الشاويش والمفتش والمغامرين الخمسة، وقف مذهولًا وبجواره شريكه.

وكان أول من تحرَّك هو المفتش الذي أسرع بإلقاء القبض على الشابَّين صائحًا في الشاويش: هل يمكن أن تساعدني يا حضرة الشاويش … بدلًا من أن تقف هكذا وكأنك أصبت بتيارٍ كهربائي.

وتمَّ القبض على «عوض» وشريكه، وأمام الأدلة اعترف بكل ما فعل.

قال المفتش «سامي» للأصدقاء، وهو يأخذُهم معه في سيارته: اسمحوا لي هذه المرة أن أدعوكم أنتم و«هدى» إلى الكازينو؛ فقد كنت أدعو نفسي كل مرة إلى منزل واحد منكم، وهذه المرة أدعوكم أنا.

وجلس الأصدقاء والمفتش و«هدى» يَستمعون في إعجابٍ إلى «تختخ»، وهو يروي قصة المغامرة كاملة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤