مغامرة في الظلام

عندما ظهر الشاويش «فرقع» في طريقه إلى منزل الرجل الأعمى، غادر الأصدقاء الشارع رقم ٩٣، وقد نسوا في وسط هذه الضجة أن يبحثوا عن الشنطة المفقودة، وعادوا إلى منزل «تختخ» الذي دعاهم إلى تناول الجيلاتي عنده بمناسبة عودة «زنجر».

قال «عاطف»: يبدو أنه حادث سرقة عادي، فسرقة النقود عادة لا تكون لغزًا … أليس كذلك يا «تختخ»؟!

رد «تختخ»: هذا ما يبدو عند أول نظرة، ولكن من الممكن طبعًا أن يكون وراء ذلك سر … فالظروف غير عادية … رجلٌ أعمى وحالته المالية متوسِّطة … ومع ذلك يحتفظ بألف جنيه في منزله … فهو لا يضعها في البنك، ولا في صندوق التوفير … ويرفض أن يذكر مكانها لأي إنسان … من الممكن جدًّا أن يكون وراء ذلك لغز … على كل حال لننتظر ماذا سيفعل الشاويش «علي»، وهل سيتمكَّن من القبض على السارق أم لا؟!

وبدا على «مُحب» أنه مشغولٌ بالتفكير … وبعد لحظاتٍ قالك هناك شيء أخشاه … فقد يحاول الشاويش جمع أدلة … فيجد الحقيبة التي وقعت مني هناك … ويضعني في قائمة المتهمين.

عاطف: وكيف سيعرف أنها حقيبتك.

مُحب: إنها حقيبة غريبة وليسَت من نوعٍ عادي … وكما قلت كان أبي قد أحضرها من لبنان عند زيارته الأخيرة، وشكلها معروفٌ لأكثر الباعة في المعادي … ولو سأل الشاويش بائع الخضر أو الجزار فسوف يعرف فورًا أنها حقيبتنا.

تختخ: أفضل طريقة أن نسرع بالبحث عنها … ولن نستطيع ذلك صباحًا حتى لا يرانا أحدٌ ويشك فينا، وعلى هذا فسوف أقوم ليلًا بهذه المهمَّة لعلِّي أعثر عليها قبل أن يجدها الشاويش.

تفرق الأصدقاء بعد ذلك، فعاد «مُحب» وأخته «نوسة» إلى منزلهما، وخرج «عاطف» و«لوزة» يمشيان قرب الكورنيش، أما «تختخ» فبقيَ في المنزل يفكر في مغامرة الليلة.

مضى النهار دون أن يحدث شيء، وأسرع «تختخ» إلى فراشه يتظاهر بالنوم حتى ينام كل من في البيت فيتمكَّن من الخروج … ولكن النوم غلب «تختخ» فاستسلم له دون أن يدري، وبعد ساعاتٍ طويلة استيقظ «تختخ» فجأةً ليجد أن الساعة قد اقتربت من الرابعة صباحًا، فارتدى ملابسه، وتسلل من الباب الخلفي، ثم ركب دراجته، ومضى مسرعًا إلى الشارع رقم ٩٣.

كان الظلام ثقيلًا، والشوارع خالية، فأضاء «تختخ» نور الدراجة ومضى في طريقه يفكر في المغامرة القادمة.

وبعد حوالي ربع الساعة، كان «تختخ» قد وصل إلى الشارع رقم ٩٣ فأطفأ النور، ثم تقدم بهدوءٍ إلى مدخل منزل الرجل العجوز، فركن الدراجة على السور الخارجي، ثمَّ أضاء مصباحه اليدوي الصغير، وأخذ يتسمع لعله يسمع صوتًا أو حركة، ولكن كل شيء كان هادئًا.

فتح «تختخ» باب الحديقة، وتسلل بهدوء إليها، وأخذ يُدير مصباحه هنا وهناك، لعله يعثر على الحقيبة الضائعة بين الأعشاب، ولكن لم يكن هناك أثر لها، وبينما هو مُنهمِك في البحث، سمع صوت محرك سيارة تسير في الطريق، فاختفى خلف شجرة، وأطفأ النور حتى لا تكشفه أضواء السيارة، وانتظر «تختخ» حتى تعبر السيارة الشارع وتُواصل سيرها، ولكن السيارة توقفت … وبدا أنها قريبةٌ جدًّا من منزل الرجل العجوز … وأحس «تختخ» برعدةٍ … هل هناك أحد قادم إلى المنزل؟ أم لعله الشاويش قد حضر في هذه الساعة من الليل للبحث؟ ثم تذكَّر أن أحد الأطباء يسكن قريبًا من منزل العجوز … ولعله كان في زيارة أحد المرضى وعاد … ولكن لماذا وقفت السيارة في الشارع؟! لماذا لم تدخل «الجراج»؟!

قرر «تختخ» أن يبقى فترةً دون حركة … وظل يتسمَّع … وبدا له أنه يسمع صوت أقدام خفيفة جدًّا … فغادر مكانه في هدوءٍ وأخذ يقترب من السور … وبدا صوت الأقدام أكثر وضوحًا … أقدام شخص يلبس حذاءً من المطاط … وكان صوت تنفسه ثقيلًا … وكان يلهث وكأنه يحمل شيئًا ثقيلًا … ثم سمع «تختخ» صوت حديث هامس بين شخصين … كانا يتحدثان بصوتٍ منخفض جدًّا … من هما؟ ماذا يفعلان هنا في هذه الساعة؟ هل يختطفان الرجل العجوز؟!

أسرع «تختخ» يجتاز الحديقة إلى حيث ينام الرجل العجوز في الغرفة الخلفية، لم يكن في استطاعته أن يرى الرجل، فقد كانت الستائر مسدلة على النوافذ … فوضع أذنه بجوار النافذة وأخذ يستمع … واستطاع أن يسمع صوت تنفُّس العجوز المنتظم، فتأكد أن الرجل نائمٌ في مكانه … وفجأة سمع صوت الباب الخارجي للفيلا … وبعد لحظاتٍ سمع باب الحديقة يغلق أيضًا، فأسرع يحاول معرفة ما يحدث … ولكنه قبل أن يصل إلى باب الفيلا كان محرك السيارة قد دار مرةً أخرى، فأضاء نور البطارية، وأطلقه في الشارع لعله يعرف نوع السيارة، أو يقرأ رقمها … ولكن ضوء البطارية الضئيل لم يستطع أن يكشف شيئًا، وكل ما استطاع أن يراه «تختخ»، شبح السيارة الأسود الكبير وهي تختفي بسرعة عند منحنى الشارع.

ماذا كان يفعل هذان الشخصان هنا؟ هل هما اثنان فقط أم أكثر؟ وكيف فتحا باب المنزل؟ ماذا أحضرا … أو ماذا أخذا من البيت؟ أسئلةٌ كثيرة حائرة ملأت رأس «تختخ»، وهو واقفٌ في الظلام لا يدري ماذا يفعل.

عاد «تختخ» مرةً أخرى إلى النافذة يحاول الدخول فلم يستطع … جرب الدخول من الباب ولكنه كان مُغلقًا، ماذا يفعل؟ هل يُوقظ الرجل العجوز ويُخبره عن زائر الليل الغامض؟ سوف يفزع الرجل وقد يَستغيث فيقع «تختخ» في مشاكلَ كثيرة، ولو ذهب وأبلغ الشاويش بما سمع وشاهد، فسوف يسأله الشاويش عما كان يفعل في هذه الساعة.

قال «تختخ» لنفسه: أفضل شيء هو الانتظار للصباح … لننتظر ونرى.

وهكذا ركب دراجته مرةً أخرى ثم انطلق عائدًا إلى منزله.

مرةً أخرى تسلَّل من الباب الخلفي لمنزله، ثم ذهب إلى فراشه، وخلع ملابسه، ثم ألقى بنفسه على الفراش، وظل فترةً طويلة مستيقظًا يُفكر في كل ما حدث … ثم غلبه النوم فنام … وعندما استيقظ كانت الساعة قد تجاوَزت العاشرة.

لم يضيع «تختخ» وقتًا، وأسرع بدراجته يتبعه «زنجر» إلى الشارع رقم ٩٣ ثم إلى منزل الرجل العجوز، كان باب المنزل مغلقًا كما كان أمس ليلًا، ولكن الستائر الخضراء الثقيلة كانت قد أزيحت جانبًا، وفجأةً سمع صوت الشاويش المُرتفِع … وفتح باب الفيلا … فأسرع «تختخ» يقترب … وكم كانت مفاجأة له عندما وجد غرفة الصالون وقد خلت من الأثاث تمامًا … لم يَعُد فيها أي شيء!

وقف «تختخ» مذهولًا … وفي هذه اللحظة ظهر الأستاذ «قاسم» بجوار الشاويش، وأخذا يتحدَّثان معًا، وأدار الشاويش رأسه فرأى «تختخ» يقف أمام الباب فصاح: أنت هنا؟ ماذا تفعل هنا! لا أحد يعلم بما حدث هنا بعد؟ لماذا جئتَ؟! من الذي أخبرك؟

رد «تختخ» بهدوء: ماذا حدث يا حضرة الشاويش؟

رد الأستاذ «قاسم»: في الساعة الثامنة من صباح اليوم … ولكن قبل أن يكمل جملته صاح الشاويش: لا تَقُل له أي شيء … إنك لا تعرف هذا الولد … إنه يتدخل في كل شيء!

نظر الأستاذ «قاسم» إلى الشاويش في دهشةٍ ثم قال: إن هذا الشاب صديقي، وقد ساعدني في العثور على منزل أختي … وأظن أنه لا مانع عندك من أن أدعوه إلى منزلي لبعض الحديث.

وأمام دهشة الشاويش وغضبه، اصطحب الأستاذ «قاسم» «تختخ» إلى منزله، ومع كوبٍ من الشاي روى ما حدث قائلًا: في الساعة الثامنة صباحًا سمعت صراخًا من منزل الرجل العجوز … فأسرعت إليه … وأنا في دهشةٍ شديدة … لقد سُرق أمس فماذا حدث اليوم؟! هل يحتفظ بنقودٍ أخرى أم ماذا؟ ووقفت أمام الباب فقد كان مُغلقًا، ولكنه استطاع الوصول إليه وفتحَه لي … وعندما دخلت أصبت بدهشةٍ وخوف … فغرفة الصالون التي رأيتها أمس ممتلئة بالأثاث كانت فارغة منه … أخذ منها كل الكراسي والمنضدة وكل شيء … وأسرعتُ بالاتصال تليفونيًّا بقسم الشرطة وأبلغتُه ما حدث … فحضر الشاويش «علي»، وأخذ يسأل الرجل فلم يَحصل على أية معلوماتٍ منه … ثم وصلت أنت … هذا كل ما حدث … ولا أعتقد أن فيه شيئًا يستحق الإخفاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤