التقدم خطوتين

في الصباح، ذهب «تختخ» لمقابلة الأستاذ «قاسم» الذي سعدَ بمقابلته، كما رحبت به شقيقته.

قال الأستاذ «قاسم»: لقد جاء الشاويش وسألني عن الأشخاص الذين تردَّدوا على منزل العجوز.

تختخ: وماذا قال عندما سمع عن المشتبه فيهم الستة؟

قاسم: قال إن هناك واحدًا سابعًا لم أره.

تختخ: من هو؟

قاسم: قال الشاويش إنه ولدٌ كان يحمل حقيبة حمراء، دخل إلى الحديقة؛ فقد أخبره بعض الجيران بذلك.

أحسَّ «تختخ» بالخوف، فالمقصود بهذا الولد هو «مُحب»، وستُصبح كارثة إذا استطاع الشاويش العثور على الحقيبة، والاستدلال على أصحابها.

قال «تختخ»: على كل حالٍ لا أعتقد أن ولدًا صغيرًا يُمكن أن يسرق الألف جنيه، أو يشترك في سرقة الأثاث.

قاسم: إذن من الذي تَشتبه فيه أكثر؟

تختخ: لا أعرف بالضبط، وهناك مشكلة الآن، أن الشاويش عنده قائمة المشتبه فيهم كما هي عندنا، ولكنه بحكم القانون يمكنه استجواب الناس، أما أنا فلا أستطيع، ومع ذلك سوف أحاول أنا وأصدقائي أن نصلَ قبل إلى حل هذا اللغز.

قاسم: بالمناسبة، لقد استطعتُ أن أعرف من هي الفتاة الشابة التي كانت تغسل الستائر وتكويها؛ فقد عرفت من العجوز أنها ابنة أخيه واسهما «هدى»، وكذلك الشاب الأنيق … إنه قريبٌ له يسكن في محطة «دار السلام» قبل المعادي واسمه «عوض».

وكالعادة كان الأستاذ «قاسم» منظَّمًا، فقدم ﻟ «تختخ»، عنوان كل منهما فشكره، وغادر المنزل مسرعًا، وقد قرَّر أن يزور منزل الفتاة أولًا.

دق «تختخ» جرس الباب — حيث تسكن الفتاة «هدى»، ففتحت له الباب سيدة متوسطة السن طيبة الوجه، فقال لها «تختخ»: إنني أريد مقابلة الآنسة «هدى» في موضوعٍ خاص.

بدا على السيدة الارتباك وهي تقود «تختخ» إلى غرفة الصالون، حيث وجد سيدةً أخرى هناك، وجلس الثلاثة فقالت السيدة الأولى: إنني والدة «هدى» فماذا تُريد منها؟

قال «تختخ»: أريد أن أسألها عما شاهدَتْه في صباح اليوم الذي سرق فيه اللصوص مبلغ الألف جنيه من الأستاذ «شاكر» شقيقك.

ارتبكت السيدة أكثر وقالت: آه … هدى … ليست موجودة الآن، لقد خرجت لزيارة صديقة لها.

تختخ: وأين تسكن هذه الصديقة؟

السيدة: لا … لا أعرف! لا أعرف.

لاحظ «تختخ» ارتباك السيدة، ولكنه لم يقل شيئًا، فوقف مستأذنًا في الانصراف، ولاحظ أن السيدتين تتبادَلان النظرات.

أمام منزل «هدى» مباشرة، رأى «تختخ» محلًّا لبيع الورد، فاتجه إليه، واشترى وردة، ثم قال للفتاة البائعة: هل الآنسة «هدى» لم تحضر اليوم؟

ردَّت الفتاة ببساطة: إنها ليست في منزلها منذ يومين، وقد سألتُ والدتها فقالت إنها عند قريبها العجوز الذي يَسكن في شارع ٩٣.

اكتفى «تختخ» بهذه المعلومات، وأخذ طريقه إلى البيت وهو يُفكِّر فيما حدث … لماذا أخفت «أم هدى» غياب ابنتها عنه وعن الناس؟ هل غياب «هدى» له صلة بسرقة الألف جنيه، وسرقة الأثاث؟ أم أن السيدة تخشى على سمعة ابنتها فقط؟

وفي الطريق التقى بالشاويش «فرقع» الذي كان يبدو فرحًا، ولما رآه الشاويش صاح: وما أخبار المغامرين الخمسة؟! لعلَّكم حتى الآن لم تعرفوا شيئًا ذا قيمة!

رد «تختخ»: وماذا فعلت أنت؟

الشاويش: وهل أقول لك؟! على كل حالٍ لقد حللتُ اللغز وانتهى الأمر … فقد عرفت السارق.

كان صوت الشاويش وتصرُّفاته تدلُّ على ثقته في نفسه، فأحسَّ «تختخ» أنه وبقية الأصدقاء قد خسروا المعركة، وفاز الشاويش عليهم لأول مرة، فأخذ يقود دراجته ببطء، متَّجهًا إلى منزله، وقد غرق في أفكاره.

بعد الغداء جلس «تختخ» يُفكِّر في كل ما حدث، مُنتظرًا حضور الأصدقاء، وعندما اجتمعوا قال «تختخ»: أرجو أن تكونوا قد حصلتم على معلوماتٍ مُفيدة؛ فالشاويش يبدو واثقًا من نفسه، لقد قابلته، وقال لي إنه عرف اللصوص، ومعنى هذا أنه هزمنا بسرعةٍ لم نتوقَّعها.

ولم يردَّ أحدٌ من الأصدقاء، حتى «زنجر» جلس ساكنًا تحت قدمَي «تختخ»، وكأنه أحس بخطورة الموقف.

وأخيرًا قالت لوزة: لقد استطعت الوصول إلى السيدة التي كانت تَحمل القفة على رأسها، إنها سيدةٌ مسكينة تبيع الخضر الطازجة للبيوت، واسمها «نبوية» وقد قال لي أكثر من شخصٍ إنها سيدة أمينة وطيبة ولا يُمكن أن يكون لها صِلة بما حدث … هذا كل ما استطعت الحصول عليه … فهل هذا يكفي؟

قال «تختخ»: إنه أكثر من الكفاية يا «لوزة»، فمن المهم أن نَستبعد من قائمة المشتبه فيهم من ليس له علاقة بما حدث، ويُمكننا الآن أن نَشطُب اسم السيدة حاملة القفة من قائمة المشتبه فيهم، ونَستمع إلى باقي تقرير الزملاء.

وأمسك كلُّ واحدٍ بقلمه، وشطب اسم حاملة القفة، وأصبح في القائمة خمسة من المشتبه فيهم.

قالت «نوسة»: لقد كانت مُهمتي أن أتابع الزبال، وقد استطعت مقابلته فعلًا، وعرفت أن اسمه «معروف» … وقد قال لي «معروف» إنه ذهب إلى منزل الرجل العجوز في ذلك الصباح، ودخل من الباب الخلفي؛ حيث كانت هناك الفتاة «هدى» تُركِّب الستائر، وكانت هناك أخت الرجل العجوز، وقد حمل الزبالة وخرج، ولا يعرف شيئًا آخر … إنها معلومات غير مهمة ولكنها يُمكن أن تخرج شخصًا آخر من قائمة المشتبه فيهم … أليس كذلك؟

تختخ: إنها معلوماتٌ أكثر أهمية مما تتصوَّري «يا نوسة»؛ فنحن نعرف أن النقود كانت مع الرجل العجوز حتى صباح يوم السرقة، ثم اكتشَفَ أنها سُرقت بعد ذلك، فهي إذن قد سرقت في الصباح، ما دام قد قال إنها كانت موجودة حتى استيقاظه من النوم.

نوسة: ولكن المعلومات التي حصلتُ عليها لا علاقة لها بالنقود.

تختخ: ولكن بفضلِها يمكن تبرئة ثلاثة مرة واحدة … فالزبال لا يمكن أن يكون قد أخذ النقود في وجود «هدى»، وشقيقة الرجل العجوز، و«هدى» لا تَستطيع سرقة النقود في وجود خالتها … والخالة لا تستطيع أن تسرق النقود في وجود «هدى» … أليس ذلك صحيحًا؟

قال «مُحب»: إنه معقول فعلًا.

تختخ: ومع ذلك … فنحن نستطيع شطب الزبال فقط، لأننا لم نقابل الفتاة، ولم نقابل أخت العجوز حتى نحصل منهما على معلوماتٍ كاملة.

ومرةً أخرى، مد كل منهم قلمه وشطب الزبال، وهكذا بقي من المشتبه فيهم أربعة فقط.

وكان الدور على «عاطف» فقال: للأسف إنني لم أحصل على معلوماتٍ كاملة حتى الآن عن الرجل الذي يَحمل الحقيبة الخشبية، ولكن فكرت طويلًا فيمن يحمل حقيبةً خشبية، وقد استنتجت أنه لا بد أن يكون ممن يُصلحون الحنفيات، وقد علمت من بعض الذين سألتهم أن هذا الرجل لا يملك محلًّا في المعادي، ولكنه يأتي من القاهرة بين وقتٍ وآخر ويطوف بالبيوت صائحًا «أصلح الحنفيات» … وقد نَسمعُه في أي وقت.

تختخ: إذن يبقى مصلح الحنفيات في القائمة، والآن ماذا عندك يا «مُحب»؟

مُحب: أنتم تعرفون أن السيارات نصر ١١٠٠ كثيرة جدًّا، ومن الصعب السؤال عن واحدةٍ منها، وقد ذهبت إلى الجراج الرئيسي في المعادي فلم أجد هناك سيارة بهذا الرقم، وكذلك طفت بمواقف السيارات … وبالطبع فمن المُمكن معرفة صاحب السيارة إذا ذهبنا إلى إدارة مرور الجيزة، والسؤال هناك من صاحبها؟!

تختخ: لا أرى داعيًا لذلك، وسوف أعرف صاحب السيارة من الشاويش، فلا بدَّ أنه سأل في إدارة المرور، وعرف صاحبها … وسوف أتمكن من معرفة هذا الاسم منه.

لوزة: إنني أشعر بالأسف لأننا لم نتقدم كثيرًا.

تختخ: لا بأس على كل حال، فلم يبقَ إلا أربعة من المشتبه فيهم، وبهذا نكون قد تقدمنا خطوتين … تعالوا نخرج الآن لتناول الجيلاتي، فليس هناك أفضل منه دواءً لليأس.

وأسرع الأصدقاء بالخروج، فقد كانوا جميعًا في حاجةٍ إلى كوب الجيلاتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤