انتصار فرقع

عندما وصل الأصدقاء إلى الكازينو، كانت في انتظارهم أمامه مفاجأة كاملة … لقد شاهدوا جميعًا سيارة نصر ١١٠٠ أمامهم، وبسرعة نظر كل منهم إلى أرقامها، وكم كانت دهشتهم أنها كانت رقم ٩٩٩ جيزة، إذن فأحد المشتبه فيهم موجود هنا الآن.

أسرع الأصدقاء يُحيطون بالسيارة كالمُخبرين الحقيقيِّين، وقبل أن يبدءوا استنتاجات قالت «لوزة»: هذه سيارة الدكتور «نشأت» كيف غاب عنا ذلك؟

هز «تختخ» رأسه ضاحكًا وقالك معك حق، فهذه هي شارة الأطباء التي تُعلَّق على سياراتهم وهي هلال أحمر، وفي داخل السيارة حقيبة الدكتور الذي كثيرًا ما جاء إلى كلٍّ منا أثناء مرضه.

وبهدوء أخرج الأصدقاء قائمة المشتبه فيهم، وشطبوا اسم صاحب السيارة رقم ٩٩٩ جيزة، وعندما دخلوا إلى الكازينو قال «تختخ»: ألم أقل لكم عن فوائد الجيلاتي، لقد استطاع أن يختصر عدد المشتبه فيهم إلى ثلاثة، وها هو ذا الدكتور «نشأت» يشرب القهوة كما اعتاد مع زوجته.

والتف الأصدقاء حول أكواب الجيلاتي وهم يضحكون، ولكن ضحكهم لم يستمر طويلًا، فقد دخل الشاويش إلى الكازينو وهو يَمشي فخورًا، فقد استطاع — كما يتصور — حل اللغز قبل أن يحله المغامرون الخمسة، وسيحصل على تقدير المفتش «سامي» هذه المرة.

كانت أنظار الشاويش متجهة إلى «تختخ» بالذات … متحدية … مستفزة … وكأنه يقول له: «لقد انتصرت عليك، وانتهى الأمر»، أحس «تختخ» أن دمه يغلي، فكيف يترك الشاويش ينتصر عليهم بهذا الشكل، وهكذا انتظر حتى مر الشاويش بجوارهم، ثم قال موجهًا حديثه إلى الأصدقاء: لا تُصدقوا أن أيَّ واحد حل اللغز … فما زال اللغز غامضًا … واللصوص بعيدون عن أيدي العدالة.

وقف الشاويش وهو يسمع هذه الجملة، ثم وضع يديه في وسطه وقال محدثًا «تختخ»: إذن فأنت لا تُصدِّق أنني عرفت اللص؟

قال «تختخ» متحديًا: نعم … أنا لا أصدق أنك عرفت.

الشاويش: برغم أنك طفلٌ مغرور لا تعرف شيئًا ولا تُهمني في شيء، إلا أنني سأقول لك اسم سارق الألف جنيه حتى تكفَّ عن البحث والتعب … إن اللص هو الفتاة «هدى»؛ فقد عرفت من العجوز الأعمى أنها الوحيدة التي كانت تعرف مكان النقود، وقد اختفَت من يوم سرقة النقود ولم تظهر حتى الآن … هه … ما رأيك … أو ما رأيكم أيها المغامرون الخمسة؟! أو أيها المغرورون الخمسة؟

سكت الأصدقاء جميعًا حتى «تختخ»، الذي تذكَّر ما قالته له بائعة الورد عن اختفاء «هدى» وغيابها عن منزلها منذ صباح يوم السرقة … هل معنى هذا أن الشاويش على حق؟ ولكن هل «هدى» هي التي سرقت الأثاث أيضًا؟ وقبل أن يُلقيَ هذا السؤال على الشاويش، كان «فرقع» قد دق الأرض بقدمه، ثم اتجه إلى التليفون حيث أجرى اتصالًا هامًّا بالمفتش «سامي» وأخبره عن نتائج بحثه عن سرقة الألف جنيه التي شغلت كل الناس.

خرج «تختخ» والأصدقاء من الكازينو وقد بدا عليهم الحزن، ولكن «تختخ» قال فجأة: أحس أن الشاويش «فرقع» يسير في طريقٍ خطأ، فمن غير المعقول أن تسرق الفتاة خالها!

قال «عاطف» ولماذا لا تسرقه يا «تختخ»؟ إننا نقرأ كل يوم في الجرائد عن حوادثٍ مُماثلة!

تختخ: ولكن تصور أن هذه الفتاة تستيقظ كل يوم في الصباح الباكر لتذهب وتعد طعام الإفطار لخالها، ثم تنظِّف له المنزل والستائر وغيرها، ثم لا تتركه حتى تأتي خالتها … كيف تتصور أن مثل هذه الفتاة الطيبة يمكن أن تسرق العجوز، إنني متأكدٌ أن الشاويش مخطئ، ويجب علينا أن نضاعف نشاطنا قبل أن يقبض عليها.

عاطف: على كل حالٍ لم يبقَ أمامنا من المشتبه فيهم سوى الرجل حامل الحقيبة الخشبية، والفتاة «هدى» والشاب الأنيق «عوض»، وسوف أحصل على معلوماتٍ عن حامل الحقيبة بأية طريقة حتى نركز انتباهنا على الباقين.

وتفرق الأصدقاء، فركب «عاطف» دراجته، واتجه إلى وسط المعادي لعله يعثر على الرجل الذي يحمل الحقيبة، والذي استنتج أنه سباك ممن يُصلحون الحنفيات، ولكن «عاطف» لم يَعثر على الرجل، فقد عثر عليه «مُحب» وهو في طريقه إلى منزله، فقد شاهده يخرج من أحد المنازل القريبة، ويبدو أنه كان يصلح حنفيات المنزل.

اقترب «مُحب» من الرجل وبعد أن حيَّاه، دعاه إلى منزلهم لإصلاح إحدى الحنفيات، برغم أنه لم يكن في منزلهم حنفيات مكسورة، إلا أنها كانت الطريقة الوحيدة للحديث معه أطول فترة مُمكنة.

وفي الطريق إلى البيت قال «مُحب» للرجل: أظنُّ أنك زرت الرجل العجوز يوم سرق منه الألف جنيه … أليس كذلك؟

قال الرجل ببساطة: نعم … لقد اتَّهمني ذلك الشاويش بأنك اشتركت في السرقة، ولكنه لم يثبت شيئًا ضدي، فأنا رجلٌ شريف.

مُحب: وهل لاحظت شيئًا غير عادي في ذلك اليوم؟

الرجل: لا شيء؛ فقد استدعتني الفتاة الطيبة «هدى» لأصلح حنفية المطبخ، وحينما كنت أقوم بعملي، حضر شابٌّ أنيق وطلب محادثتها فرفضت، ولكنه كان يُهددها بكلامٍ لم أفهمه، فوقفت معه قليلًا سمعتها تقول «لا … لا» بصوت مُرتفع، وبعدها غادر ذلك الشاب المكان بعد أن مر بالرجل المريض وتبادل معه حديثًا غاضبًا أيضًا.

مُحب: هل هذا كل ما شاهدت؟

الرجل: نعم … وقد قلت هذا الكلام للشاويش فلم يُصدقني … ولكن هذه هي الحقيقة.

وكانا قد وصَلا إلى منزل «مُحب» فقال «مُحب» للرجل: أرجو أن تنتظر هنا حتى أخطر والدتي بحضورك.

ثم دخل «مُحب» منزله فغاب قليلًا ثم عاد قائلًا للرجل: آسف جدًّا، لقد أصلحوا الحنفية.

ثم مدَّ يده، وأعطى الرجل خمسة قروش بدلًا من الوقت الذي أضاعه فشكره الرجل وانصرف.

أدرك «مُحب» أنه حصل على معلوماتٍ هامة، فأسرع إلى منزل «تختخ» الذي استقبله باهتمام، واستمع إلى حديثه ثم قال: هذه من أهم المعلومات التي حصلنا عليها يا «مُحب»، وقد بدأت تتكوَّن عندي فكرة عن اللغز، ربما تكون صحيحة بدلًا من فكرة الشاويش، وعلينا الآن أن نشطب اسم السباك أيضًا، فلا يبقى عندنا سوى «هدى» و«عوض»، وما دُمنا قد استبعدنا «هدى» في الأغلب، فيبقى عندنا «عوض»، وسوف أذهب إليه غدًا.

انصرف «مُحب»، وبقي «تختخ» يُفكر في «عوض» هل هو اللص؟ إن كل الأدلة تستبعد أنه سرق الألف جنيه؛ فقد كانت شقيقة الرجل العجوز وابنة أخته موجودتين، فكيف يستطيع سرقة المبلغ في وجودهما؟ غير مُمكن مطلقًا … وأحسَّ «تختخ» أنه تسرَّع في الحكم على «عوض»، وبدا له اللغز أكثر غموضًا مما تصوَّر.

وعند هذا الحد قرَّر «تختخ» أن يقضي أمسية هادئة، فقام بأخذ حمام ساخن، وتناول عشاءً خفيفًا، ودخل غرفته، ووضع كل الأدلة أمامه وبدأ يعيد ترتيبَها لعله يصل إلى دليلٍ يهديه إلى حل اللغز المعقد … فهو لم يَعُد لغزًا واحدًا، ولكن ثلاثة ألغاز في لغز … الأول هو سرقة الألف جنيه … والثاني سرقة الأثاث … والثالث اختفاء «هدى» ثلاثة أيام دون أن يَعرف أحد مكانها.

وفجأةً خطر له سؤال … ما هو عمل «عوض»؟! هذا الشاب الأنيق الغامض الذي مكث في المنزل خمس دقائق فقط؟ أي عمل يقوم به؟ ربما كانت الإجابة عن هذا السؤال تُقرِّبه من الحقيقة، إذن لا بدَّ من زيارة «عوض» … غدًا في وقتٍ مبكِّر … قبل أن يقبض الشاويش على الفتاة … ويحقق انتصاره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤