الرحلة الخطرة

عاد «تختخ» إلى منزله، وقد امتلأ ثقةً في أنه سيَهزم الشاويش، لقد وجَّه الشاويش الاتهام إلى «هدى» بأنها سرَقَت النقود، ولكنَّ النقود ما زالت موجودةً في منزل الرجل العجوز، «هدى» إذن لم تسرق شيئًا.

بقيَ أمام «تختخ» لغزان من الألغاز المتداخلة … هما أين ذهب الأثاث؟ وأين اختفت «هدى»؟

لكن كان في انتظار «تختخ» مفاجأة … فقد قالت له والدته إن جدَّه سيأتي لزيارتهم اليوم، ولما كان الجد يحب «تختخ» كثيرًا، فقد اعتاد «تختخ» أن ينتظره على المحطة.

قال «تختخ» لوالدته: أرجوك أن تتركيني اليوم … إنني مرتبطٌ بمواعيدَ كثيرة ولن أستطيع مقابلة جدي … أرجوك.

ولكن والدته قالت مؤنِّبة: هل تترك جدك وحيدًا على المحطة لا يجد أحدًا في انتظاره، إنه يحبُّ أن يراك على المحطة، ولن أرسل أحدًا آخر؛ فوالدك في العمل، وأنا أشرف على تنظيف البيت، وعليك بالذهاب إلى المحطة فورًا.

أحسَّ «تختخ» بالضيق، فقد اقترب من حل اللغز، ولا يريد أن يضيع دقيقة واحدة، ولكن لم يكن ممكنًا أن يعصيَ أوامر والدته … ويترك جده المُحبوب واقفًا على المحطة.

وهكذا عاد «تختخ» إلى دراجته مرة أخرى، وانطلق إلى المحطة، وهناك علم أن القطار سيتأخر قليلًا لعطلٍ طارئ في الطريق، فأخذ يتمشَّى خارج المحطة، وخطر له أن يراقب السيارات … لقد نسيَ أنهم لم يبحثوا عن سيارة نقل الأثاث، التي رأى شبحها تلك الليلة في الشارع رقم ٩٣.

وقف «تختخ» ينظر هنا وهناك، وفجأةً شاهد سيارة نقل أثاث مسرعة، وبدا له أن وجه السائق لم يكن غريبًا عنه برغم أنه لم يره كاملًا … وأخذت ذاكرته تدور بسرعة … أين رأى هذا الوجه! هذا الوجه! ولكن صفارة القطار انطلقت في هذه اللحظة، فأسرع «تختخ» عائدًا إلى المحطة، وفي الوقت المناسب، كان يتلقى قُبلة من جده المُحبوب.

قال الجد وهما يغادران المحطة: هل من ألغازٍ جديدة، إنني قرأت اليوم أن «الشاويش» قد حل لغز الألف جنيه المسروقة … فهل هزمَكَ «الشاويش» هذه المرة؟

رد «تختخ» على جده بحماسة: لا يا جدي … لا تُصدِّق هذا الكلام الفارغ الذي يُطلقُه الشاويش، وأعدُكَ أن تحصل على القصة الكاملة غدًا، إذا تركتني أخرج هذا المساء.

قال الجد ضاحكًا: لا بأس … أتركك، على أن أسمع غدًا أنك حللت اللغز وسبقت الشاويش.

وهكذا، استقلَّ الجد تاكسيًا إلى البيت، في حين كان «تختخ» يسابق السيارة بدراجته، و«زنجر» يجري خلفه، فوصلوا جميعًا في وقتٍ واحد.

وبينما كان «تختخ» يجلس مع جده ووالدته يتحدَّثون، كان ذهنه منصرفًا إلى التفكير في الوجه الذي رآه في سيارة النقل … وفجأة قفز «تختخ» في الهواء وأخذ يجري ويصيح «وجدته … وجدته … وجدتها … وجدتها.» وأخذ الجد والأم ينظران إليه في دهشةٍ وكأنه جُنَّ، ولكن «تختخ» لم يتوقف، وكان «زنجر» معجبًا باللعبة، فأخذ يقفز هو الآخر خلف «تختخ»، ثم غادر الاثنان الغرفة مسرعين إلى الخارج.

قفز «تختخ» إلى دراجته، وانطلق مسرعًا إلى منزل «مُحب»، ولحسن الحظ كان «عاطف» هناك، فدخل «تختخ» بعد أن أعطى الحقيبة الحمراء ﻟ «زنجر» ليضعها بين أسنانه، وكم كانت دهشة «مُحب» و«عاطف» وهما يُشاهدان «زنجر» داخلًا، وقد احمر وجهه من الانفعال، بينما «زنجر» قد احمر وجهه من لون الحقيبة التي حملها بين أسنانه.

صاح «مُحب»: الحقيبة … حقيبة الخضار … لقد أحضرها «زنجر»!

ثم أخذ يقفز هو الآخر سعيدًا، وأمسك بالحقيبة، وأخذ «زنجر» معه وانطلق إلى المطبخ، ولم تكد الطباخة ترى الحقيبة حتى أطلقت زغرودة عالية، وسألت «مُحب»: من الذي أحضر الحقيبة، أين وجدتها؟

رد «مُحب» وهو يُربِّت على شعر الكلب الذكي: إنه «زنجر» … لقد أحضرها وأنقذنا من أسئلتك، ومن اتهام الشاويش!

ثم طلب من الطباخة أن تُعدَّ ﻟ «زنجر» وجبة ساخنة من اللحم مكافأة له على براعته.

وبينما كان «زنجر» ينعم بالأكلة الساخنة، كان «تختخ» يروي ﻟ «مُحب» و«عاطف» ما حدث في الصباح ثم قال لهما: لقد أصبح أمامنا شيئان يجب أن نَعرفهما؛ الأول أين يوجد الأثاث، والثاني أين اختفت «هدى»، وبالنسبة للأثاث، أمامنا محاولة معرفة السيارة التي نقلته، فإذا عرفنا السيارة عرفنا مكان الأثاث.

قال «مُحب»: ولكن كيف؟

تختخ: ليس في هذه المنطقة إلا شركتان للنقل، ونستطيع بسؤال الشركتين أن نعرف أين توجد السيارة الزرقاء التي نقلت الأثاث!

عاطف: ولكن قد تكون الشركتان تستعملان اللون الأزرق في سياراتهما.

تختخ: لا أظن؛ فعادة تقوم الشركات المتنافسة بتغيير ألوان سياراتها كنوعٍ من التعريف بها، والدعاية لها.

وقد صدق ظن «تختخ»؛ فقد اتضح أن إحدى الشركتين تُسمَّى شركة «السهم الأزرق»، وهكذا تأكد للأصدقاء أنها الشركة المطلوبة، فعرفوا مكان الجراج الذي كان خارج المعادي.

وفي الظلام انطلق الأصدقاء الثلاثة في الطريق إلى الجراج، الذي كان في مكانٍ بعيد عن العمران.

وصل «تختخ» و«مُحب» و«عاطف» وقد تكاثف الظلام تمامًا، فتركوا دراجاتهم خارج الجراج، ثم أضاءوا مصابيحهم الصغيرة، وأخذوا ينظرون حولهم، وعلى الأرض، وفجأة قال «تختخ» انظر … أليست هذه آثار العجلات التي نعرفها … آثار عجلات السيارة التي نقلت الأثاث في تلك الليلة من منزل الرجل العجوز … إنها ليست في الجراج مع باقي السيارات.

وتبع الأصدقاء الآثار، واستمروا يسيرون في طريقٍ ضيق مُترب، وأخيرًا وجدوا أنفسهم أمام السيارة الزرقاء، فأسرع «تختخ» يدور حولها وهو يطلق مصباحه على جانبها، وصدق ما فكر فيه، فقد كان هناك خدشٌ واضح على جانبها، وعلى ارتفاع متر تقريبًا، عندما احتكت بعمود النور في الشارع رقم ٩٣.

كان صندوق السيارة مغلقًا من الخلف، فأخذ الأصدقاء يُحاولون فتحه، وفي هذه اللحظة، ولدهشتِهم وفزعِهم سمعُوا صوت بكاء صادر من صندوق السيارة … ثمَّ سمعوا صوتًا ضعيفًا ينادي «النجدة … النجدة.»

قال «مُحب» في فزع: ماذا في الداخل … من هو … أو من هي؟

قال «تختخ» في صوتٍ هادئ: إنها «هدى».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤