في السدم

انتهى بنا الكلام — في ما أسلفنا من قول — عند حدِّ المجرات، ونظامها، وكثرة عددها أنها كثيرة، لا تقع تحت حصر، ولقد تبين للدكتور «هيل» من رصد السدم أنها تتدرج نظامًا تدرجًا عجيبًا، يدل على أنها جارية مع ناموس النشوء والتدرج، وهو يرى أن السدم متساوية تساويًا تقريبيًّا، من حيث مادتها، ومن حيث الأبعاد التي تقع بين سديم وسديم، ويرى أيضًا أن البعد بين كلِّ سديم والذي يليه ١٨٠٠٠٠٠ سنة نورية، من أجل ذلك نشأت عند العلماء فكرة مؤداها أن الراجح أن تكون السدم جميعها تولدت من سديم واحد في غاية اللطف.

يقول الدكتور «هيل»: إنه وجد حسابيًّا أنه إذا انتشرت مادة السدام كلها في الفضاء، صار ثقلها النوعي بالنسبة للماء جزءًا من ألف وخمسمائة مليون مليون مليون مليون مليون جزء.

يقول أحد العلماء: إنه إذا ثبت من رصد السدام أن السديم الذي نظامنا الشمسي جزء منه — وهو سديم المجرة — أرقى من غيره من أنظمة شموس المجرة، وأن الأرض أرقى من غيرها من سيَّارات الشمس فتكون أرضنا أرقى جرم من أجرام الكون، وأن كلَّ ما حدث من الارتقاء في ملايين ملايين السنين التي قطعتها الأرض من تاريخ حياتها إنما كان تمهيدًا لوجود إنسان عاقل، ذلك الإنسان الذي ارتقى وسما بعضه هذا الرقي العجيب.

على حين أننا إذا رمنا أن نقيس الأبعاد الشاسعة الواقعة بين الأجرام بعضها والبعض الآخر، فإننا لا نستطيع أن نقوم بذلك بواسطة مقاييسنا التي ألفناها واعتدنا استعمالها في المساحات والمسافات؛ لبعدها وعدم إمكاننا العمل بتلك الأقيسة التي بين أيدينا؛ ذلك لأن هذه المسافات أكبر وأطول من المسافة الواقعة بين شمسنا وأرضنا؛ فإن «ألفا قنطوروس» وهو أقرب كوكب إلى النظام الشمسي يبعد عن الأرض ثلاثمائة ألف ضعف بُعْدَ الأرض عن الشمس؛ لذلك كان شأنهم في ذلك وفي قياس المسافات الشاسعة هذه أن اصطلحوا على السنة النورية لقياس ما بين الكواكب بعضها والبعض الآخر من مسافة هي عبارة عما يقطعه النور في سنة كاملة، أما النور كما يقول بذلك الأستاذ المحقق «ميكلصن» فإنه يسير بسرعة ١٨٦١٧٣ ميلًا في الثانية الواحدة، وهاك بُعْد الكواكب عن الأرض بالنسبة النورية السنوية:

ألفا قنطوروس ثلاث سنين نورية
الشعري عشر سنين نورية
نجم القطب مائتي سنة سنين نورية
سديم الجبار خمسمائة سنة نورية … إلخ
والسنة النورية هذه التي نراها مقياسًا هائلًا كبيرًا لا تكفي إذا أردنا أن نقيس المسافات الواقعة بين جماع الأكوان التي تشبه الجزر في بحر الفضاء بعضها والبعض الآخر، حيال ذلك لا تجد مندوحة من استعمال «ألف سنة نورية» لقصر السنة النورية؛ ولأنها لا تسد الحاجة المطلوبة، وحتى ألف السنة النورية في بعض المقاييس وعند بعض المسافات تقصر، فنضطر إلى اتخاذ المليون السنة «النورية» وحدة مقياس المسافات الواقعة بين الكواكب، أو جماع النجوم بعضها والبعض الآخر؛ ذلك بأن القنوان الكروية في غيوم مجلان تبعد عنا مائة ألف سنة نورية، وجماع النجوم المعروفة علميًّا ﺑ N.G.C. يبعد سبعمائة ألف سنة نورية، والسديم اللولبي في المرأة المسلسلة يبعد عنا مليون سنة نورية، وقطره خمسون ألف سنة نورية، وفيه ملايين بل آلاف الملايين من النجوم.

الأرصاد: ولقد دلت الأرصاد التي عالجها الأستاذ «بول» في مرصد جبل «ولسن» معتمدًا فيها على «السبكترسكوب» على أن سديم المرأة المسلسلة يقترب منا بسرعة مائتي ميل في الثانية، وأن غيوم ماجلان تبتعد عنا بسرعة ١٧٠ ميلًا في الثانية، وأن أكثر السدم اللولبية الأخرى تبتعد عنا بسرعة مئات الأميال في الثانية، أسرعها سديم لولبي يبتعد عنا بسرعة ١١٠٠ ميل في الثانية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤