في المجرة

الرأي عند علماء الهيئة أن الوحدة الأولى في هذا النظام الكوني النجم، وما هو هذا الشيء الذي سمَّيناه نجمًا؟ إنْ هو إلَّا كرة من الغاز المتقد متغاير الحجم، فقد لا يفوق الأرض حجمًا، وقد يفوق الشمس بأكثر من ألف ضعف.

والكون، ما هو؟ إن الوحدة الأولى للنظام الكوني هي النجم، ومن النجوم ما يقل حجمه عن حجم الأرض، ومنها ما يزيد حجمه على حجم الشمس بمقدار ألف ضعف أو يزيد كثيرًا، أما كثافة مادة النجوم فتختلف باختلاف هذه النجوم، فمنها ما تكون الكثافة فيه بمقدار كثافة الهواء، ومنها ما تكون الكثافة فيه زائدة على كثافة الماء مقدار خمسين ألف ضعف، أما الوحدة الثانية فهي الكون، يقولون إن الكون فراغ، وهو قول لا بأس به، ذلك بأن ذلك النظام العجيب — نظام المجرة — يشمل فضاء واسعًا شاسعًا، منتثرًا فيه ما يعد بخمسين ألف مليون نجم، ونظامنا الشمسي جزء من هذا النظام، وهذا النظام يطلق عليه العلماء اسم الكون.

أما شكل المجرة فعدسي (كحبة العدس) طول قطرها خمسون ألف سنة نورية، وعرضها — أي المسافة الواقعة بين جهتيها عند مركزها — يساوي عشرة آلاف سنة نورية، وخرج من هذا الكون كونان آخران في غيوم ماجلان، على بعد مائتي سنة نورية، ثم إن هناك كونًا آخر يبعد مليون سنة نورية «السد بين اللولبين» في المرأة المسلسلة وكوكبة المثلث، وكل منهما طوله الأطول ٥٠ ألف سنة نورية، أي طول قطر المجرة.

ويرى العلماء أن الأكوان منتثرة منتشرة في الفضاء انتشار الجزر في البحار، مثلها مثل الأرخبيل، هذا رأي بعض العلماء الآن، وبعدما وصل إليه الإنسان من استكشافات ومخترعات، ولا يبعد أن يكشف لنا المستقبل عن أكوان أخرى لها نظام أعجب وأغرب من نظام الأكوان المعروفة لنا، على أن غاليلي المعروف يرى رأيًا آخر في ذلك نحن مُوْرِدوه لك فيما بعد.

نقول: وقد نشط العقل البشري في العهد الأخير نشاطًا كبيرًا، وعمد الفكر الإنساني إلى الأبحاث القيِّمة الناضجة، فكان من أثر ذلك أن زادت الثروة العلمية، واتسع نطاق البحث، انظر كيف تهيَّأ للإنسان أن يقوِّي التلسكوب في أواخر القرن التاسع عشر، ففي سنة ١٨٨٤ نُصِب تليسكوب المرصد الإمبراطوري في بلكوفا بروسيا، وقطر عدسيته ٣٠ بوصة.

وفي سنة ١٨٨٨ نُصِب تليسكوب مرصد «لك» وقطر عدسيته ٣٦ بوصة.

وفي سنة ١٨٩٧ نصب تليسكوب مرصد بريكيس، وقطر عدسيته أربعون بوصة.

انظر كيف أدخل الإنسان تحسينات كثيرة على السكترسكوب، واستعيض عن الموشور بالزجاجة المسطرة، فعمَّت الفائدة، وزاد النفع في قياس حركة النجوم الشعاعية، وفي سرعة هذه عند خط النظر.

ثم ابتداع الأساليب الفوتوغرافية، وكيفية استعمالها في تصوير الأجرام السماوية، وما إلى ذلك من الاستكشافات والمخترعات التي عاونت وساعدت في ظهور هذه الأكوان الدالة على ما للقادر الحكيم من حكمة وقدرة وعلم وإرادة تفوق الحدَّ والحصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤