فضل العرب على الغرب

نقول: ولقد بلغت فلسفة ابن رشد — عند اليهود في القرن الرابع عشر — أرقى وأبقى منزلة، حتى لقد تعهد «لاون» الإفريقي اليهودي شرح فلسفة ابن رشد كلها، وتوضيح ما نقله هذا الفيلسوف عن أرسطو وما لخصه منها.

يقول «سديو» العلامة الفرنسي الشهير في هذا المقام: «ولا يخفى أن الكشف السالف يفيد علم الفلك الشرقي مزية الأصالة والأولية التي لا يستطيع الإمساك عن الإقرار بها أحدٌ من الفرنجة، الذين كان كشفهم بمعلومات الكتب العربية شاهدًا على تقدم العلوم الرياضية عند العرب، الذين استفاد منهم اللاتينيون المعلومات؛ فإن «جوستر» الذي كان بابا روما المُلقَّب بسلوستر الثاني أدخل من سنة ٩٧٠ إلى سنة ٩٨٠ عند الفرنج العلوم الرياضية التي كسبها عن عرب إسبانيا، و«أهلاد» الإنجليزي ساح من سنة ١١٠٠ إلى سنة ١١٢٠م في كلٍّ من إسبانيا ووادي مصر، ثم عاد فترجم مبادئ إقليدس من العربية بعد أن ترجمها العرب من اليونانية، وترجم أفلاطون من العربية الرياضيات الكروية المنسوبة إلى «تيودور» كما أن الخواجة «رودلف» أحد أهالي «بروجس» البلجيكية ترجم مسائل بطليموس المتعلقة بالكرة الأرضية والسماوية المصورة مبسوطة على خريطة، وهكذا «ليونارد» ألَّف سنة ١٢٠٠م رسالة في الجبر الذي نقله من بلاد العرب، و«قميانوس» الإسباني ترجم في القرن الثالث عشر كتاب إقليدس ترجمة جديدة وشرحه، وقد كان الملك «زوجير» الأول ملك «السيصليين» مساعدًا لعلماء «بسيسيليا» لا سيما «الأوريسي» ثم جاء العاهل فردريك الثاني بعد «زوجير» بمائة سنة فلم يألُ جَهْدًا في المساعدة والحث على كسب العلوم والمعارف الأدبية الشرقية، وكانت أتباع ابن رشد تعمل في ديوانه، وتعلم التاريخ الطبيعي، وعلم النبات، وعلم الحيوان.»

يقول «سديو»: إن القوانين وهي خمسة كتب لابن سينا قد تُرجِمت وطبعت مرارًا، وكانت مؤلفاته ومؤلفات الرازي تُدرَّس في مدارس أوروبا نحو ستة قرون، ولقد طبعت مؤلفات الفخر الرازي في الطب في مدينة البنادقة سنة ١٥١٠م، وكتب علي بن عباس الفارسي وهي عشرون كتابًا في الطب ترجمت إلى اللاتينية سنة ١١٢٧، وطبعها مخائيل كابلا سنة ١٥٢٣ في مدينة ليون بفرنسا.

هذا ما عنَّ لنا أن نلخِّصه من كلام سديو العلامة الأشهر؛ لِنُظْهر القراء على شيء من فضل العرب على الغرب في السبق في مضمار العلم وحلبة الفن، ولِيعْلَم الذين لا يزالون على جهل من أمر العرب وتاريخ العرب وفضل العرب أن الحق لا يعدم نصيرًا ولو من الأعجام وأهل الغرب، فهذا فضلٌ أنطق لسان سديو الفرنسي على حين أننا مازلنا نسمع أصوات كثيرين من المصريين والمتكلمين بالعربية ترتفع من كلِّ جانب بالاستنكار، وغمط شأن العربية، فهم ينعون العرب وآثار العرب وفضل العرب في حين أن الأجانب من الفرنسيين والألمانيين والغربيين جميعًا لا يزالون ينطقون بالحق، ويرفعون لواءه من غير غضاضة ولا توانٍ، والأمر لله من قبل ومن بعد.

قالوا: (١) ولقد أخبر رسول الله أنه رأى أرواح الأنبياء — عليهم السلام — ليلة أُسرِي به في السماوات سماء سماء؛ آدم في سماء الدنيا، وعيسى ويحيى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى وإبراهيم في السادسة والسابعة. يقول ابن حزم: فصحَّ ضرورة أن السماوات هي جنات.

(٢) عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، عن النبي قال: «البحر من جهنم أحاط به سرادقها.» وقال تعالى: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي الموقد، روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحر نارًا، فيسجر بها نار جهنم، وهو أعلم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤