فيما بعد الطبيعة (٢)

وكان في ذلك العهد الدكتور ليمان أبوت هو وصديقه مستر هيوز، عند إديسون في غرفته الخاصة، وكان الرجل عظيم السرور شديد الابتهاج بنجاح اختراعه، وهو لا يني ولا يكل ولا يمل مخاطبة روح مساعده بيترسون، وما نحن بقادرين أن نتبسط في الحديث، ونستزيد من الكلام فيما حدث من حوار ومخاطبة في هذه الجلسات التاريخية العظيمة، وإنما نحن مُورِدون ما يهم القراء منها فنقول: إن الدكتور ليمان أبوت استحلف مستر إديسون أن يسأل روح مساعده بيترسون في استحضار روح ولسون.

ولما ألقى السؤال على روح بيترسون بحثت عن روح ولسون ردحًا من الزمن، وقالت إنها لم تجد ولسون ولا أخبرها أحد بوجوده في عالم الأرواح، بل هي تزعم بعد هذا البحث أن ولسون لا يزال حيًّا.

– دعها تبحث عنه حيًّا، ألا يمكنها ذلك؟

– تقول: إن البحث عن الأحياء صعب جدًّا، على أنها لا تزال تبحث، وتجدُّ في البحث.

– أما أخبرتك عن الذين قتلوه؟

– نعم، تقول: إنهم من جمعية كوكلا كس كلان السرية، أو من جمعية أخرى مخالفة لها، وهي على اعتقاد أن ولسون لا يزال أسير هذه الجمعية.

وبينما كان إديسون مقبلًا على صاحبه يحادثه إذا بالآلة تنقر، فقال للحال: لقد حضرت روح بيترسون. فسمعا لِما تقول، ثم حرَّك أصابعه على الآلة أخذًا وردًّا، وما لبث أن صاح متعجبًا قائلًا: إن روح بيترسون قد اهتدت مصادفة إلى الكابتن ماركسون، وهو في قبضة يد جماعة كوكلاكس كلان.

– الله ماذا تقول؟! إن البوليس لا يزال يبحث عن قاتل الكابتن ماركسون.

– البوليس غبي جدًّا؛ لأن الجثة المشوهة الموجودة في دائرة البوليس هي جثة مساعدي بيترسون لا جثة ماركسون، هو ذا بترسون يتكلم إنه اهتدى إلى ولسون، على أن ولسون هو الآخر أسير هذه الجمعية.

– أين؟

– في مكان ليس في وسعه أن يصفه؛ لأن الأرواح لا تستطيع أن تميز الأوضاع المادية والأحياز المكانية، وهو يرى ويتعرف روح ولسون لا جسمه.

وهو يعرف من مثال زوجه المشابهة لمثال جسده، فإن فراسة الروح تشابه فراسة الجسد، ولقد تحقق وتأكد من هويته، من أفكاره.

– هل يستطيع أن يلقي عليه بعض الأسئلة؟

أما إديسون فالتفت إلى صديقه الدكتور وقال له: لو أن الأرواح تستطيع أن تؤثر في الأحياء أو تخاطبهم متى شاءت، لما كانت ثمت داعية لهذه الآلة، إن تأثير الروح على الروح التي لا تزال تحجبها الأحياز المادية ضعيف، على أن روح بيترسون ستجتهد في التأثير على روح ولسون حتى توجه أفكاره إلى أي موضوع، وحتى تستطيع أن تفهم أفكاره بعض الفهم من غير أن يشعر بذلك.

– أما قال لك بيترسون عمن صادف من أرواح المشهورين؟

– صادف روح روزفلت فعرفته بروح فرنكلن ووشنطون وكثيرين، ورأى كتشنر، والقيصر نيقولا، والإمبراطور فرنسوا جوزيف، وتعرف بروح نابليون، فتهلل أبوت وسُرَّ وابتهج، وهو لا يكاد يصدق هذا، وطلب إلى إديسون أن يسأل بيترسون في استحضار روح صديقي روزفلت، ويقوم بالترجمة بيني وبينه.

– لك ذلك.

ثم أخذ ولسون يحرِّك أصابعه على الآلة وهو يقول: لقد أوعزت إلى بيترسن أن يعلم هؤلاء الحروف الأبجدية التي اصطلحنا عليها للتفهم مع الأرواح؛ حتى يستطيعوا أن يخاطبونا من غير واسطة، والروح التي طال عهدها في عالم الأرواح أقدر على التأثير، هه، هو ذا بيترسون قد دعا روزفلت.

قال روزفلت: مرحبًا ليمان، إننا نشكر إديسون الذي اخترع آلة التفهم بيننا وبين الذين لا يزالون على هذه الأرض.

فقال ليمان: كيف أثق أن روزفلت يخاطبني؟

– أوه بيننا سرٌّ قديم لا يعرفه أحد، هل تذكر المقالة التي كتبتها أنا؟

– في أي موضوع؟

– موضوع الإمبراطور غليوم.

– كفى، كفى صدقت وآمنت بروحك أيها الحبيب العزيز، إني أتوق إلى السفر العاجل إليك، أأنت سعيد؟

– أنا من غير شك سعيد، ولكن لا تعجل بنفسك في المجيء، فإن أمريكا لا تزال بحاجة إلى مثلك إلى أن يظهر نوابغ آخرون.

فتهلل ليمان، وأخذ يصيح قائلًا: … تدي … تدي … مصغر اسم تيدور روزفلت.

– أين تقيمون؟

– الأقيانوس الأثيري الواسع يحوينا.

– ولماذا أنتم هنا؟ ومن معك؟

– معي ألوف من فحول السياسة، بعضهم تعرفهم وبعضهم قرأت عنهم، إلى جانبي فرنكلن ووشنطون وغيرهما، وما حدانا إلى الهبوط هنا إلا ما أحسسناه من أن بعض الأمم تتباحث في مسألة نزع السلاح فحدانا ذلك إلى المجيء؛ حتى نشهد الرواية الجديدة التي يمثلها قادم الأمم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤