في الأرواح

ونفس الإنسان قبل الولادة وبعد الموت
ليس من سبيلٍ إلى إنكار ما للمذهب الروحاني من فائدة ونفع، بعد الذي ظهر من انتشاره في العهد الأخير، وبعد أن آمن به واطمأن إليه عُمُد المذهب المادي، وأعلام العلم الحديث، وأقطاب المفكرين من أهل الغرب والعالم الجديد، أمثال إديسون، ووليم جيمس، والسر وليم كروكس، والسر أولفر لودج، وستيد وكونان دويل، ولمبروزو … إلخ. وليس هذا بالشيء الجديد، ولكنه قديم عرفه تاريخ أسلافنا من شعوب هذا العالم، أمثال المصريين القدماء، وكانت كهنتهم تزاول المذهب الروحاني عمليًّا، وتشفي به بعض المرضى. واليونانيون وكانت هياكلهم ملأى بالعرافات يناط بهن أمر استشارة الآلهة ونقل الوحي، آية ذلك ما نقرأ من أن هوميروس الشاعر النابغة الأشهر قد وصف في شعره كيف استطاع عوليس الملك أن يخاطب روح تيز رباس العراف. وكذا الهنود وكانوا قديمًا يعالجون هذه المسائل وآية ذلك ما كتبه «مانو» المشترع الهندي في أحد أسفار «الفيدا»، وهو أقدم الكتب الدينية المعروفة، وهذا نصه:

إن أرواح الأسلاف ترافق بهيئة غير منظورة بعضًا من البراهمة، وتتبعهم تحت شكل هوائي، وتكون قريبة منهم عندما يجلسون.

ولقد فصل الجهل بين الإنسان وهذا المذهب ردحًا من الزمن، وطاف عليه طائف النسيان، حتى توثب بعض الذين أشرق عليهم نور الحق من علماء هذا العصر لمعالجة ما في المذهب الروحاني من شئون ومسائل لها كلُّ الأهمية في حياة المخلوقات ومستقبل الإنسان.

ولا بدع؛ فإنما أهم ما يهتم به الإنسان أن يكون سعيدًا موفقًا مطمئنًا على مستقبله، وأن يعرف ويتعلم من أين أتى، وأين هو، وإلى أين هو ذاهب.

أما السعادة فلا تُعرَف ولا يحسبها المخلوق إلَّا إذا عرف من أين وإلى أين، وأما الطمأنينة فلا تكون إلَّا مع العقيدة، والعقيدة لا تكون إلَّا بالعلم الروحاني، وهنالك تُعرَف أهمية هذا المذهب واتصاله بهذه النواحي؛ ناحية العقيدة وناحية ماضي المخلوق ومستقبله.

ولعل أول ما عرفه العلم الحديث من حوادث الأرواح تلك الحادثة التي وقعت في سنة ١٨٤٦؛ إذ سمعت لأول مرة طرقات متوالية في بيت رجل اسمه «فيكان» من قرية «هيدسفيل» من أعمال «نيويورك»، ففي إحدى الليالي أخذت «مدام فوكس» مرقدها مع ابنتها في غرفة واحدة؛ لعلها تتخلص من الأصوات المزعجة التي كانت تسمعها كلَّ ليلة؛ إذ هي تسمع طرقات متوالية، فوقع بخاطر كاتي ابنة فوكس أن تصفق بيديها فقلدها الطارق، فقالت «مدام فكس»: عُدَّ لنا عشرة، فعد عشر طرقات.

س: كم عمر ابنتي كاتريا؟
ج: أجابت الطرقات تمامًا.
س: هل أنت إنسان حي؟
ج: لم يجب.
هذه أول محادثة تمت بين عالم الغيب وعالم الشهادة في عصرنا الحاضر عرفها العلم، وفي سنة ١٨٩٢ روى الأستاذ العلامة لمبروزو، وهو واضع حجر الزاوية في علم الاجتماع الجنائي، قال: بعد أن أطفأت النور تضاعفت الطرقات في داخل المائدة، ثم رأينا جرسًا كان موضوعًا على المائدة الصغيرة ارتفع في الهواء، وطفق يدور حول رءوسنا يقرع من نفسه، ثم انحط على المائدة التي كنا حولها، وانتقل من بعد ذلك إلى سرير يبعد عن مكان الوسيط نحو ثلاث أذرع.١
١  نُشرت في المقطم بتاريخ ١٨ نوفمبر ١٩٢٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤