من العالم غير المنظور

روح مسز سنيدر يتكلم

لا يخلو بلد من بلاد العالم من طائفة تهتم بالأرواح، وتبذل في هذه السبيل جهدًا جهيدًا، ولا يخلو جوٌّ من الأجواء من هواة هذا الموضوع، والصحف في بلاد الغرب وفي العالم الجديد على الأخص تُعنَى عناية خاصة بمسائل الأرواح، وتتسقط أخبارها من حين إلى حين؛ لاهتمام القراء بالموضوع، وشغفهم بأنباء الأرواح، وتهافتهم على كلِّ أثر من آثارها.

ولقد نشط المذهب الروحاني في هذا العصر نشاطًا ظاهرًا مُوفَّقًا، وكتب له القدر في لوحه آية النجاح، فآمن به من آمن، واعتنقه من اعتنقه من أصحاب الرأي، وذوي المكانة في حلبة الأدب، وميدان العلم والاختراع، فكان هذا دليلًا لا يُنقَض على صحة المذهب، وبرهانًا قويًّا لا يزعزعه مزعزع، ولا يؤثر فيه مؤثر، كان دليلًا وكان برهانًا على أن «المذهب الروحاني» مدرسة المستقبل، وأن المدرسة المادية لا يقوم أساسها إلَّا على وعث من الحجج والبراهين، لا تلبث أن تنهار إذا سال عليها سيل الدليل.

ولقد قرأنا في صحيفة من الصحف الأمريكية أخيرًا أن المسز «سنيدر» الأمريكية الجميلة، كان قد حُكِم عليها وعلى شريكها مستر «غراي» بالإعدام، وأن هذا الحكم قد نُفِّذ فيهما بالفعل، وأن ثلة من العلماء الأمريكيين، الذين كرَّسوا حياتهم لهذه البحوث القيِّمة النافعة، قد عقدوا اجتماعًا علميًّا، بعد أن نُفِّذ حكم الإعدام في مسز «سنيدر» بأربع وعشرين ساعة لمخاطبة روحها وسؤلها عن حالتها، فجاءوا بوسيط، واستحضروا الروح عن طريقه، فقال الروح — روح «مسز سنيد»: إن ما ينتابني من الأسى والحزن والأسف في أواخر أيامي التي قضيتها على الأرض هو أني اتَّهمت «غراي» بما قذفته به من تهمة؛ لأن تِباعة الجريمة إنما تقع عليَّ أنا لا عليه؛ ذلك لأنه لم يفعل إلَّا ما أمرته به، فكان لي مطيعًا وكان منفِّذًا، ولو أني كنت مخلصة لزوجي أحبه كما يجب لما وقعت الجريمة التي ارتكبها، وإنه ليحزنني جد الحزن أن تعاني ابنتي في العالم ما تعاني من المصائب، وأن الناس سينظرون إليها بعين الاحتقار والذراية، على اعتبار أنها ابنة مجرمة سفكت الدماء.

وإني لأضَّرع إلى الله أن تغيِّر اسمها الذي تحمله، وتنسى أني كنت لها أمًّا.

إنني أسعد حالًا الآن عما كنت قبلًا، وإن ثقتي في الله قوية عظيمة؛ من أجل ذلك أنا أطمع في رحمته، وأعتقد أنه سيغفر لي عمَّا وقع مني؛ لأني عندما ارتكبت الجريمة كنت بلا شك مجنونة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤