أين السعادة؟

كل من في هذا الوجود ينزع إلى غاية، ويسعى بكلِّ ما فيه من حول وطول لتحقيق هذه الغاية، ولو أنك سألت الطفل في مهده، واليافع، والرجل الكامل، والكهل والشيخ: ماذا يحب؟ لقال لك على التوِّ إنه يريد أن يكون سعيدًا، فالناس في هذا الباب سواسية، ينتهون عند غرض واحد يتناضلون عليه، ومسعًى واحد يسعون إليه.

ولئن كانت غايتهم واحدة، ومقصدهم واحدًا فإنهم يختلفون في تحقيق هذه الغاية، وفي سلوك السبيل الموصلة إليها، تنوعت الوسائل والغاية واحدة، ألا وهي السعادة، واختلف سبيل الوصول إليها باختلاف ما في الناس من مزاج واستعداد ونظر.

فالمالي يجد سعادته في جمع المال، والسكير في كأس خمره، والمتدين في نسكه وصلواته، وهي كلها لذائذ نسبية، تختلف باختلاف الميول، وإن اتفقت الغاية.

ولقد عبر العلماء والحكماء عامة عمرهم يبحثون عن السعادة، فلم يلقها إلا القليل؛ إذ ليست السعادة في المال، ولا في الجاه، ولا في القوة، ولا في النفوذ، ولا في عرض من أعراض هذه الدنيا، وإنما هي في راحة الضمير، وطمأنينة القلب.

أجل، لقد ضل من يحاول البحث عن السعادة في كلِّ مكان حوله، ولئن كان هذا عجبًا فأعجب منه من يتطلبها في مظهر من مظاهر هذه الحياة، ويظن أنها بعيدة عنه.

وما هي إلَّا فيه، ولكنها نسبية، والسعادة الحقيقية ليست فيما تطلبه ولا خارجة عنه، وإنما هي فيما يرضي الله من عمل الخير، وقول الصدق، ونحن نسأل عنها في كلِّ مكان، ونتفقدها كضالة منشودة هنا وهناك، وهي بمقدرتنا ومعنا، ولكن لا نراها ولا نحس بها، كم من سعيد بماله أو جاهه أو مكانته وهو شقي بنفسه! وماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! وأنت تستطيع أن تكون سعيدًا وما ينقصك شيء مما يلزم لذلك إلَّا أن تكون فيك نفس طيبة، تسعى للبر والخير، وتعمل لإدراك كمالاتها.

وإنما توارت هذه السعادة، وفاتت هذه اللذة كثيرًا من خلائق الله، وما أدركها إلَّا الذين أخلصوا، وولوا وجوههم شطر الحقيقة، هنالك يتبين الوجدان الطاهر، وهنالك تكون النفس آمنة مطمئنة، قد رجعت إلى ربها راضية مرضية.

نجتزئ بما أسلفنا من قول في هذا الموضوع، ولعلنا نُعذَر إذا انتقلنا إلى اعتراض آخر من اعتراضات اللادينيين فنقول: ربما قال بعضهم: إذا كان الله موجودًا فينا وفي كلِّ مكان، فلِمَ لا نراه ولا نحس به، وهل نراه بعد الموت؟ والجواب …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤