عظمة الكون (١)

مما أسلفنا القول فيه يتبين للقارئ أن للكون عظمة لا يقدرها ذلك العقل الهيولاني الضعيف مهما حاول، ومهما أوتي من قوة وتفوق، على أنَّا نعاود الكلام في عظمة الكون فنقول: إننا نعلم أن محيط الأرض ٢٤٠٠٠ ميل، فإذا أُتِيح لإنسان أن يقطع هذه المسافة برًّا بالسكة الحديد، وبحرًا بالسفن البخارية، وكان متوسط سفره ٨٠٠ ميل في كلِّ يوم، فإنه لا يستطيع أن يدور حول الأرض في أقل من شهر كامل.

وهذه عظمة لا ينكرها إلا جاحد، أو مكابر، أو مهاتر، ولكنها عظمة ضئيلة حقيرة صغيرة إلى جانب عظمة الكون؛ ذلك بأنها أصغر من الشمس، التي ترمقها في السماء كأنها قرص قطره شبر؛ فإن قطر الشمس الحقيقي يبلغ ٨٦٦٠٠٠ ميل، إذن فحجمها على هذا القياس أكبر من حجم الأرض بنحو ١٢٣١٠٠٠ مرة، وإذن فجرمها أكبر من جرم الأرض بنحو ٣٣٣٤٣٠ مرة.

على حين أن هذه الشمس — على ما هي عليه من عظمة كبرى — أصغر بما لا يقاس من أكثر النجوم التي نلمحها في السماء متلألئة، وإن من هذه النجوم ما نسبته إلى شمسنا كنسبة شمسنا إلى أرضنا التي نعيش عليها أو أكثر.

وطالما كنا نسمع أن عدد النجوم التي نراها بأبصارنا في السماء كعدد الحصى أو الرمل؛ مبالغة في القول، ودليلًا على أنها لا يقع عليها حصر، ولكننا نعلم أن هذه النجوم التي نراها بالعين المجردة قد بلغ ٦٠٠٠، أما عدد النجوم التي نراها بالمجاهر والمقربات والمكبرات، والتي تظهر بالتصوير الشمسي فقد بلغ نحو ٢٢٤ مليون نجم، وكلها تابعة للنظام الذي يطلق عليه المجرة.

وأنت ترى هذه النجوم كأنها منضدة بعضها إلى جانب بعض، متقاربة سيما في المجرة، على حين أنها بعيدة بعضها عن بعض بُعدًا شاسعًا، فإذا كنا نراها يتقارب بعضها من بعض فإنما يكون ذلك لأننا لا نبصر الصفوف الأمامية منها فقط بل ما بعده وبعده … إلخ.

•••

والآن لنتخذ الشمس مركزًا، ولنرسم حولها كرة قطرها ألفا سنة نورية، فإذا اتسق لنا ذلك كانت هذه الكرة شاملة جميع الكواكب التي نراها بالعين المجردة، أما إذا وسَّعنا هذه الكرة حتى يصير قطرها ٢٥٠٠٠ سنة نورية فإن ذلك النطاق يشمل كلَّ الكواكب الواقعة في نظام المجرة، والمجرة هذه تشبه حبة عدس قطرها ألف سنة نورية، أما المسافة التي بين وجهيها عند مركزها فهي عشرة آلاف سنة نورية، وخارج هذه المجرة عالمان آخران في غيوم «مجلان» يبعدان نحو ٢٠٠ ألف سنة نورية، ثم على مائة ألف سنة نورية تجد السد يمين الكوكبين في المرأة المسلسلة وكوكبة المثلث، وكل منهما طوله الأطول نحو ٥٠ ألف سنة نورية، وهو طول قطر المجرة.

على حين أن هذه المجرة وما فيها من أبعاد شاسعة واسعة عالم ضيق جدًّا من عوالم كثيرة جدًّا، لا يقع عليها حدٌّ ولا حصر، وما يعلم ما فيها إلا عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.

إن هناك مجاميع من النجوم متسقة منظمة مترامية، وكل مجموعة منها فيها نجوم كنجوم المجرة، وكلها منثورة في الفضاء الواسع.

أما المرأة المسلسلة هذه — التي أسلفنا القول فيها — فقد وجدها العلماء تبعد مليون سنة نورية، وقطرها نحو خمسين ألف سنة، وفيها ألوف الملايين من النجوم، أكثرها لا يمكن رؤيته، أما الكواكب التي نراها فيها فتزيد آلاف الأضعاف على شمسنا من حيث النور واللمعان، آية ذلك أننا لو أقصينا الشمس مسافة مليون سنة نورية لما أمكن رسمها بالمصور الشمسي، أما هذه البعيدة عنا هذا البعد الشاسع فإنها ترسم. فإذا كانت شمسنا بالنسبة للكواكب التي عُرفَت صغيرة ضئيلة، وإذا كان ضوءها ضئيلًا، وإذا كانت المجرة تشمل الملايين من الشموس، وإذا كانت هنالك مجرات بعضها بعد بعض لا يقع عليها حدٌّ ولا يحصرها حصر، وإذا كانت تلك المجرات فيها كواكب مثلها أو أكثر منها، وهي أضوأ ثم أضوأ ثم أضوأ فهل بعد هذا قول لقائل أو اعتراض لمعترض على عظمة الكون؟ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فعلمنا قليل كقلة أرضنا، ومعرفتنا ضئيلة كضئولة أرضنا بالنسبة لشمسنا، وشمسنا بالنسبة لمجرتنا، ومجرتنا بالنسبة لغيرها من المجرات، ولقد يئس جبابرة العقول أن يعرفوا لهذه العوالم نهاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤