الفصل الثامن

في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر

(١) في بطاركة أنطاكية وأورشليم في هذا القرن

قام على كرسي أنطاكية بعد سمعان المار ذكره إيليا، واستمر على الراجح ثماني وعشرين سنة وكان عالمًا وله بعض تصانيف وتوفي سنة ٩٣١، ولم يقم بعده بطريرك مدة أربع سنين إلى أن خلفه توادوسيوس الثاني سنة ٩٣٦، وكان حيًّا سنة ٩٣٧ ولم نعلم متى توفي، وفي جدول هؤلاء البطاركة المحفوظ في الواتيكان أسماء توادوريطوس الثاني وأغابيوس الأول، دون ذكر شيء من تاريخهما، والمعلوم أنه يوم أخذ نيقوفور فوقا أنطاكية سنة ٩٦٩ لم يكن فيها بطريرك؛ لأن البطريرك كان قد قُتل، ولبثت أنطاكية بعد مقتله مترملة مدة ما فاعتنى هذا الملك بترقية إسطراتيوس إلى كرسيها، ولما استتب الملك ليوحنا سمسق، وافتتح جيشه أنطاكية سنة ٩٧٤، ولا بطريرك فيها اهتم بأن يقام توادور بطريركًا، وكان ناسكًا ورعًا، وفي الصلوات المعروفة بالأرثوذكسيات التي يتلوها الروم في كنائسهم أنه ليستحق الذكر المؤبد كريستوفر وتوادور وخلفاؤهما العشرة، أي: كريستوفر وتوادور وأغابيوس ويوحنا ونيقولاوس وإيليا وتوادور الآخر وباسيليوس وبطرس وتوادوسيوس ونيقوفر ويوحنا الآخر، وفي الجداول لهؤلاء البطاركة ما يخالف ذلك، ولا يمكن تحقيق عددهم أيضًا فبالأولى عدم معرفة سني ترقيتهم أو وفاتهم.

ومثل هذا الخلاف والاضطراب في تاريخ بطاركة أورشليم في هذا القرن، فبعد وفاة إيليا بطريركها سنة ٩٠٧ خلفه سرجيوس، ويقال: إنه استمر في البطريركية أربع سنين، وخلفه لاونتيوس أو لاون سنة ٩١١، ويقال: إنه استمر إلى سنة ٩٢٨، وخلفه إنسطاس، وقيل: نيقولاوس ثم خريستوفر ولا يعلم في أي سنة توفي … وجاء بعده ذكر أغاتون ويوحنا السادس، ويوحنا السابع، وجاء في تاريخ شدرانس (مجلد ٢) أن يوحنا البطريرك طعن عليه بأنه أغرى نيقوفر فوقا بأن يحمل على سورية، فكان جزاءه الحريق وحرق كنيسة القيامة، وكان ذلك سنة ٩٦٩، وربما كان هذا يوحنا البطريرك الأورشليمي الذي وضع ترجمة القديس يوحنا الدمشقي من العربية إلى اليونانية، كما يظهر من مقدمات المجلد الأول من مؤلفات الدمشقي من طبعة مين، وجاء في جداول بطاركة أورشليم بعد يوحنا أسماء خريستوفر، وتوما الثاني ويوسف الثاني، وبعد هؤلاء إسكندر وأغابيوس، ولا نرى اسميهما في جداول بطاركة أورشليم، بل نجد اسم إرميا في تاريخ ابن العميد أن العزيز بالله العباسي صيره بطريركًا على أورشليم، ويروى أن الحاكم بأمر الله الذي أخذ الخلافة سنة ٩٩٦ سمل عينيه ونفاه إلى بابل، وأشار غوليلموس الصوري (ك١ من تاريخ الحرب فصل ٤) إلى شيءٍ من ذلك، ويظهر أن هذا البطريرك توفي في أوائل القرن الحادي عشر.

(٢) في إيليا أسقف دمشق وغيره من العلماء في القرن العاشر

إن إيليا الملقب الجوهري كان أسقفًا على النساطرة في أورشليم، فصيره بطريركهم يوحنا متريبوليطًا عليهم بدمشق سنة ٨٩٣، واستمر إلى سنة ٩٠٥، وله كتاب في القوانين البيعية قسمه إلى قسمين: تكلم في الأول منهما على قوانين الغربيين، وفي الثاني منهما على قوانين الشرقيين أي: القوانين التي فرضها بطاركتهم النساطرة أو المجامع التي عقدوها، وله مقالة ألفها وهو أسقف بأورشليم زعم فيها أن فرق السريان الثلاثة أي: النساطرة والملكية واليعاقبة هم متفقون في عقائد الإيمان الجوهرية، وإن اختلفوا في التعبير عنها … وفسر جحود النساطرة تسمية العذراء والدة الله بمعنى أن اسم الله يعم الأقانيم الثلاثة، فإن سميناها والدة الله أدخلنا الولادة على الأب والابن وروح القدس، وأن باقي الفرق بتسميتها أم الله لا ينكرون ناسوت المسيح، ولا يوجبون الولادة على الأب وروح القدس.

وكان في هذا القرن سعيد بن البطريق بطريرك الملكية بإسكندرية، ولد بالقسطاس بمصر سنة ٨٨٧، وكان أبوه بطريقًا وسمى نفسه إفتيثيوس باليونانية وتأويله سعيد، وارتقى إلى البطريركية سنة ٩٣٢ وأدركته المنية سنة ٩٣٩ أو سنة ٩٤٠، وقد كتب كتابًا في الطب؛ لأنه كان طبيبًا، وكتابًا في محاورة مسيحي ومبتدع، وكتابًا في تاريخ صقلية، وأشهر كتبه كتابه في التاريخ من خلق الإنسان إلى أيامه بالإيجاز، وقد ترجمه سلدانوس إلى اللاتينية وعلق عليه فاتحة قال فيها ما ملخصه: «وقد وجدت في تاريخه أمورًا كثيرة تتعلق بالتاريخ الكنسي والدنيوي توجب النقد والنظر، ولم أجد لها أثرًا في كتب المؤلفين اليونان أو اللاتينيين أو اليهود العرب، ولم أرَ مَن ذكره مِن علماء أوروبا القدماء إلا غوليلموس الصوري، إذ قال في مقدمة تاريخه: إن الماريكس ملك أورشليم دفع إليه بعض كتب في جملتها تاريخ سعيد بن البطريق بالعربية، واقترح عليه أن يكتب تاريخًا فاعتمد فيه على شهادة الرجل المحترم سعيد بن البطريق البطريركي الإسكندري، وقد انتقد كثيرون من العلماء بعد ذلك تاريخ ابن البطريق، وأبانوا فيه أغلاطًا فاضحة، وقد رددنا نحن أقواله على الموارنة في كثيرٍ من كتبنا ومقالاتنا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤