الفصل الرابع

في تاريخ سورية الديني في القرن الثالث عشر

(١) في بطاركة أنطاكية وأورشليم في هذا القرن

إن توادوروس بلسامون بطريرك أنطاكية توفي سنة ١٢١٤، وتاريخ خلفائه في هذا القرن أيضًا سقيم وغامض، والذي ذكره لكويان والسمعاني في جداول هؤلاء البطاركة إنما هو أنه كان بعد بلسامون يواكيم الأول، ثم هياروتوس ثم سمعان الثالث ثم داود، ثم ارتقى إلى كرسي أنطاكية بعد هؤلاء أوتيميوس الأول، ثم توادوسيوس الخامس ثم أرسانيوس ثم كيرللس الثاني ثم ديوانيسيوس الأول، ثم كيرلس الثالث ثم ديوانيسيوس الثاني ثم صفرونيوس … ومما يبعث على العجب أن مؤلف الجدول الواتيكاني لم يذكر هؤلاء البطاركة الثمانية الأخيرين مع أن علماء يركن إلى درايتهم حققوا تعاقبهم على الكرسي الأنطاكي، ومن هؤلاء العلماء نيكوفور كاليستوس لا نعلم تفصيلًا متى قام هؤلاء البطاركة ولا متى توفوا، وكان بطاركة أنطاكية على الموارنة في هذا القرن دانيال من شامات، وخلفه سمعان وكان بطريركًا سنة ١٢٤٥، بل ربما كان هو البطريرك الذي كتب إليه البابا إسكندر الرابع رسالة يوصيه بالإفرنج بعد طردهم من أنطاكية، وخلفه يعقوب وكان سنة ١٢٧٧، وخلفه دانيال الثاني من حدشيت، وكان في سنة ١٢٨١، ثم خلفه لوقا من بنهران سنة ١٢٨٣، وخلفه في سنة ١٢٩٠ جبرائيل من حجولا ومات شهيدًا في أطرابلس سنة ١٢٩٧، وخلفه سمعان واستمر على البطريركية إلى سنة ١٣٣٩.

أما كرسي أورشليم فيظهر أنه بعد وفاة توافان في أوائل القرن الثالث عشر لم يقم عليه بطريرك إلا في نحو سنة ١٢٦٠، إذ قام عليه غريغوريوس الثاني في أيام الملك ميخائيل باليولوغوس الذي ملك سنة ١٢٦٠، وله كتاب رد به زعم رأي يوحنا بكخوس الذي كان يدافع عن تعليم الكنيسة الغربية واللاتين، وبعد وفاة غريغوريوس صير باسيليوس الثالث وقُتل في إحدى مواقع الحرب بين المسلمين والإفرنج، فصير بعده تادي الفرمي وله كتاب في الرد على اليهود كتبه سنة ١٢٩٨، وهذا الكتاب محفوظ في المكتبة الملكية ببريس.

وكان في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بطاركة على أنطاكية وأورشليم من اللاتين لم يسع هذا الموجز الكلام فيهم.

(٢) في المشاهير الدينيين في القرن الثالث عشر

أشهر المشاهير بالمشرق في هذا القرن غريغوريوس بن العبري المعروف بأبي الفرج، ولد بملطية ببلاد الأرمن سنة ١٢٢٧، ورحل به أبوه إلى أنطاكية سنة ١٢٣٤، وبرع باللغات السريانية والعربية واليونانية، وعكف على دراسة الطب عند أبيه الذي كان طبيبًا، ثم استأذن أباه بهجر العالم، وانقطع إلى النسك بمغارة جبل أنطاكية فأقام على ذلك سنة، ثم خرج إلى أطرابلس فدرس العلوم الأدبية والرياضية على رجل اسمه يعقوب من علماء النساطرة، وتعارف هناك بصليبا بن يعقوب من ملته، ثم استقدمهما أغناتيوس سابا بطريرك اليعاقبة، فرقاهما إلى الأسقفية، صليبًا على عكا، وابن العبري على جوباس، ثم نقله إلى أسقفية لاقابين من أعمال ملطية، واستمر في هذه الأسقفية خمس سنوات، ومات البطريرك أغناطيوس سابا سنة ١٢٥١، فكان خلاف في الملة اليعقوبية إلى سنة ١٢٦٣، وكان لهم بطريركان ديوانيسيوس عنجور ويوحنا بن المعدني، فأرسل ديوانيسيوس ابن العبري إلى حلب وأقام فيها ابن المعدني متى الجومي، فلجأ ابن العبري إلى الحكومة فاستبد بمطرانية حلب، ولما قام أغناتيوس الثالث بطريركًا على اليعاقبة رقي ابن العبري سنة ١٢٦٤ إلى مقام مفريان بمعنى الأسقف العام، أو كبير الأساقفة إلى أن توفي سنة ١٢٨٦.

وعدد أخوه برصوما مؤلفاته، فكانت واحدًا وثلاثين مؤلفًا وقال السمعاني: إنه فات برصوما أن يذكر لأخيه ثلاثة كتب، ومن هذه الكتب كتابه كنز الأسرار مشتملًا على تفسير الأسرار المقدسة، وكتابه منارة الأقداس في اللاهوت، وكتاب الأشعة في اللاهوت أيضًا، وكتابه الهدايات جمع فيه القوانين البيعية، وكتابه في الآداب وتهذيب الأخلاق، وكتابه في التاريخ بدأ فيه من خلق العالم إلى أيامه مقسومًا إلى ثلاثة أقسام: الأول في تاريخ الآباء والملوك من الكلدان والفراعنة واليونان والرومان، ثم خلفاء المسلمين إلى أيامه، وهذا القسم ترجمه المؤلف نفسه إلى العربية، وسماه مختصر تاريخ الدول وزاد عليه زيادة هامة واختصره، والقسم الثاني في تاريخ بطاركة أنطاكية واليعاقبة، والثالث في تاريخ الجثالقة والمفريانات، وله في الفلسفة كتابه الموسوم بزبدة الحكمة وكتاب في النفس البشرية، وله ترجمة كتابين في الفلسفة: أحدهما لابن سينا والثاني لأثير الدين الأبهري، وله في الرياضيات حل كتاب إقليدس، وفي الفلك كتاب ارتفاع العقل، وله في اللغة السريانية كتاب الصمحي أي: كتاب الأشعة أو اللمع وكتاب مقتطف عنه في نحو هذه اللغة منظوم بالشعر، وله قصيدة تزيد على ستمائة بيت جمع بها الألفاظ السريانية المتشابهة، وله ديوان شعر بالسريانية طبع برومة سنة ١٨٧٧ إلى غير ذلك من مؤلفات هذا النابغة النادرة.

وكان في هذا القرن بمصر أبو إسحق بن العسال، وهو يعقوبي المذهب اشتهر بعلمه شهرة كبرى حتى كناه النصارى أبا الفضائل، وله كتاب جمع فيه قوانين الكنيسة، وكتاب آخر في تفسير الأسفار المقدسة عنونه مجموع أسس الدين ورد فيه على الوثنيين واليهود، وزيف أقوال الفلاسفة غير المسيحيين، وأثبت بأدلةٍ جلية سري التثليث والتجسد وسائر أسرار الدين المسيحي، وتوفي بعد سنة ١٢٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤