اليوم الثالث والعشرون (السبت ٥ مايو سنة ١٩٠٠)

هذا اليوم قضيته في جمع معلومات إجمالية عن المعرض، وهي لازمة لمن يريد — وهو بعيد — أن تنجلي أمام بصيرته، هذه المظاهر الأنيقة، وهذا النظام البديع.

المعرض يشغل مساحة عظيمة قدرها ١٠٨ هيكتارات أي ١٠٨٠٠٠٠ مترًا مربعًا١ منها ٤٦٠٠٠٠ مترًا مربعًا أقيمت عليها المباني الفاخرة، والعمائر المتناهية في الجمال.
عدد أبوابه ٤٥، وأكبرها البوابة الأثرية الفخيمة (Porte Monumentale) الموجودة بقرب ميدان الائتلاف (Place de la Concorde). وقد وصفت هذا الميدان في رسائل «السفر إلى المؤتمر»، وسأصف هذا الباب الفخيم فيما يلي بالتفصيل الكافي، مع وضع رسومه الباهية الباهرة ومناراته الشائقة الشاهقة، حتى يتخيّله القراء كما أراه، في أجلى مظاهره، وأبدع مشاهده.

بداخل المعرض زيادة عن ١٥ مطعمًا (لوكاندة) كبيرًا، غير القهاوي والبارات ودكاكين المشروبات، فإنها لا تكاد تحصى، وفيها يتناول الإنسان بعض المأكولات، وذلك خلاف الكشكات الكثيرة التي في قسم المواد الغذائية حيث يباع النبيذ والجعة وشراب التفاح.

وفيه عدد عظيم من المصارف (البنوكة): منها مما هو في بعض الأقسام الأجنبية، ومنها هو مقام في كشكات جميلة حول برج إيفل، وكلها تشتغل بكافة العمليات المالية.

وقد أقاموا فيه كثيرًا من المستشفيات الوقتية؛ للقيام بلوازم الخدمة الطبية المستعجلة، خلاف محال الإسعاف الموجودة بقره قولات البوليس.

أما نظام الضبط والربط، فيقوم به جنود متنوعة هذا بيانها:
  • أولًا: ٣٠٠ فارس حول الأبواب، ٥٠٠ داخل حومة المعرض (من الحرس الجمهوري).
  • ثانيًا: ٦٠ مفتشًا من الضباط انتدبتهم مصلحة الضبط والربط لهذا الغرض.
  • ثالثًا: ١٢٠٠ حارس في الأقسام المتنوعة، تحت أوامر المفتشين المذكورين.
  • رابعًا: ١٢ فرقة من جنود المستحفظين تحت رئاسة ٥٠ أونباشي فوقهم ٤ من المفتشين.

والكل تحت أوامر ٤ من ضباط الأمن العام.

وزيادة على ذلك توجد علامات (سمافورات) موضوعة على أبعاد معلومة؛ لاستخدامها في إخطار رجال الحفظ ورؤساء الأمن العام، بأية حادثة أو حريقة تحصل من غير أدنى تأخير؛ ولتنبيههم أيضًا على شدة الازدحام في بعض الجهات والطرقات، حتى يتخذوا الاحتياطات اللازمة؛ لتسهيل المرور، ومنع الحوادث والأخطار.

وفوق هذا كله، قد وضعوا في داخل حومة المعرض وحوله رجالًا من العسس يركبون الدراجات. فيدورون بالليل بصفة «طوف»، ويسارعون إلى طلب النجدة والمعونة عند الحاجة.

وبما أن المعرض قائم على حافتي نهر السين، فلملافاة الأخطار التي ربما تحدث في النهر، جعلوا فرقة من جنود السباحة مخصّصة؛ لخفر الماء، ومراقبة الحوادث فيه، ولهم لباس خفيف بشكل ممتاز؛ فيسارعون لإنقاذ الغرقى عند أقل إشارة.
  • الكمرك والدخول في المعرض: اعتبروا المعرض كمينًا حرة لا تجري فيها أحكام الرسوم، وذلك لتسهيل الورود إليه وزيادة الإقبال عليه. ولكن إذا خرجت البضاعة منه، وجب على صاحبها «المشتري» دفع الرسوم كما هي مقررة في الاتفاقيات الكمركية بين فرنسا والدولة التي خرجت البضاعة من معرضها.
  • البوسطة والتلغراف والتلفون: يوجد في حومة المعرض وملحقاته، تسعة مكاتب مستوفاة، تتعاطى كافة أعمال البريد والتلغراف والتلفون. ولكن الأمريكان أرادوا أن يمتازوا في كل شيء بكل شيء، فجعلوا الإذن بإدارة أعمال البريد في قسمهم بواسطة عمال من بني وطنهم، لزيادة التسهيل في أعمالهم. ولكن إدارة المكتب على حساب مصلحة البوسطة الفرنساوية. وخلاف ذلك يوجد في المعرض ٧٦ علبة توضع فيها الرسائل والمكاتبات، ويأتي سعاة البوسطة في ساعات معينة لنقلها.

    أما التلغراف: فله مكتب واحد في الدور الثالث من برج إيفل، وفي كل دور من أدوار هذا البرج توجد غرفة تلفونية مخصصة لخدمة الجمهور. ويوجد في مساحة المعرض ٥٦ غرفة تلفونية، لا ينقطع الزحام منها؛ لكثرة المخابرة بها في نفس المعرض أو بينه وبين پاريس، أو بينه وبين العواصم الكبرى المرتبطة بأسلاك التلفون بعاصمة فرنسا.

  • وسائط الانتقال بداخل المعرض: سقائل متحركة، يبلغ عددها ٢٨ والرصيف المتحرك، والسكة الحديدية الكهربائية التي يسير القطار عليها مرة واحدة في كل دقيقتين، وسنشرحها بالتفصيل عند استخدامنا لها.
١  لكي يقف القارئ على جسامة المعرض الحالي أُورِدُ له مسطحات المعارض السابقة في پاريس ليتمكن من المقارنة.
  • سنة ١٨٥٥: ١٦٨٠٠٠ متر مربع منها ١٣٠٠٠٠ مشغولة بالمباني.

  • سنة ١٨٧٦: ٦٨٧٠٠٠ متر مربع منها ١٦٦٠٠٠ مشغولة بالمباني.

  • سنة ١٨٧٨: ٧٥٠٠٠٠ متر مربع منها ٢٨٠٠٠٠ مشغولة بالمباني.

  • سنة ١٨٨٩: ٩٦٠٠٠٠ متر مربع منها ٢٩٠٠٠٠ مشغولة بالمباني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤