اليوم الخامس والعشرون (الثلاثاء ٢٢ مايو سنة ١٩٠٠)

أردت أن أنظر عموم المعرض في هذا اليوم من جهة أخرى، فدخلت باب الشانزليزي، فرأيت منظرًا بديعًا جديدًا، يوجب على الكاتب الإقرار بالعجز، يجعل المنشئ ينثني عن الوصف، فلهذه الأسباب حكمت المخيِّلة على اليَرَاع بالإمساك في هذا المجال، والعدل عن المجرى في هذا الميدان — الآن — فقابلت القضا بالرضا، ولكنني أردت أن لا يفوت القراء بعض ما نالني من الإعجاب، فها أنا أتحفهم في الصحيفة التالية، بصورة تمثل لهم على قدر الإمكان، بعض ما رأيته بالعيان، وهو والحق يقال: فوق الوصف والبيان.

ثم تمشيت حتى وصلتُ إلى قنطرة إسكندر الثالث، وهي آية (من) آيات البناء في الإبداع والإعجاز، وقد وقفت عليها أتأمل في عجائبها وغرائبها، وصروحها المتطالة، وبروجها المتعالية، وما ازدانت به من الأنصاب والنقوش، وكان منتهى عجبي عقدها الوحيد الفريد: فإنها قائمة على عين (بوابة) واحدة تدل على اقتدار الصانع ومهارته في جرأته، وقفت في وسط القنطرة متوجهًا نحو الغرب، فرأيت على جانبي النهر عجائب وغرائب لا تدخل تحت حصر.
figure
منظر عموم المعرض أمام الواقف في شارع نقولا الثاني مأخوذًا من باب الشانزليزي.

منظر عموم المعرض أمام الواقف في شارع نقولا الثاني (مأخوذًا من باب الشانزليزي)

  • الصف الأول: القصر الكبير (على اليمين) القصر الصغير (على اليسار) شارع نقولا الثاني. البساتين.
  • الصف الثاني: أي بين القصرين: صروح قنطرة إسكندر الثالث، منظر إجمالي لساحة الأنواليد.

فعن اليسار: قصور الدول الأجنبية بارزة رؤوسها في الفضاء وتكاد تتواصل مع السماء، بأبدع شكل وأجمل مثال، وقد أطلقوا على هذه الجهة اسمًا ينطبق عليها تمام الانطباق، وهو: «شارع الأمم» إذ تتوالى فيه القصور التي يقصر عنها الوصف ويحار فيها الطرف، فهذه الجهة فريدة في بابها؛ بل هي كجوهرة تتألق بالأنوار في وسط هذا المعرض الذي كله جمال في جمال. نعم، فهذا الشارع قد امتاز بغرابة المباني المتعددة الأشكال، المتنوعة الأصناف، مما انفردت به كل أمة من الأمم الراقية في معراج الحضارة، البالغة من المدنية أعلى مقام، وهي تتقاطر وراء بعضها على هذا الترتيب: إيطاليا، الدولة العليّة، الولايات المتحدة بأمريكا، أوستريا (النمسا)، البوسنة والهرسك، هنكاريا (المجر) بريطانيا العظمى، بلجيكا، النرويج، ألمانيا، أسبانيا، موناكو، السويد، اليونان، الصرب.

وخلف هذه القصور صفّ آخر فيه عمائر أقامتها بقية الأمم المشتركة في المعرض، وهي: الدانيميرك، البرتقال، الپيرو (بأمريكا)، إيران، لوكسمبرج، فينلندة (بالروسيا)، بلغاريا، رومانيا.

وعن اليمين: معرض الأزهار والأشجار (أمام القنطرة وخلفها، أي أنه يمتدّ على شاطئ النهر من ابتداء البوابة الأثرية حتى ينتهي أمام آخر نقطة من شارع الأمم)، ثم معرض مدينة پاريس، ثم شارع السرور والابتهاج، وهو يحتوي على ملاهٍ متنوعة متعددة مثل: دار المغاني، المطعم النمساوي الشيكي، دار القهقهة، الصور الحية، القط الأسود، الرولوت وغيرها من الملاهي الپارسية، وينتهي هذا الشارع بقصر الاقتصاد الاجتماعي والمؤتمرات الدولية، فانظر كيف جمع بين الجد والهزل.

ثم وقفت في وسط القنطرة، وأرسلت الطرف إلى جهة الجنوب فرأيت ساحة الأنواليد (Esplanade des Invalides) وقد تقاطرت فيها المباني الأنيقة ذات اليمين وذات اليسار؛ فالتي على اليسار خاصة بفرنسا، والتي على اليمين خاصة بالدول الأخرى.

وهي مخصصة لكافة المعروضات المتعلقة بالأثاث، وسائر الطرائف التي تؤدي إلى زخرفة العمائر والمساكن في الداخل والخارج، وفيه معروضات الصياغة والجواهر وكل ما يدخل تحت هذا القبيل، والدول المشتركة في هذا النوع من المعروضات هي: اليابان، والنمسا، والمجر، والدانميرك، وإيطاليا، وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة بأمريكا، وألمانيا والروسيا، والبلجيكا.

وفي نهاية المنظر قبة الأنواليد الشاهقة تتجلَّى على هذا القسم بجمالها الرائع وإتقانها المتناهي، وهذه صورة تمثل هذا المنظر على قدر الإمكان، ولكن شتان شتان! بين الحقيقة والتصوير.
figure
منظر عموم ساحة الأنواليد.
figure
منظر عموم المعرض في ميدان دومارس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤