الرصيف المتحرك والقطار الكهربائي

بالنسبة لاتساع المعرض وجسامة مساحته، قد افتكر القائمون بتنظيمه في الطرق التي تسهل بها المواصلات بين أجزائه وأطرافه، فمن ذلك القناطر والمماشي على نهر السين، والقناطر والمماشي المعلقة في الهواء فوق الشوارع المعتادة، والكراسيّ المتحركة في نفس حومة المعرض تسير بالمُقْعدِين من الزائرين، أو الذين يضنيهم التعب من الرجال والنساء أو الذين بهم عاهة من الأمراض أو زمانة من الزمان. ثم السلالم الصاعدة بقوة الكهرباء من الأدوار الأرضية إلى الطبقات العليا في قصور المعرض، فأما العجلات والعربات والدرَّاجات فاستعمالها ممنوع على وجه الإطلاق. ولكن أهم وسائط الانتقال العمومية في المعرض: الرصيف المتحرك والقطار الكهربائي.
figure
صورة القصر الصغير وفيه خلاصة المتاحف وأنفس الذخائر وقد وصفناه في الجزء الماضي.

فأما الرصيف المتحرك

فلا أدري من ذا الذي قال من علماء الإفرنج ولعله بسكال: «إن الأنهار طرق سيارة.» ولكننا قد رأينا الآن في هذا المعرض طريقًا سيارًا ليس من الماء في شيء؛ بل كله من الأخشاب يتحرك بقوة الكهرباء. وقبل أن أصف تأثُّري من هذا الطريق الغريب، لا بد للقارئ من بعض البيان والتفصيل.

في الحافة القبلية من المعرض، يرى الإنسان سواري وأساطين من الأخشاب يبلغ عددها ٢٦٨ قائمة بجانب بعضها ومرتبطة ببوائك (لا بواكي) من الحديد والفولاذ ترتفع عن سطح الأرض ٧ أمتار، ويتألف منها شكل رباعي زواياه منحنية، ويبلغ امتداده ٣٣٧٠ أمتار، وفوق هذا البوائك، رصيف تسمع له جعجة كأنك بالقرب من طاحون هائل يصدق عنده المثل القائل: أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا. وهذا الرصيف يتحرك في اتجاه واحد بلا انقطاع من الصباح إلى المساء: فهو حينئذٍ كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. والكهرباء ترسل قوتها العجيبة إلى أضراسٍ تتداخل مع بَكَرَات وعجلات موضوعة تحت الرصيف، كما هو الشأن في أضراس الساعة.

وعلى مناسبة ذكر الساعة أقول لك أيها القارئ العزيز: إن الرصيف يدور في اتجاه يعاكس سير عقارب الساعة أعني من اليسار إلى اليمين. فتنتقل الحركة من الأضراس إلى البكرات فتدفع عرقًا من الخشب مرتبطًا بالرصيف، فيسير الرصيف إلى الإمام على الدوام.

وهذا الرصيف يتألف من ثلاثة شرائط متوازية: أولها: ثابت، وعرضه ١٫١٠ متر، ويبتدئ بحاجز ثابت منيع. وثانيها: له حركة خفيفة، وعرضه ١٫٩٠ سنتيمتر. وثالثها: سريع السير، وعرضه متران، وينتهي بحاجز حصين يتحرك معه.

ولكي يتمثل هذا الرصيف في نفس القارئ أرجوه أن يتصور شريط التلغراف أثناء نقله للمراسلات البرقية، وانتشاره بقوة الميكانيكا من البكرة المطوي عليها. أو يتصور ذلك الشريط اللامتناهي الذي يخرجه «الحاوي» من فيه في الموالد والأسواق. أو يتصور سواقيَ (نواعير) كثيرة مصفوفة لا بالطريقة الرأسية المعتادة في المزارع والبساتين، بل أفقية موضوعة بجانب بعضها على شكل دائرة كبيرة يحيط بها «تونس» أو «طونس» عظيم فيه القواديس. أو يتصور عجلة ملقاة على الأرض وتدور على محاور متعددة … بل فليقرب من الحقيقة ويتصور قطارًا من قطارات السكة الحديدية مقلوبًا وثابتًا، أي إن ظهره موضوع على الأرض، وعجلات العربات هي التي تدور وحدها بسرعة مستديمة ومنتظمة، وفوقها شريط السكة الحديدية متعشّق فيها بأضراس: فهو الذي ينتقل بالحركة الآتية إليه من سير العجلات، فتنعكس القضية حينئذ (كما هو الواقع في الرصيف المتحرك)، ويكون القطار ثابتًا، والقضبان متحركة بالسقف المركب عليها من الخشب، وتنتقل بالناس من غير أن تقف في المحطات. وهذا السقف مؤلف من قطع عديدة متداخلة متعاشقة في بعضها، ومرتبطة بمفاصل كثيرة بحيث لا تفترق عن بعضها، وبحيث يسهل عليها الالتواء في الزوايا والمنحنيات.

وهذا القطار مزدوج، نصفه يسير بسرعة خفيفة جدًّا تجعل الطفل الصغير والشيخ الفاني يتمكنان بغاية السهولة من الوثوب عليه، بل من الانتقال إليه من الرصيف الثابت المعتاد. وذلك الانتقال أيسر من ركوب الإنسان في عربة الترامواي الكهربائي حينما تبتدي في حركتها بغاية البطء. ومع ذلك فقد وضعوا فيه أعمدة قصيرة من الخشب، على رأس كل واحد منها كرة حمراء يستعين الخائفون بها فتمتنع عنهم الكلفة في الركوب، وتزول المشقة على الإطلاق. وكذلك الحال في النزول بالتمام، وهذا الرصيف يسير ببطء زائد كالقطار «القشاش».

وأما النصف الثاني: فهو ملاصق له، وفيه أعمدة أخرى مثله، ويسير بسرعة مضاعفة كأنه «الإكسپريس» يستخدمه المستعجلون. والرصيف الأول يجري بسرعة ٤ كيلو مترات في الساعة، والثاني يقطع في سيره ٨ كيلو مترات في الساعة. وبهذه المثابة ينتقل الإنسان من الثابت إلى «القشاش» إلى «الإكسپريس» على معدلٍ واحدٍ من السرعة. فإنه في الحالة الأولى يكون بنسبة صفر إلى أربعة، وفي الحالة الثانية بنسبة ٤ إلى ٨ فلا يشعر الإنسان بأدنى مشقة في الحالتين. وحينئذ فمتى كان على الرصيف المتحرك الأول فأيسر ما يكون انتقاله إلى الرصيف الثاني، كما انتقل من الرصيف الثابت إلى الرصيف الذي يسير بقوة ٤ كيلو مترات.

وفي أقل من لمح البصر ينتقل الإنسان من الرصيف الثابت إلى الأول فالثاني، فيجد نفسه في قطار يجري به بسرعة ٨ كيلو مترات. وفائدة هذا القطار المتواصل المتوالي (لأنه قطار حقيقي) أنه لا يقف في «المحطات»، ولا يرسل الشّرار ولا قمامات الفحم إلى عيون الراكبين. فيتسنَّى لهم التمتع باستنشاق الهواء ورؤْية ما حولهم من المناظر التي تمتدّ على بعد ٣ كيلومترات. حتى إذا راقهم أحدها انتقلوا بالتدريج أو بوثبة واحدة إلى الرصيف الثابت. ولبثوا ما شاؤوا في مكانهم، أو تطيب لهم موالاة السير مع أحد الرصيفين المتحركين.

أما السرُّ في مسير الرصيفين بحركتين مختلفتين مع أن القوة الكهربائية واحدة فيها، فهو مثل حركة عقربي الساعة اللذين يدوران بقوة ميكانيكية واحدة، وأحدهما يقطع محيط الساعة في ساعة واحدة ويدل على الدقائق، والثاني: يقطعها في ١٢ ساعة ويدل على الساعات. ولزيادة الإيضاح أقول: إن كلًّا من الرصيفين مركَّب على عجلات صغيرة متوالية تجري على قضيبين متوازيين من الحديد، مثل التي تجري عليها «الوابورات». وهذان القضيبان مركَّبان — كما ذكرنا — على السواري والعمدان. وفي بعض هذه العمدان يظهر تأثير الكهرباء فينتقل إلى البكرات الموضوعة تحت الرصيفين فيتحركان كما يدور الحبل على بكرة البئر. ودائرة البكرات التي تحت الرصيف الأول تعادل ضعف التي يتحرك بها الرصيف الثاني، ولذلك تكون حركته ضعف حركة الرصيف الأول بالتمام.

وقد حسبوا عدد الذين يمكن انتقالهم بهذا الرصيف، وهذا بيانه على وجه التقريب:

إذا فرضنا أن الرصيف البطيء الحركة لا يُستخدم إلا لانتقال الناس إلى السريع الذي يبلغ عرضه مترين في طول ٣٣٧٠ مترًا فيكون مسطحه وحده عبارة عن ٦٧٠٠ متر مربع، ومن المقرر على وجه العموم أن المتر المربع الواحد يسع ٤ أشخاص واقفين بجانب بعضهم بتمام الراحة. فإذا فرضنا أن المتر الواحد يقف فيه شخصان فقط؛ فحينئذ يسع الرصيف السريع ٦٧٠٠ × ٢ = ١٣٤٠٠ شخص في آن واحد. وحيث إنه يُتم دورته في ٢٥ دقيقة وهو يشتغل مدة ١٥ ساعة، فهو ينقل في اليوم الواحد ١٣٤٠٠ × ٣٦ أي ٤٨٢٠٠٠، فإذا تحقق ذلك فلا ينتهي المعرض حتى يكون الرصيف السريع قد نقل من الخلائق ٤٨٢٠٠٠ × ٢٠٠ أي أكثر من ستة وتسعين مليونًا من خلق الله.

ويبلغ ثقل الفولاذ المستعمل في البوائك ١٥٠٠ طونولاطة، ووزن الأحبال النحاسية الكهربائية ٥٠٠٠٠ كيلو جرام. وهنالك ١٧٣ محركًا كهربائيًّا لتوليد الحركة في هذا الشريط الطويل.
figure
الرصيف المتحرك.

شرح الصورة:

  • أول سطر: صورة قمم الأساطين والبوائك.
  • ثاني سطر: الرصيف السريع الحركة بدرابزون، وفيه رجل ثم آخر وزوجته ثم رجل ثالث.
  • ثالث سطر: الرصيف البطيء، وفيه امرأة ثم رجل آخر يتلوه ثالث في حالة الانتقال للرصيف السريع.
  • رابع سطر: الرصيف الثابت، وعليه ثلاثة رجال، ثم رابعهم وهو يحاول الانتقال إلى الرصيف البطيء، ثم امرأة تجتهد أيضًا في الركوب على الرصيف الأول.

وخلف ذلك كله المحطة بقبابها العالية، وفيها مصباحان كهربائيان، وخلفها الأشجار وراءها منارة قصر السويد.

•••

للرصيف المتحرك تسع محطات، فاخترت إحداها وصعدت على السلم بعد أن دفعت الأجرة، وقدرها نصف فرنك أي ٢٠ مليمًا. فدخلت المحطة، وهي عبارة عن تجويف واسع في الرصيف الثابت، ووقفت أتأمل في حركة الرصيفين وفي مسيرهما بالناس، ثم تقدّمتُ إلى الرصيف «القشاش» ووضعت يدي على كرة حمراء فوق أحد العمدان الثابتة على الرصيف المتحرك بحركة خفيفة، ثم تعوذت من الشيطان، وذكرت الاسم الأعظم، ووضعت قدمي اليسرى على الشريط ورفعت الأخرى في الهواء فوجدتني محمولًا على ظهر الرصيف. فكأنني (بلا تشبيه ولا تلميح) سليمان فوق بساط الريح. وإذ لم أشعر بمشقة ولا ارتجاج، انتقلت إلى «الإكسپريس» فأحسست بالتدريج اللطيف في الانتقال من ٠ إلى ٤ ومن ٤ إلى ٨. ولكنني داخلني الغرور (خصوصًا بعد التشبه بالذي سخرت له الرياح، وخضعت له الجان والأرواح) فأردت أن أضاعف السرعة أيضًا، فصرت أمشي خببًا على الشريط، وهو يوالي سرعته بانتظام. فكنت كالسائر فوق عربة الوابور أو على سطح الباخرة أثناء سيرهما الشديد،١ فتضاعفت قوة مسيري مضاعفة غريبة حتى أصبحت (ولا فخر) من «أهل الخطوة»، فغبطت نفسي على هذه الحظوة. وتذكرت قول شاعر العرب:
ملك الملوك إذا وهبْ
لا تسألنَّ عن السببْ

ولما تحققت أنني أضحيت من الذين لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ سرت مسرعًا على الشريط السريع في عكس اتجاهه؛ لأنني (في هذه الحالة) أنفت السير من الشمال إلى اليمين، ولكنني كنت ثابتًا لا أتحرك من مكاني، فإنني كلما رفعت قدمًا سار بي الشريط، فإذا وضعته واتجهت إلى الأمام كان الشريط يعاندني ويتجه إلى الخلف، فبقيت معه في خلف مستديم: أنا أعدو إلى الأمام وهو يوالي سيره إلى الوراء بلا مبالاة بي، فكانت القوتان تتكافئان، والحركتان تتعادلان، والنتيجة أنني أبقى ثابتًا في مكاني؛ لأنه مستمر على الهروب من تحت أقدامي. فكنت حينئذ كالسرطان في البحر وفي النهر: يمشي دائمًا إلى الخلف، بل كنت كالنائم تولاه الكابوس وناله الفزع والفَرَق، من مثل الحرق أو الغرق. فهو يريد أن يسرع في العَدْو والنجاة وتخونه رجلاه، وتغدره قواه، فيبقى في مكانه ويزداد خوفًا واضطرابًا بمناسبة مضاعفة الخطر ودوام اقترابه: حتى يمنَّ الله عليه بالخلاص من شؤم هذه الرؤيا كما حصل لي حينما اعتدلت في اتجاه الشريط السريع.

ثم انتقلت إلى الخفيف الحركة فالثابت. وصرت حينئذ أخالف في الوثوب والانتقال من الواحد إلى الآخر، وكانت مناظر المعرض تتجلى منتشرة أمامي في أبهى حلاها. حتى إذا خرج بنا الرصيف عن جهة المعرض، رأيت نفسي محاذيًا للدور الأول من الدور والمساكن.

وحينئذ أشفقت على السكان فإنهم معرضون على الدوام، لنظرات الخاص والعام، والقريب والغريب من الملايين المتوافدين على المعرض من أقطاب الأرض وأقطارها. لا جرم أنهم لا يستطيعون إقفال النوافذ، ولا إبقاءَها مفتوحة؛ ففي الحالة الأولى: يكونون محرومين من الهواء؛ وفي الثانية: يكونون معرَّضين للأنظار، وخصوصًا لآلات الفوتوغراف، فإن أصحابها يتمكّنون بغاية السهولة من استراق حركاتهم وأحوالهم، وهم لا يشعرون. نعم، إن سكان تلك الدور يمكنهم أن يلبثوا في مكانهم، ويرون حينئذٍ أهل الأرض قاطبة بأزيائهم وألوانهم ولغاتهم، يمرون أمامهم كما تمر الجنود أمام الملوك أيام الاستعراض العام. ومن جهة أخرى بأخذ صورة هؤلاء المصورين؛ إذ ألهتْهُم صناعتهم عن حركة الرصيف، فوقعوا عليه مضطربين متخبلين في آلاتهم، ولكن لا بد للسكان من انتظار هذه الفرصة التي تختل فيها موازنة المصورين. وهيهات أن تقع وهيهات أن يقعوا! ولذلك انتقل كثير من سكان تلك الأدوار على نية الرجوع إليها بعد انتهاء المعرض.

أما أنا، فجلست على قهوة في الرصيف الثابت؛ ليكون لي حظ من مشاهدة الخلائق تمرُّ أمامي كما مررت أنا أمام غيري، فرأيتُهم يمرون سراعًا تباعًا، أفرادًا وأزواجًا، نساءً ورجالًا، كبارًا وأطفالًا: كأنهم أشباح مرسومة على ستارة خيال الظل. وكانت الناس تمر أمامي كأني أراهم في المنام أو كأنهم مسوقون بيد القدرة «نعم، القدرة الكهربائية» إلى يوم المحشر الأكبر، بل إلى حومة المعرض العام.

ومن أهم وأغرب ما رأيته موكب العروس فوق الرصيف المتحرك، وبيان ذلك:

إن القوم يتهافتون على هذا النوع من الانتقال، ولهم به ولوع وغرام، لا يكاد يخطر على البال. وهم يتفنَّنُون في ركوب الرصيف والمسير والرقص عليه بكيفيات تعادله في الغرابة.

ولكن الذي فاق الكل هو موكب العروس في جلوتها، فإنها ركبت بملابسها الناصعة البياض مع عريسها متَّشِحًا بالسواد وأهلهما وأصهارهما ومعازيمهما والمهندراية، وغيرهم من الأتباع ولوازمه «الزفة» والاحتفال. وأتم هذا الجمع الغريب اللطيف، الدورة مع الرصيف، وهم مصطفُّون عليه صفوفًا متوالية متقابلة. وأخذوا يتناولون الطعام، ويتعاطون المدام، ويتبادلون أقداح الراح، في حظٍّ وانشراح وغناء وهتاف، والناس بجانبهم وأمامهم وقبلهم وبعدهم، يضاعفون لهم ولأنفسهم موجبات الفرح والسرور، فهكذا وإلا فلا.

القطار الكهربائي

اعلم أن القطار الكهربائي يشابه عربات الترمواي في القاهرة. غير أنه يسير بسرعة عظيمة مستمرة؛ لأن طريقه محصورة وخاصة به، وهو لا يقف إلا في خمس محطات معينة فقط. وهنالك فارق آخر، وهو أن التيار الكهربائي لا يجيئه بأسلاك معلقة في الهواء، بحيث يجعل الشوارع أشبه بالأقفاص؛ بل هو يسير بموازاة القطار أو بين الشريطين متولدًا في شريط ثالث، يلامسه على الدوام جهاز حكاك بارز من العربة فيأخذ منه ما يلزمه من قوة الكهرباء. وهذا القطار يسير تارة بموازاة الرصيف المتحرك وتارة أسفل منه. ويكون في كثير من الأحيان تحته بالتمام، وسرعة هذا القطار أكثر من الترامواي الكهربائي بكثير:
  • أولًا: لشدة التيار وزيادة قوته.
  • وثانيًا: لأن طريقه خالٍ من العوائق الطارئة بسبب مرور الناس والعربات.
  • وثالثًا: لعدم اضطراره للوقوف لأجل النزول أو الركوب — اللهم إلا في المحطات المعينة.

ومعدل سرعته في الساعة الواحدة ١٧ كيلومترًا، وابتعاد الشريطين عن بعضهما متر واحد، ومن مميزاته أيضًا عدم وجود الآلة البخارية تضايق الراكبين بصفيرها وسعيرها، وهو يسير بعكس اتجاه الرصيف المتحرك، أي إنه يتبع في سيره حركة عقارب الساعة، أعني من اليمين إلى اليسار، وأُجرة الركوب فيه قرش صاغ واحد.

ويمكن أن تسير في الساعة الواحدة ٤٠ قطارًا تجري وراء بعضها كما هو حاصل في أيام الزحام، وخصوصًا الآحاد الأعياد، وطول هذا الخط الكهربائي ٣٢٦٥ مترًا. وعدد عرباته التي تتولد فيها الحركة ١٠ قوة الواحدة منها ٣٦ حصانًا. وعدد عرباته المعدة للقطر والإنجرارية ١٨ والعربة من النوع الأول تسع ٨٠ شخصًا، منهم ٤٦ قعودًا، والعربة من النوع الثاني تسع ٦٠ شخصًا، نصفهم وقوفًا، وكل قطار يتألف من ثلاث عربات، أولاها: تتولد فيها الحركة الكهربائية، فهو يسع حينئذ ٨٠ + ٦٠ + ٦٠ = ٢٠٠ راكب، وحينئذٍ فهذه السكة الكهربائية يمكنها أن تنقل في الساعة الواحدة في أيام الزحام ٨٠٠٠ شخص؛ لأنها تستعمل ٤٠ قطارًا تجري وراءَ بعضها، وحيث إن مدة مسير القطارات هي ١٥ ساعة في كل يوم فيمكنها أن تنقل في اليوم الواحد ١٢٠٠٠٠ شخص، فإذا صرفنا النظر عن ثلث هذا العدد، وضربنا الباقي في عدد أيام المعرض لكانت النتيجة هكذا:

٨٠٠٠٠ × ٢٠٠ = ١٦٠٠٠٠٠٠

أي أنه ينقل في مائتي يوم ستة عشر مليونًا من النفوس بالأقل.

واعلم أن الرصيف المتحرك والسكة الكهربائية هما لشركة واحدة رأس مالها ٤ ملايين من الفرنكات، والقريب من اليقين أنها ترجع بصفقة المغبون.

وقد ركبت هذا القطار فأخذني الدوار. وكنتُ حينما يمر بموازاة الرصيف المتحرك، أنظر إليه فأخاله ثابتًا، والناس عليه واقفون، وما ذلك إلا لشدة سرعة القطار بالنسبة لحركة الرصيف، وقد أتمّ دورته، وأوصلني إلى مكاني الأول في ١٢ دقيقة، بما في ذلك مدة الوقوف في المحطات.

١  سوى أن السير عليهما ينتهي، ويضطر الإنسان للنكوص على أعقابه، وأما السائر على الشريط المتحرك فلا ينتهي مداه؛ بل يمكنه الاستمرار إلى ما شاء الله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤