الفصل الرابع

تعيين بعض الحوادث الاجتماعية بالإحصاء

يستند مبدأ الجبرية، الذي يُسيطر على الفكر العلمي بالتدريج، إلى ثبات بعض الحوادث على الخصوص عندما تصبح جماعية.

وتُثبت الملاحظة في الحقيقة أن الأحوال الفردية إذا كان يتعذَّر البصر بها تنمُّ الأحوال الجماعية، كالمواليد والزواجات والوفيات، إلخ، على انتظامٍ عظيمٍ جدًّا.

ولم تلبث المناهج الإحصائية في الاقتصاد السياسي والاجتماعي أن صارت لها أهمية فائقة، ومن الصواب أن قيل: «إن السنن الاقتصادية الحقيقية وحدها هي التي أمضاها الإحصاء.» ولا تتم معرفة الوقائع مطلقًا من غير تحليلها العددي.

والوثائق الإحصائية تَظهر إذن بين أثمن ما يُمكن الانتفاع به لدراسة تطوُّر الأمة الاجتماعي، ولكن يجب أن تُوضع بعنايةٍ إذا أُريد اجتناب الخطأ الفظيع فيها، فما بيَّنه مسيو تارد مثلًا مقدار الوهم في نقص الجرائم الذي كان يُسفرُ عنه إحصاءٌ أدارته المصلحة زمنًا طويلًا، ومقدار ما حام حول هذا النقص الظاهر من تفاؤلٍ غير قائمٍ على أساس.

والحق أن الإحصاءات لا تكون نافعةً إلا إذا قامت على المقابلة وعرضت نسبة الحوادث المئوية.

ومبدأ النسبة المئوية هذا على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية، وإني بعد أن أدخلته سابقًا إلى الأنتربُولوجية استطعتُ أن أُبيِّن الفروق الدماغية العميقة الفاصلة بين مختلف العروق البشرية، هذه الفروق التي لم يستطِع منهاج المتوسطات أن يُقرِّره، وماذا كان يُرى حتى ذلك الحين بمقابلة ما بين حُجُوم الجماجم المتوسطة لدى مختلف العروق؟ كانت تُرى فروقٌ تافهة يمكن أن تحمل أكثر علماء التشريح على الاعتقاد — كما كان يُفرَض في الحقيقة — بأن وزن الدماغ واحدٌ في جميع العروق تقريبًا. فلما استعنتُ بمنحنياتٍ خاصة دالةٍ على النسبة المئوية الدقيقة لمختلف حجوم الجماجم، أمكنني بالتصرف في عددٍ عظيم من الجماجم أن أُبيِّن أن عدد الحجوم العليا تختلف — بالعكس — اختلافًا كبيرًا على حسب الأمم، فالعروق العليا تختلف عن العروق الدنيا اختلافًا جليًّا، لا لقيامه على المتوسطات، بل لأن الأولى تنطوي على عددٍ قليل من الأدمغة الكبيرة التي تُحرمها الثانية دائمًا.

وتظل الأدمغة الكبيرة غير مؤثرة في المتوسطة لنُدرتها، ولكنها تُمثِّل دورًا مهمًّا في حياة الأمة، ثم إن هذا البيان التشريحي يؤيد المبدأ النفسي القائل إن مستوى الأمة الذهني يمتاز — على الخصوص — بنسبة ما تشتمل عليه من أصحاب النفوس العالية.

إذن لا ينبغي أن يُنظر على انفرادٍ إلى العناصر التي تتألف منها المجتمعات للمقابلة بينها، بل إلى ما بين هذه العناصر من نسبةٍ مئوية، فمتوسطات الإحصائيين تظهر خادعةً في الغالب، وينشأ كثيرٌ من أغاليطنا في الحكم وما يعقبها من تعميمٍ عابر عن نقص في معرفة النسبة المئوية للعناصر الواقعة تحت الملاحظة.

أجل، تكون الوثائق الإحصائية ذات قيمةٍ بالغةٍ في دراسة التاريخ، ولكنه يتألف منها لسانٌ لا يسهل تفسيره دائمًا.

ويُمكن أن تُصبح هذه الوثائق — على الرغم من دقَّتها — منبع خطأٍ خَطِرٍ إذا ما جمعت أحوالًا كثيرة الاختلاف على أنها متشابهة.

والإحصاءات إذا ما عُرفت قراءتها تُزوِّد على العكس بدلائل صحيحةٍ عن حال الشعب الاجتماعية وعن أخلاقه واحتياجاته وقابليَّاته، إلخ، فضلًا عن الحوادث الاقتصادية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤