الفصل الثاني

مأساة الحسين

(١) العوامل لتحطيم العرش الأموي في الشام بعد وفاة معاوية

عزم معاوية بن أبي سفيان عزمًا أكيدًا طيلة أيامه على استئصال شأفة المعارضين للمركزية الأموية، فبذل الأموال وَوَهَبَ المناصب وجيَّش الجيوش ونظَّم فرق العيون والأرصاد والشرطة في طول البلاد وعرضها، وقطع ألسنة الناس والشعراء بكرمه وحلمه ودهائه، وبما صرفه من الجهود القوية في سبيل استرضاء الناس والتودد إليهم والتحبب إلى زعمائهم، فتوفَّقَ في البلوغ إلى غايته بعض التوفيق، إذ سكنَت الأحزاب إلى حكمه ورضخَتْ لعدله، لكن كان هنالك عوامل جمة تعمل في الخفاء لتحطيم عرش الأمويين في الشام بعد وفاة معاوية الأول:
  • فالعامل الأول: في عُرْفنا هو قيام الحزب العلوي برئاسة الحسين بن علي بن أبي طالب لاسترجاع ما فَقَدَهُ من السلطة في مؤتمر أذرح ونشاطه إلى ذلك نشاطًا عظيمًا.
  • وأما العامل الثاني: فهو طَمَع الزعماء من الصحابة إلى التغلب والسيطرة كعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب وغيرهما.
  • وأما العامل الثالث: فهو نفرة الحجازيين والعراقيين من الأمويين لاحتكارهم أعمال الدولة ومهامَّ الأمور فيها، فلم تكن للحجازي والعراقي يد فعَّالة في تسيير دفة الأحكام كما كان للشامي، ولا ريب أن انتقال العاصمة من المدينة إلى دمشق جَعَلَ زمام الأمور بطبيعة الحال تحت سيطرة النبلاء العرب الشاميين، ثم إن الْتجاء الزعماء الحجازيين إلى العراق وبثَّهم الدعوة ضد بني أمية حرَّك في صدور أبناء الرافدين أسباب الفتن التي أدَّت إلى المذابح الشائنة والحروب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد، ففتك الشامي بالعراقي وأَعْمَلَ العراقي السيف بالشامي، وإذا تتبَّعْنا مصدر هذه الفتن لتحقَّقْنا أن محرِّكها الأكبر هو استثمار الزعماء والأحزاب للعاطفات الدينية في سبيل الوصول إلى غاياتهم السياسية كما سيتبيَّن معنا.
  • وأما العامل الرابع: فهو قيام رجال من ولاة الأمويين الذين لجئوا إلى البطش وسياسة الدم والحديد، فنجحوا نجاحًا باهرًا في توطيد الأمن وتهدئة الثورات — مؤقتًا — ولكن لم يكد كابوسهم يرتفع عن الصدور حتى قذفت تلك الصدور نيرانًا وحممًا.

(٢) الحزب العلوي ومأساة الحسين بن علي

(٢-١) لعن يزيد

اعتلى عرش بني أمية في دمشق بعد وفاة معاوية أبو خالد يزيدُ بن معاوية، وكان ذلك سنة ستين للهجرة (٦٧٩م)، وهو شابٌّ يلعنه معظم المؤرخين، فيتعرضون له بالسب والشتيمة والتكفير، وهم — حسبما رأيت — فئتان: فئة تقيم عليه النكير، لأن في أيامه قُتِل الحسين بن علي سليل العترة النبوية وحفيد الشجرة الهاشمية، ولأنه أَمَرَ بغزو الكعبة حينما التجأ إليها ابن الزبير في ثورته المشهورة، فاجترأ على أكبر مؤسسة إسلامية يحجُّ إليها المسلمون، وفئة تصبُّ جام غضبها عليه لسوء سيرته الشخصية وتمتُّعه بملاذ الحياة الدنيا، فتقول: إنه تعاطى كئوس الراح ولبس الحرير ولاعَب الحيوانات الأليفة كالقردة، واستهوته أسباب المدنية البيزنطية فجدَّ في أثرها، وروى الشعر واسترسل في التشبيب والغزل:
  • أمَّا الفئة الأولى: فهي مخطئة في اعتقادنا؛ لأنها تُرْجع أسباب الحادثات إلى الملوك، وترى أنهم هم الذين يكوِّنون مجاري التاريخ، وما التاريخ إلا سلسلة حركات متصلة لا بدَّ أن تعمل عملها، سواء أكان يزيدُ مستوليًا على العرش أو غير يزيد، وسنفصِّل لك الأسباب التي دَعَتْ إلى مأساة الحسين تفصيلًا مُسْهَبًا يريك أن لكل حادث سببًا، وأن لكل سبب نتيجة هي مرهونة بأوقاتها، وأن اللعنة التي يلعنها المسلمون ليزيد هي ليست من الأهمية على شيء في نظر التاريخ العلمي الذي يستبصر بنور الحياد الصحيح ويترفع عن الحزبية وتعصباتها.
  • وأما الفئة الثانية: فليس لها أن تحكم على شاب رُبِّيَ في محيط شامي يختلف تمامَ الاختلاف عن المحيط الحجازي الذي عاش في كنفه الخلفاء الراشدون، فالمحيط الحجازي هو مركز الزهد والتقشف والتمسك برابطة الدين وتعاليمه، بينما دمشق هي عاصمة البيزنطيين الشامية وفيها من أسباب مدنيتها ما أَدْهَشَ العرب وجعلهم مع الزمن ينسجون على منوالها ويقتبسون فوائدها، ومما لا ريب فيه أن المؤرخين يرتكبون خطأً فاحشًا إذا جعلوا مقياس حكمهم على يزيد هو المقياس الذي يقيسون به أعمال عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة مثلًا، وإن لكل زمن مقياسًا، فلا يمكنك البتة أن تَحْكُم على ابن القرن الثاني وتزن أعماله بميزان ابن القرن الأول، ناهيك أيضًا باختلاف الأمكنة ومؤثراتها، فالشام هو غير الحجاز والحجاز هو غير العراق، وقِسْ على ذلك.

(٢-٢) وفاة معاوية، مراسم الدفن

أعلن الضحاك بن قيس الوزير الأول في الدولة الأموية إذ ذاك وفاةَ معاوية، فصَعِدَ منبر المسجد الجامع ومعه أكفان الخليفة الحليم وقال: «أيها الناس … إن معاوية بن أبي سفيان كان عبدًا من عباد الله، ملَّكه على عباده، فعاش بقَدَرٍ ومات بأجلٍ، وهذه أكفانه كما ترون، نحن مدرجوه فيها، ومُدْخِلوه قَبْره، ومُخَلُّون بينه وبين ربه، فمن أحبَّ منكم أن يشهد جنازته فليحضر بعد صلاة الظهر.»١
بمثل هذه الكلمات الموجَزة البليغة ودَّع الضحَّاك معاوية وواراه الناس في مرقده الأخير، ولدى البحث والتدقيق وَجَدْنا أن هذه الخطبة هي شبيهة كلَّ الشَّبَه برسالةٍ بَعَثَ بها يزيد الأول لدى تسنُّمه عرش الخلافة إلى الوليد بن عتبة والي المدينة يخبره بوفاة أبيه فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ يزيدَ أميرِ المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أمَّا بعد، فإن معاوية كان عبدًا من عباد الله، أَكْرَمَه الله واستخلفه وخوَّله ومكَّن له، فعاش بقَدَر ومات بأجل فرحمه الله، فقد عاش محمودًا ومات برًّا تقيًّا والسلام»،٢ مما يؤيد لنا أن الرسالتين صَدَرَتَا من دائرة مخصوصة في بلاط يزيد لها لون واحد وروح واحدة، ولعلها — ونحن هنا نتكهن — للضحَّاك نفسه.

(٢-٣) يزيد الشديد

يتأكَّد طالب التاريخ لدى دراسته أحوال يزيد أنه كان يميل إلى الشدة في تثبيت دعائم ملكه، فلم يَتَوَانَ ولم يكسل ولم يغضَّ النظر عن الزعماء الذين أرادوا الوثوب به والتنكيل بحزبه، فأرسل إلى الولاة في الأطراف يطلب منهم البيعة له دون إبطاء ولا مماطلة، يثبت لنا رأيَنا هذا رسالتُه إلى الوليد بن عتبة حاكم المدينة، فهو يأمره بها أن لا يتساهل البتة مع الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وأن يكون لهم بالمرصاد إذا أرادوا العصيان والثورة.

ويروي لنا الطبري نص الرسالة كما يأتي: «… أمَّا بعد، فخُذْ حُسَينًا وعبدَ الله بْنَ عمر وعبد الله بن الزبير أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام»،٣ وكان هؤلاء النفر قد أَبَوْا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وأنه ولي عهده من بعده، ورأى مروانُ بن الحكم رأيَ يزيد في الشدة والحزم حتى لا يَطْمَع طامع في بني أمية، فأشار على الوليد بن عتبة في المدينة قائلًا: «أرى أن تبعث إلى هؤلاء … فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قَبِلْتَ منهم وكَفَفْتَ عنهم، وإن أَبَوْا قدَّمْتَهُم فضُرِبَتْ أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن عَلِمُوا بموت معاوية وَثَبَ كل امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابَذة ودعا إلى نفسه … أمَّا ابن عمر فإني لا أراه يرى القتال ولا يحب أن يُولَّى على الناس إلا أن يُدفَع إليه هذا الأمرُ عفوًا.»٤
وقد أكَّد مروان ابن الحكم للوليد بن عتبة ضرورة استعمال الشدة مع الزعماء الذين لا يُظْهِرون بيعتهم علنًا، حتى إنه دعاه إلى الفتك بالحسين حينما أبى مبايعة يزيد، وأجاب «… فإن مثلي لا يعطي بيعته سرًّا، ولا أراك تجتزئ بها مني سرًّا دون أن تُظْهِرها على رءوس الناس علانية … فإذا خَرَجْتَ إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دَعَوْتَنا مع الناس فكان أمرًا واحدًا …»٥ وعدَّ مروانُ بن الحكم هذا الجوابَ دليلًا على المماطَلة والتبرم من الخضوع والاعتراف لبني أمية بالخلافة، لا سيما وأن الحسين لم يأتِ دار الإمارة في المدينة إلا ومعه مواليه وأهل بيته، ويروي لنا الطبري أنه قال لأصحابه لما انتهى إلى باب الوليد: «إني داخلٌ، فإن دَعَوْتُكم أو سَمِعْتُم صوْتَه قد علا فاقتحموا علي بأجمَعِكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم»،٦ وهذا يبرهن لن جليًّا أن حبل الثقة كان قد انقطع بين الطرفين.
وتنصُّ التصريحات التي أدلى بها الجانبان نصًّا صريحًا على أن الفتنة آتية لا ريب فيها، وأن كلًّا من الحزبين قد أَخَذَ يعدُّ عُدَّته ليناجِزَ صاحبه الوقيعة، وأن الكلمة النهائية هي ليست للمفاوَضات بل للسيف، ولما جَبُنَ الوليدُ أمام الحسين ولم يُجْبِرْه على البيعة وترك أمامه السبل آمنةً مطمئنة قال له مروان قَوْلَه المشهور: «والله لئن فارقك الساعة ولم يُبَايِع لا قَدَرْتَ منه على مثلها أبدًا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايِع أو تُضْرَب عنقه»،٧ وكان ضَعْف الوليد في عُرْف يزيد مدعاةً لعزله عن منصبه.

(٢-٤) مؤامرات الحزب العلوي في الكوفة

أبى الحسينُ البيعةَ ليزيد، فجمع أهْلَ بيته وشيعته وانطلق إلى مكة، فاختلف الناس إليه والتفوا حَوْلَه حلقات حلقات، واحتفلوا به وانتصروا له، فكَثُرَ رجاله وانتشرت دعوته بينهم، وقد اتصل هناك برسل الكوفيين من الشيعة الغاضبين على يزيد فشجَّعوه على القدوم إليهم لينادوا به أميرًا للمؤمنين بدلًا من يزيد بن معاوية المُغْتَصِب لعرش أبيه علي بن أبي طالب ابن عم الرسول.

(٢-٥) رسائل الكوفيين للحسين بن علي

حَمَلَت الأخبارُ وفاةَ معاوية، فنشط الحزب الشيعي في الكوفة وأنشأ يدبِّر المؤامرات ويهيئ الوسائل الفعالة لاسترجاع عرش الخلافة إلى أصحابه الشرعيين، فعقدوا الاجتماعات في بيت أكبر زعمائهم سليمان بن صرد، واندفعوا اندفاعًا كليًّا في إلقاء الخطب الحماسية التي تُظْهِر مساوئ الحكم الأموي وفضائحه ودسائسه، فاعتلى سليمانُ مرةً منصة الخطابة وافتتح إحدى جلساتهم بقوله: «إن معاوية قد هَلَكَ، وإن حسينًا قد تقبَّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة وأنتم شِيعَته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عَدُوِّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوَهَلَ والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه»،٨ فأجاب القومُ — والحماسُ آخذٌ منهم مأخذه: «لا، بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه»،٩ وعمدوا إلى كتابة الرسائل، الواحدة إثر الأخرى وكلها تُوَثِّق للحسين طاعتهم وإخلاصهم وتفانيهم في الدفاع عنه والذود عن حرمته، وإني مورد لك بعض هذه الوثائق لتلمس بيديك شيئًا من حماس القوم وتهالُكِهم — ولو عن بعد — في نصرته ومحبته:

الرسالة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

من سليمان بن صُرَد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك … فإنَّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمَّا بعد، فالحمد لله الذي قَصَمَ عدوَّك الجبار العنيد، انتزى على هذه الأمة فابتزَّها أَمْرَها واغتصبها فَيْأها وتآمر عليها بغير رضًى منها، ثم قَتَلَ خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُولَةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعْدًا له كما بَعِدَتْ ثمود، إنه ليس علينا إمام فاقْبَلْ، لعل الله يجمعنا بك على الحق، والنعمانُ بن بشير — الوالي — في قَصْر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو بَلَغَنَا أنك قد أَقْبَلْتَ إلينا أخرجْناه حتى نُلْحِقَه بالشام إن شاء الله، والسلام ورحمة الله عليك.١٠

الرسالة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

لحسين بن علي، من شيعته من المؤمنين والمسلمين. أمَّا بعد، فحيَّ هلَّا فإن الناس ينتظرونك ولا رأيَ لهم في غيرك، فالعجل، والسلام عليك.١١

الرسالة الثالثة

… أمَّا بعد، فقد اخضرَّ الجناب وأينعت الثمار وطمَّت الجمام، فأقْدِمْ على جُنْد لك مُجَنَّد، والسلام عليك.١٢
فترى مما تقدم أن الكوفيين قد حَبَسُوا أنفسهم عليه، وأَسْرَفوا في ذلك إسرافًا شديدًا، وغَلَوْا في انتصارهم للحسين غلوًّا عظيمًا، حتى ليقول الدينوري صاحب الأخبار الطوال: إنه «ورد إليه خمسون كتابًا من أشراف الكوفة ورؤسائها، كل كتاب منها من الرجلين والثلاثة والأربعة، وتتابعت عليه في أيام فملأ منها خرجين.»١٣

(٢-٦) رسائل الحسين للكوفيين

أمام هذه الجهود العظيمة التي بَذَلَهَا الكوفيون في بثِّ دعوته، وتلك المواعيد الجميلة الجذابة التي توارَدَتْ عليه في أيام قلائل، لم يرَ الحسين رأيًا أصوب من الالتحاق بهم، فمهَّد لذلك السبل، فأرسل مسلمَ بنَ عقيل بن أبي طالب — وهو ثقته — وطَلَبَ إليه المسير إلى الكوفة لنشر الدعوة وتنظيم الحركة العلوية تنظيمًا يدعو إلى النجاح، وأخذ البيعة وجمع الرجال والأموال، وبعث معه رسالة يدعوهم بها إلى التكاتف والتعاضد، وهي ترمي إلى معرفة أحوالهم تمامًا قبل الإقدام على استلام مهامِّ الزعامة فيهم، ووردت هذه الرسالة بنصوص عديدة، لكنها لا تختلف في مطالبها الجوهرية، وإليك نصَّين منها يُثْبتان دعوانا:

النص الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي إلى مَنْ بَلَغَهُ كتابي هذا من أوليائه وشيعته بالكوفة، سلام عليكم، أمَّا بعد، فقد أتَتْنِي كتبكم وفهمت ما ذَكَرْتُم من محبتكم لقدومي، وأنا باعثٌ إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلمَ بن عقيل لِيَعْلَمَ لي كُنْهَ أمركم، ويكتب إليَّ بما يتبين له من اجتماعكم، فإن كان أَمْرُكم على ما أتتني به كُتُبُكُم وأخْبَرَتْني به رسُلُكم أَسْرَعْتُ القدوم عليكم إن شاء الله، والسلام.١٤

النص الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين.

أمَّا بعد، فإن هانئًا وسعيدًا١٥ قَدِمَا عليَّ بكتبكم، وكان آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فَهِمْتُ كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلَّكم أنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق، وقد بعَثْتُ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأَمَرْتُه أن يكتب إليَّ بحالكم وأَمْرِكم ورأيكم، فإن كتب إليَّ أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى على مثل ما قدمَتْ عليَّ به رسُلُكم وقرأْتُ في كتبكم أقْدمُ عليكم وشيكًا إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله، والسلام.١٦

(٢-٧) مسلم بن عقيل في الكوفة واجتماع الشيعة بحضرته

ثم رحل مسلم إلى الكوفة، فدعت إليه الشيعة وعقدوا اجتماعًا في حَضْرته تجلَّت فيه آيات التأثر والحماس والغضب للبيت العلوي، وقد افتتح جَلْسَتَهُم مسلم فقرأ كتاب الحسين فبكوا خشوعًا وحنانًا لمقدمه، وتتابعت الخطب من أشهر المتفوهين والبلغاء، وكلها تؤيد الرسائل المتطرفة التي بعثوها للحسين، فزاد إيمان مسلم بالحركة العلوية، لا سيما وقد رنَّت كلمات التضحية مرارًا في أذنه، فقام الزعيم عابس بن أبي شبيب يؤكد إخلاصه واستعداده للموت في سبيل الدعوة فقال: «… أمَّا بعد، فإني لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم، والله أحدِّثك عما أنا موطِّن نفسي عليه، والله لَأُجِيبَنَّكُم إن دَعَوْتُم أو لأقاتلن معكم عدوَّكُم أو لأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله»،١٧ وأيَّد حبيب بن مظاهر الفقعسي رأي زميله عابس بن أبي شبيب فقال مخاطبًا إياه: «… رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك … وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه.»

(٢-٨) ضعف النعمان بن بشير والي الكوفة

والغريب أن النعمان بن بشير والي الكوفة لم يَقْتَلِع جرثومة التآمر على الحكومة الأموية، ولم يضرب زعماء العلويين بيد من حديد فيُخْفِت أصواتهم ويُشِلَّ سواعدهم، ولا ريب أنه كان ضعيفَ الرأي في الحكم يميل ظاهرًا إلى الحسين، يدلُّنا على ذلك قولُه إلى أحدِ مَنْ يهوى هوى الأمويين لمَّا أخذ يُؤَنِّبه ويتهمه بالضعف أو التضاعف في حِفْظ مصلحة الدولة والاهتمام في سلامتها «أنْ أكون ضعيفًا وأنا في طاعة الله أحبُّ إليَّ من أن أكون قويًّا في معصية الله، وما كُنْتُ لأهْتِكَ سِترًا سَتَرَه الله.»١٨
ولنا من خُطَبه في الكوفة برهان آخر على أنه كان يرى الفتنة يقظى ولا بدَّ أن تشتعل، وأنه لن يُهَاجم القائمين بها قبل أن يهاجموه، فجعل لأنصارها قوة وطيدة الأركان ويدًا فعالة في ترتيب المؤامرة وتنظيمها على الأسس المتينة، قال مِنْ خطاب له في المسجد الجامع: «… أمَّا بعد، فاتقوا الله عباد الله، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإن فيهما يهلك الرجل وتُسْفَكُ الدماء وتُغصب الأموال، إني لم أقاتِل من لم يقاتلني ولا أثب على من لا يثب عليَّ، ولا أشاتمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ … بالظنة ولا التهمة، ولكنكم إن أبديتم صفحتَكم لي ونَكَثْتُم ببيعتكم وخالَفْتُم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قَائِمُه في يدي ولو لم يكن لي منكم مناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.»١٩

(٢-٩) ولاية عبيد الله بن زياد العراق

عزل يزيد الأول النعمان بن بشير لتهاونه وحبه العافية وعدم فتكه بالمتآمرين، وولَّى مكانه عبيد الله بن زياد بإشارة سرجون مولاه. وكان عبيد الله واليًا للبصرة إذ ذاك، فضمَّت الحكومة إليه المِصْرَيْن، وفوَّضَتْ إليه السلطة الواسعة وطَلَبَتْ منه استعمال الشدة واتهام الناس على الظنة وإعدام من يرى في قلبه ضعفًا في طاعة الخليفة أو الاشتراك في التدبير على المركزية الأموية، وبعبارة ثانية فقد خوَّلَتْه سلطة الحاكم المُطْلَق أو الديكتاتور في العراق Dictator.

أسباب نجاحه في قمع الثورة

وإني لأميل إلى الاعتقاد أن عبيد الله بن زياد نجح في مهمته وقضى على أركان الحزب العلوي لسببين رئيسيين: الأول اتباعه سياسةَ الشدة والإرهاب والإعدام لمجرد الظن والتهمة، وإعلان الأحكام العرفية من أقصى البصرة إلى أقصى الكوفة، واعتماده على القساة في تنفيذ خططه وانتهازُه الفرص دون تردُّد ومراوغة، فثبَّت دعائم الخلافة الأموية بعد أن كادت تميد في أرض العراق، ثم إنه أحسن كل الإحسان إلى مريديه وأتباعه، فجعل منهم ألسنة شُكْر تسبِّح بحمده، وأولى مَنْ أطاعه نعمة الأمان على نفسه وأهله ومقتنياته، وأساء كلَّ الإساءة إلى عشائر الذين يَرَوْن خذل الأمويين ووجوبَ التخلُّص منهم مبدأً قويمًا، فاستقامت له الأمور واستقرت الأحوال، ولنا من بعض فقرات تلاها في خطبه في البصرة والكوفة ما يؤيد دعوانا، وهاك أهمها:

قال في المسجد الجامع في البصرة: «… يا أهل البصرة، إياكم والخلاف والإرجاف، فوالله الذي لا إله غيره لئن بَلَغَني عن رجل منكم خالَفَ أو أَرْجَفَ لأقتلنه وَوَلِيَّه، ولآخذن الأدنى بالأقصى والبريء بالسقيم حتى تستقيموا، وقد أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ.»٢٠
وقال في الكوفة: «… يا أهل الكوفة، إن أمير المؤمنين قد ولَّاني مِصْرَكم، وقَسْم فَيْئِكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على عاصيكم ومريبكم، وأنا مُنْتَهٍ في ذلك إلى أَمْرِه، وأنا لَمُطِيعكم كالوالد الشفيق، ولَمُخَالفكم كالسم النقيع، فلا يُبْقِيَنَّ أحد منكم إلا على نفسه.»٢١
وقال في الكوفة أيضًا: «… إن أمير المؤمنين — أَصْلَحه الله — ولَّاني ثَغْرَكم ومِصْركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مُرِيبِكم وعاصيكم، وأنا متَّبع فيكم أَمْرَه ومنفِّذ فيكم عَهْده، فأنا لِمُحْسنكم ومطيعكم كالوالد البَرِّ، وسَوْطي وسَيْفي على مَنْ تَرَكَ أمري وخَالَفَ، فليُبْقِ امرؤ على نفسه، الصدق ينبي عنك لا الوعيد»، ووجَّه خِطَابه إلى عرفاء الناس فاستطرد قائلًا: «اكتبوا لي الغرباء، ومَنْ فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمن كَتَبَهُم لنا فبرئ، ومَنْ لم يكتب لنا أحدًا فيضمن لنا ما في عرافته أن لا يُخَالِفنا منهم مُخَالِف ولا يبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئَتْ منه الذمة، وحلالٌ لنا ماله وسَفْك دمه، وأيما عريف وَجَدَ في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يَرْفَعْه إلينا صُلِب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء وسير إلى موضع بعمان الزارة.»٢٢
بطش عبيد الله بن زياد في الكوفيين بَطْش الأسد بفريسته بعد أن صَدَرَتْ إليه إرادةُ يزيد العليا في دمشق بأن لا يَكُفَّ عن محبذي روح الثورة والفوضى أبدًا، وأن يَطْلُب مسلمَ بنَ عقيل طَلَبَ الخرزة حتى يَظْفَر به فيقتله أو ينفيه لأنه داعية الحسين الأشد،٢٣ ثم قضى قضاءً مبرمًا — حينما بَلَغَه أن في نية الحسين القدوم إلى العراق — أن يَضَعَ ابن زياد «المُناظِر والمُسالِح، وأن يحترس على الظن ويأخذ على التهمة وأن لا يقاتل إلا مَنْ قاتَلَه.»٢٤
وأمَّا السبب الثاني الذي مهَّد السبيل لنجاح ابن زياد في العراق فهو بَذْلُه الأموال للأشراف من أهل الكوفة أنفسهم، ومعظمهم قد تعاهدوا وأقسموا الأيمان المُغَلَّظة على نصرة الحسين بن علي، فاستمال ودَّهم واستخلص نصيحتهم واستولى على قلوبهم؛ فصارت سيوفهم تضرب في جانبه بعد أن كانت مشهورة عليه، ولما أَحْدَقَ الخطر بعبيد الله وحاصَرَهُ الكوفيون بقيادة مسلم — كما سيأتي معنا — كان أشراف الكوفة هم الساعد القوي في تشتيت شَمْلهم، واللسان البليغ في تفريق جموعهم، فقال كثير بن شهاب في الناس: «أيها الناس، الحقوا بأهليكم ولا تَعْجَلوا الشر ولا تُعَرِّضوا أنفسكم للقتل، فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أَقْبَلَتْ، وقد أعطى الله الأمير حربًا لئن أَتْمَمْتُم على حَرْبه ولم تنصرفوا من عيشتكم أن يَحْرِمَ ذريتكم العطاء ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام عن غير طمع، وأن يأخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبالَ ما جرَّت أيديها.»٢٥
وقال غيره من الأشراف: «يا أهل الكوفة اتقوا الله ولا تستعجلوا الفتنة ولا تشقُّوا عصا هذه الأمة، ولا تُورِدوا على أنفسكم خيول الشام، فقد ذُقْتُموهم وجَرَّبْتم شوكتهم …» وكان الرجل من أهل الكوفة يأتي ابنه وأخاه وابن عمه فيقول: انصرف فإن الناس يكفونك، وتجيء المرأة إلى ابنها وزوجها وأخيها فتتعلق به حتى يرجع، فصلَّى مسلم العشاء في المسجد وما معه إلا زهاء ثلاثين رجلًا.٢٦
وللفرزدق الشاعر شهادة في الكوفيين تؤيد لنا طمع الأشراف بالدرهم وعبادتهم الدينار واهتمامهم بمصالحهم قبل غيرها، فسأله الحسين عن أموال الناس في الكوفة فأجاب: «قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.»٢٧

والخلاصة أن الجماعات التي أقامت النكير على بني أمية وراسلت الحسين وأكَّدت له إخلاصها وذرفت أمام مسلم أعز دموعها هي الجماعات التي ابتاعها عبيد الله بالدرهم والدينار.

(٢-١٠) فاجعة مسلم بن عروة المرادي

قدم مسلم إلى الكوفة وأمامه عدوٌّ ذو بأس شديد وحيلة واسعة، فلا بدَّ له إذن من تجنُّبه والدعوة سرًّا كي لا يفسد عليه أَمْره فتفشل مساعيه وتذهب أدراج الرياح، فالتجأ إلى دار أحد زعماء الشيعة المعروفين وهو هانئ بن عروة المرادي، فبثَّ ابن زياد العيون لمعرفة مقر مسلم واستطلاع أخبار الجماعات الذين بايَعُوه ليقبض عليهم، فيروي لنا الطبري أنه «دعا مولًى له فأعطاه ثلاثة آلاف وقال له: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يُبَايِع له أهلُ الكوفة فأَعْلِمْه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مالٌ تَدْفَعه إليه ليتقوى، فلم يزل يتلطف ويرفق به حتى دُلَّ على شيخ من أهل الكوفة يلي البيعة فلقيه فأَخْبَرَه … فأدخله إليه فأخذ منه المال وبايعه، ورجع إلى عبيد الله فأخبره.»٢٨
فطلب ابن زياد من هانئ تسليم مسلم فأبى عملًا بحرمة الشهامة العربية، واعتذر قائلًا: «ما دَعَوْتُه إلى منزلي ولكنه جاء فطرح نفسه عليَّ»، فشدد عليه وهدَّدَه فأجابه: «أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيٌّ صحيحٌ أسمع وأرى، شديد الساعد كثير الأعوان … واللهِ لو لم أكن واحدًا ليس لي ناصر لم أَرْفَعْه حتى أموت دونه … والله لو كان تحت قدميَّ ما رفعْتُهما عنه.»٢٩ فأَمَرَ به فحُبِس في جانب القصر.

تأَلَّمَ مسلم تألمًا عميقًا لهذه المعاملة وتأثَّر تأثرًا بليغًا، فاندفع مع أصحابه — ويقدَّرون بأربعة آلاف — ونادى بشعاره، وقدَّم مقدِّمَته وعبَّأ ميمَنَته وميْسَرَته، وسار في القلب، وهاجم قصر عبيد الله بن زياد، فكاد ينتصر لولا أشراف الكوفة الذين غرَّهم المال فأخذوا يُرْهِبونهم تارة ويمنُّونهم الخير تارة أخرى إلى أن تَسَلَّل عنه جنده، وظل شريدًا طريدًا لا مأوى يأوي إليه، ولا قَلْبَ يعطف عليه سوى قلب امرأة عجوز فأَدْخَلَتْه إلى دارها، لكن ابنًا لها وشى به، فأحاطت الشرطة البيت وقبضت عليه بعد أن أَعْمَلَ فيها سيفه ودافَعَ دفاعًا مجيدًا، أما وَقَدْ وَقَعَ مسلم وهانئ في قبضة عبيد الله فما كان منه إلا أن أَمَرَ بإعدامهما، فأُصْعِد مسلم إلى أعلى القصر حيث ضُرِبت عنقه وأُلقِيَتْ جثته إلى الناس، وأخذ هانئ إلى سوق الكوفة فصُلِب فيه، وهكذا خُتِم الفصل الأول من هذه المأساة.

فرثاهما الشعراء، وأبلغ ما قرأت الأبيات المنسوبة إلى عبد الرحمن بن الزبير، وهي:

فإنْ كُنْتِ لا تَدْرِينَ ما الموتُ فانظري
إلى هانئٍ في السوق وابنِ عَقِيلِ
إلى بَطَلٍ قد هشَّمَ السيفُ أَنْفَهُ
وآخَرَ يهوى من طمارِ قَتيِلِ
أصابهما ريبُ الزمان فأصبحا
أحاديثَ من يسعى بكل سبيل
ترى جسدًا قد غيَّر الموتُ لَوْنَه
ونضْخ دَمٍ قد سال كُلَّ مَسِيلِ٣٠

(٢-١١) الحسين في العراق

وَثِقَ مسلم كل الوثوق قُبَيْل مقتله من الحزب العلوي في الكوفة، إذ بايعه حسبما يروي لنا المؤرخون بين الاثني عشر ألفًا والثمانية عشر ألفًا، فكتب إلى الحسين يستحثه على القدوم، وتُلَخَّص رسالتُه كما يلي: «… أمَّا بعد، فإن الرائد لا يَكْذِب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفًا، فعجِّل حين يأتيك كتابي، فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوًى.»٣١ فتحرَّك الحسين إلى العراق ومعه خمسة وأربعون فارسًا ومائة راجل، فنزل كربلاء فوجَّه إليه ابنُ زياد عُمَرَ بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف فارس ليصدُّه وليأخذ ليزيد منه البيعة، وجَعَلَ ولاية الري والديلم جائزة له كيما لا يَفْتُر عَزْمُه ولا يتلكأ في المسير إليه، وأَتْبَعه بالحصين بن نمير وشمر بن ذي الجوشن لِيَتَغَلَّبا على رأيه وعزيمته، وليرى فيهما منافِسَيْن ينتظران الوثوب إلى مقامه إن هو أَهْمَلَ ما أُوكِلَ إليه.

(٢-١٢) واقعة كربلاء

أصرَّ عمر بن سعد بن أبي وقاص على الحسين في البيعة ليزيد، والنزول على حُكْم ابن زياد فأبى، فاشتعلت نار الوقيعة بين الطرفين، فلم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويُقْتَلون ويتنافسون في الذود عنه حتى فنوا عن بكرة أبيهم، ولم يَبْقَ منهم أحد، وبقي الحسين يَنْتَظِر مَنِيَّتَه وكلٌّ يهاب قَتْل ابن بنت رسول الله إلى أن أَقْدَم شمر واحتزَّ رأسه، ثم داست الخيل ظَهْرَه وصَدْره، والحقيقة التي لا غبار عليها أن أصحاب الحسين قاتلوا أعداءهم قتال المستميت، وأظهروا من ضروب الشجاعة ما يفوق الوصف، وقد قُتِل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا سوى الجرحى.

أسباب سقوط الحسين

أمَّا الأسباب التي أدَّت إلى سقوط الحسين فهي في عُرْفنا كما يأتي:
  • السبب الأول: هو اعتماد الحسين اعتمادًا كليًّا على الكوفيين الذين أَثْبَتَ التاريخ تردُّدهم وشقاقهم وعبثهم بحقوق أبيه وأخيه من قبله، وعدم استعدادهم الاستعداد الحربي الكافي لطرد الجيش الأموي القليل العدد من العراق، فهم من الجماعات الذين يتهالكون في الحب والإخلاص — ولكن عن بُعْد، وفي عالَم النظريات — فلا يبذلون درهمًا واحدًا في تهيئة خُطَّة منظمة يسيرون بحسبها ويجدُّون في تحقيقها، وكل ما لديهم من السلاح خُطَبٌ حماسيةٌ وكلامٌ جذابٌ ودموعٌ سخيةٌ يذرفونها حينما يذكرون آلامهم وبؤسهم وظلامتهم، ولنا من نصائح المخلصين للحسين أكْبر دليل على ما قدَّمناه، قال أحد أعمامه ينصحه: «إني أنشدك الله لما انصرفْتَ، فوالله لا تقدم إلا على الأسنة وحدِّ السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كَفَوْك مئونة القتال ووطَّئُوا لك الأشياء تقدَّمت عليهم كان ذلك رأيًا.»٣٢
    وقال عبد الله بن مطيع: «إذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة، بها قُتِل أبوك وخُذِل أخوك واُغتيل بطعنة كادت تأتي على نَفْسه، فإنك سيد العرب لا يَعْدِل بك — والله — أهْلُ الحجاز أحدًا، ويتداعى إليك الناس من كل جانب، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فوالله إن هَلَكْتَ لنُسْتَرَقَّنَّ بعدك.»٣٣
    وقال عبد الله بن عباس وهو يؤكد تنفُّذ الأمويين في العراق وضَعْف أخلاق الكوفيين — ويستشهد التاريخ على ذلك: «أرجف الناس أنك سائرٌ إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع … أتسير إلى قوم قد قَتَلُوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم، فإن كانوا قد فعلوا ذلك فَسِرْ إليهم، وإن كانوا إنما دَعَوْك إليهم وأميرهم عليهم قاهرٌ لهم وعمَّاله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال، ولا آمن عليك أن يغرُّوك ويكذبوك ويخالفوك ويَخْذلوك وأن يستنفروا إليك، فيكونوا أشد الناس عليك.»٣٤
    ولابن عباس أيضًا في نصيحة الحسين: «إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال، إن أهل … قوم غدر فلا تَقْرَبَنَّهم، أَقِمْ بهذه البلد فإنك سيد أهل الحجاز، فإن كان … يريدونك فاكتب لهم فلينفوا عدوهم.»٣٥
    وقال أبو سعيد الخدري يرجو الحسين أن لا يستسلم لأهل الكوفة: «يا أبا عبد الله … إني لكم ناصح وإني عليكم مُشْفِق، وقد بَلَغَني أنه كاتَبَكُم قومٌ من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: والله لقد مللْتُهُم وأَبْغَضْتُهم وملُّوني وأَبْغَضُوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عَزْم على أَمْر ولا صَبْر على السيف.»٣٦
    ويظهر أن لمعاوية رأيُ الجماعات الذين تقدَّمَتْ آراؤهم في أهل الكوفة، فعرف تخاذلهم وانقسام بعضهم على بعض، فقال ليزيد حين أوصاه: «انظر إلى حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله، فإنه أَحَبُّ الناس إلى الناس، فَصِلْ رحمه وأرفق به يَصْلُح لك أَمْره، فإن يكُ منه شيء فإني أرجو أن يكفيه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه (يعني بهم أهل الكوفة).»٣٧
  • السبب الثاني: هو عدم اهتمام الحسين الاهتمام الكلي في تنظيم دَعْوته Propaganda ونَشْرها بين الناس، فظنَّ أن القوم سيُقْدِمون على بيعته ويتهالكون في نُصْرته لانتسابه إلى رسول الله، وقد فاته أن الحياة جهاد، والقويُّ القويُّ فيها هو السبَّاق إلى اكتساب ولاء الناس، إمَّا ببذل الأموال لهم وإشراكهم في بعض المطامع الدنيوية، وإما بإسناد المناصب العالية لأشرافهم وزعمائهم كما فعل الأمويون.
    وقد نبَّهه أخوه محمد ابن الحنفية فأوصاه بقوله: «تنحَّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رُسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم يُنْقِص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرًا من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفةٌ معك وأخرى عليك فتكون لأول الأسنة، فإذا خيرُ هذه الأمة كلها نفسا وأبًا وأمًّا أضيعها دمًا وأذلُّها أهلًا، فانزل مكة فإن اطمأنَّتْ بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لَحِقْتَ بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلدٍ إلى بلدٍ حتى تنظر إلى ما يصير أَمْرُ الناس، وتعرف عند ذلك الرأي فإنك أصوب ما يكون رأيًا وأحزمه عملًا حتى تستقبل الأمور استقبالًا، ولا تكون الأمور عليك أبدًا أشكل منها حين تستدبرها استدبارًا.»٣٨
    ونوَّه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى أهمية الدرهم والدينار وتأثيرها في النفوس، فقال للحسين: «قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق، وإني مشفق عليك من مسيرك، إنك تأتي بلدًا فيه عمالُه وأمراؤُه ومعهم بيوت الأموال، وإنما الناس عبيدٌ لهذا الدرهم والدينار، ولا آمَنُ عليك أن يقاتلك مَنْ وَعَدَكَ نصره ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه.»٣٩
  • السبب الثالث: هو تخلي الحسين عن اليمن والحجاز وبهما أنصاره الحقيقيون وشيعة أبيه القوية المخلصة، وامتازت اليمن ببُعْدها عن مركز الخلافة ومناعة حصونها وكثرة شعابها، فكان بوسع الحسين أن يبثَّ دعاته في الأقطار وهو آمنٌ مطمئنٌ، فإن فشل في حملته الأولى تلافى أغلاطه في الحملة الثانية، وهكذا كان بإمكانه المطاوَلة ولديه الوقت الكافي لإثارة الخواطر ضد المغتصبين، فذكر له ذلك ابن عباس فقال: «… فإن أبيت إلا أن تخرج فَسِرْ إلى اليمن، فإن بها حصونًا وشعابًا، وهي أرضٌ عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة، وأنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.»٤٠
  • السبب الرابع: هو تشجيع ابن الزبير للحسين من طرْفٍ خفيٍّ على الرحيل إلى العراق كيما يَتَخَلَّص منه، فإنه استهوى الحجازِيِّين وتمكَّنَتْ محبته من قلوبهم، فما عادوا ليهتموا بابن الزبير أو يجتمعوا حوله ويستمعوا له، والبرهان على ذلك أنه لما نزل الحسين إلى مكة أقبل أهلها يختلفون إليه مع جميع المعتمرين والحجَّاج من آهل الآفاق، فعلم حقَّ العلم أن الحجازيين لا يبايعونه ولا يتابعونه في طلب للخلافة، والجهاد من أجلها، ما دام الحسين زعيمًا في البلد الحرام، فكان يُرْسِل رُسُلَه له ليُقْنِعوه بأن الكوفيين هما مادةُ حزبه ونسيج قوته، ويَظْهَر أن هذه الدعوى كان لها أَثَرُها في نفس الحسين، ولطالما نشط ابن الزبير لئن يَظْهَرَ بمظهر المخلص له خيفة أن يتَّهِمَه بالنفاق وخشيةَ أن يُفْسِد عليه تدابيره، فصرَّح له مرة: «أما لو كان لي بها (العراق) مثل شيعتك ما عدلت بها … أما إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر هنا ما خولف عليك إن شاء الله.»٤١
    وقال له أيضًا: «لو أَقَمْتَ بهذا الحرم وبثثْتَ رسلك في البلاد وكتبْتَ إلى شيعتك بالعراق أن يقدموا عليك، فإذا قويَ أمرك نفيت عمال يزيد عن هذا البلد، وعليَّ لك المكاتفة والمؤازرة، وإن عَمِلْتَ بمشورتي طلبت هذا الأمر بهذا الحرم، فإنه مجمع أهل الآفاق ومورد أهل الأقطار ولم يعدمك بإذن الله إدراكُ ما تريد ورجوت أن تناله.»٤٢
    وكان المسور بن مخرمة يُحذِّر الحسين من ابن الزبير ودعواه في تفاني الكوفيين في محبته فقال له: «إياك أن تغْتَرَّ بكتب أهل العراق، وبقول ابن الزبير لك الْحَقْ بهم فإنهم ناصروك، إياك أن تبرح الحرم، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوةٍ وعدةٍ.»٤٣ ولمَّا أزمع الحسين على مبارحة الحجاز إلى الكوفة تألَّمَ ابن عباس، ذلك الدماغ المفكر، وأنشد ابن الزبير الأبيات المشهورة الآتية:
    يا لَكِ من قنبرة بمعمرِ
    خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفري
    ونَقِّري ما شِئْتِ أن تُنَقِّرِي٤٤
  • السبب الخامس: هو يقظة الأمويين وإرسالهم الأشدَّاء من ولاتهم إلى المِصْرَيْن، فسدَّ ابن زياد دون الحسين وشيعته المذاهبَ، فمنع الناس من الدخول إلى الحدود العراقية أو الخروج منها إلا بإذن خاص، واحتل احتلالًا عسكريًّا «ما بين واقصةَ إلى طريق الشام وطريق البصرة»، فضمن معرفةَ الصادرِ والواردِ من الدعاة معرفةً طيبةً، ووجَّه ابنُ زياد الجموع الكثيرة لقتال الحسين، وكان يحكم بالموت على كل من يتخلف أو يرتدع عن خوض المعركة، فخافه الناس وجهَّز لنزاله نحوًا من أربعة آلاف، بينا جنودُ الحسين — وهم أهله وأصدقاؤه — لا يتجاوزون المائة، فتأمَّلِ النسبةَ بين العددين، فهي كنسبة واحد إلى أربعين على وجه التقريب.٤٥
  • السبب السادس: هو استيلاء الجيوش الأموية على الفرات ومواضع الماء في كربلاء، فمنعوا أنصار الحسين من الدنو منها، فكادوا يَهْلكون عطشًا، وكانت أوامر ابن زياد شديدةً بهذا الخصوص، فطلب إلى عمر بن سعد «أن امنع الحسينَ وأصحابه من الماء فلا يذوقوا منه حثوة»، فبعث خمسمائة فارس نزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فيُستنْتَج من ذلك أن الموقع الحربي كان في قبضة الأمويين دون العلويين، وأنه لا بدَّ للحسين من الهجوم إذا أراد الوصول إلى الماء، وهذا يعني ضرورة التضحية، وأنت تعلم قلة عدد جنوده وبؤسهم بعد رحلتهم الطويلة من الحجاز إلى العراق.٤٦
  • السبب السابع: هو ارتياب الحسين في حَقِّه بالخلافة واعترافه اعترافًا صريحًا ليزيد بإمارة المؤمنين، وقوله لعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن والحصين بن نمير أنه مستعدٌ لمبايعة يزيد في دمشق، فيروي لنا الطبري: «لقيَ الحسينُ الخيول بكربلاء فنزل يناشدهم الله والإسلام، وكان بعث «ابن زياد» إليه عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن نمير فناشدهم الحسين الله والإسلام أن يُسيِّروه إلى أمير المؤمنين فيضع يده في يده فقالوا: لا، إلا على حكم ابن زياد.»٤٧

تألم يزيد لقتل الحسين

كل ما أوردناه لك من الأسباب قضى على سقوط الحسين، فكان مقتله يدعو إلى التألم لمصابه؛ خصوصًا حينما ناشَدَ قادة ابن زياد «الله والإسلام» أن يسيِّروه إلى يزيد قريبه ونسيبه وندِّه بدلًا من إجباره على السير إلى رجلٍ لا يعترف له بحكم وهو دونه بمراحل في الشرف والنبل، وتَمِيل الناسُ بطبعها إلى نصرة الضعيف، لا سيما إذا كان لهذا الضعيف صلة برسول الله كصلة الحسين بجدِّه المصطفى، وحُمِل رأس الحسين إلى ابن زياد فنصبه في الكوفة وطاف به في الأسواق وأرسله حالًا إلى يزيد في الشام، فيروي لنا الكثيرون من المؤرخين أنه بكى لمرآه، وقال: «ويحكم، قد كنتُ أرضى مِنْ طاعتكم بدون قَتْل الحسين، لعن الله ابنَ مرجانة — ابن زياد — أما والله لو كُنْتُ صاحبه لعفوت عنه، رحم الله أبا عبد الله.»٤٨

ولم يتأخر ابن زياد عن احترام نساء الحسين، فأجرى عليهن الرزق، وأَمَرَ لهن بالنفقة والكسوة وبعثهن إلى دمشق، فدخَلْنَ البلاط الأموي وبنات أعمامهن الأمويات تستقبلهن باكيات نائحات على صريع كربلاء، وأقَمْنَ عليه المناحةَ والحداد ثلاثًا.

لا شكَّ أن يزيدَ لم يفكر البتة بقتل الحسين، ولم يأمل أن تتطوَّرَ المسألة العلوية فتلعب هذا الدور المهيب، ويُقْدِم ابن زياد على الفتك به، لكنه خضع للنتائج التي لم يُحْسَب لها مثل هذا الحساب، فاستشهد قائلًا لما وُضِع رأس الحسين بين يديه:

يُفَلِّقْنَ هامًا من رجالٍ أعزَّةٍ
علينا وهم كانوا أعقَّ وأَظْلَمَا٤٩
ومهما تحامَلَ المتطوفون من المؤرخين على يزيد بقولهم: إنه أساء معامَلة آل الحسين، فلنا من شَهادة السيدة سكينة ابنته ما يَرُدُّ عليهم قولَهُم ويخفف من غلوائهم، فقد قالت فيه: «ما رأيت رجلًا كافرًا بالله خيرًا من يزيد بن معاوية»،٥٠ فإنه كساهم وأوصى بهم وخرج معهم رسوله إلى المدينة مقرِّ سكناهم.

رثاء الحسين

بكى المسلمون الحسين ولا يزالون يتألمون لفاجعته، وتَعْقِد الشيعة في العاشر من محرم (ذكرى مقتله الواقع في ١٠ محرم ٦١ﻫ/٦٨٠م) الاجتماعات المؤثرة، فتراهم يَضْرِبون صدورهم بأيديهم، ويشجُّون رءوسهم بالحديد فيهلك بعضهم، ولعل العلم يصدُّهم في المستقبل عن مثل هذه العادة فيحوِّلون مجرى أحزانهم إلى فِعْل الخير والإحسان وبثِّ الفضيلة بين أبنائهم وبناتهم، وأبلغ ما قرأت من المراثي في الحسين مرثاةٌ لزينب ابنة فاطمة أخته حين مرَّت به صريعًا فنادت: «يا محمداه، يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مرمَّل بالدماء مقطَّع الأعضاء، يا محمداه وبناتك سبايا وذُرِّيَّتُك مقتلة تسفي عليها الصبا.»٥١

وبَكَتْهُ زوجته عاتكة بنت زيد بقولها:

وحسينًا فلا نَسِيتُ حُسَيْنًا
أَقْصَدَتْه أسنَّةُ الأعداء
غَادَرُوه بكَرْبَلَاء صريعًا
لا سقى الغيثُ بَعْدَه كربلاء٥٢

التهاويل الغريبة في مأساة الحسين

ولا يَتَوَهَّمَنَّ بعض القراء أن العداء الشخصي كان متأصِّلًا بين يزيد والحسين كما يدَّعي البعض، فوفد الأخير على معاوية، وكان جنديًّا في الجيش الذي توجَّه لغزو القسطنطينية بإمرة يزيد.

هذا ما نظنه الحقيقة من أَمْرِ هذه المأساة، ولا تغرنَّك التهاويل والمبالغات التي يدعي بها البعض، فهي خلو من البراهين الثابتة.

١  الدينوري، ص٢٤٠.
٢  الطبري Series 2 Volume 1 لناشره M J De Goeje، ص٢١٦.
٣  المصدر نفسه S2 V1، ص٢١٦-٢١٧.
٤  الطبري، ص٢١٧، S2 V1.
٥  المصدر نفسه، ص٢١٨، S2 V1. الفخري، ص١٠٨-١٠٩.
٦  المصدر نفسه، ص٣١٨، S2 V1.
٧  الطبري، ص٣١٨، S2 V1.
٨  الطبري، ص٢٣٣، S2 V1.
٩  المصدر نفسه، ص٢٣٣، S2 V1.
١٠  المصدر نفسه، ص٢٣٤، S2 V1.
١١  الطبري، ص٢٣٤، S2 V1.
١٢  المصدر نفسه، ص٢٣٥، S2 V1.
١٣  الدينوري، ص٢٣٤.
١٤  الدينوري، ص٢٤٤.
١٥  هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي.
١٦  الطبري، S2 V1، ص٢٣٥.
١٧  المصدر نفسه، S2 V1، ص٢٣٨.
١٨  الطبري، S2 V1، ص٢٢٨.
١٩  المصدر نفسه، S2 V1، ص٢٣٨.
٢٠  الدينوري، ص٢٤٦.
٢١  المصدر نفسه، ص١٤٧.
٢٢  الزاره في البحرين، وهو منفي. الطبري، S2 V1، ص٢٤٣.
٢٣  الدينوري، ص٢٤٥.
٢٤  الطبري، S2 V1، ص٢٧١.
٢٥  الطبري، S2 V1، ص٢٥٨.
٢٦  الدينوري، ص٢٥٢-٢٥٣.
٢٧  الطبري، S2 V1، ص٢٧٧. الدينوري، ص٢٥٨.
٢٨  الطبري، S2 V1، ص٢٢٩.
٢٩  الطبري، S2 V1، ص٢٣٠–٢٥٢.
٣٠  الدينوري، ص٢٥٥. الطبري، S2 V1، ص٢٦٩-٢٧٠.
٣١  الطبري، S2 V1، ص١٦٤.
٣٢  الطبري، S2 V1، ص٢٩٤.
٣٣  المصدر نفسه، S2 V1، ص٢٣٢. الدينوري، ص٢٤٢.
٣٤  الطبري، S2 V1، ص٢٧٤.
٣٥  المصدر نفسه، S2 V1، ٢٧٤-٢٧٥.
٣٦  ابن عساكر، ج٤ ص٣٢٧.
٣٧  ابن عساكر ج٤، ص٣٢٧.
٣٨  الطبري، S2 V1، ص٢٢٠-٢٢١.
٣٩  الطبري، S2 V1، ص٢٧٣.
٤٠  المصدر نفسه، S2 V1، ص٢٨. الدينوري، ٢٥٧.
٤١  الطبري، S2 V1، ص٢٧٤.
٤٢  الدينوري، ص٢٥٦-٢٥٧.
٤٣  ابن عساكر، ج٤ ص٣٢٩.
٤٤  الطبري، S2 V1، ص٢٧٥.
٤٥  المصدر نفسه، S2 V1، ص٢٨٥.
٤٦  الدينوري، ص٢٦٦. الطبري، S2 V1، ص٣١٢.
٤٧  الطبري، S2 V1، ص٢٨٥-٢٨٦.
٤٨  ابن قتيبة ج٢، ص١٠-١١. الدينوري، ص٢٧٢–٢٧٤.
٤٩  الطبري، S2 V1، ص٢٨٢.
٥٠  المصدر نفسه، S2 V1، ص٣٨١.
٥١  الطبري، S2 V1، ص٣٨٠.
٥٢  معجم البلدان ج٤، ص٢٥٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤