الغد

يا حنانًا كيد الآسي الرؤومِ
وشعاعًا يُشتهى بعد الغُيوم
أنا في بُعْدِكَ مفقودُ الهُدَى
ضائعٌ أعْشُو إلى نورٍ كريمِ
أشتري الأحلامَ في سُوق المُنى
وأبيعُ العمْر في سُوق الهُموم
لا تقُلْ لي في غدٍ موعدُنا
فالغدُ الموعُودُ ناءٍ كالنجومِ!

•••

أغدًا قلتَ؟ فعلِّمْني اصطبارَا
ليتني أختصرُ العُمْرَ اختِصارا
عَبَرَتْ بي نَشوةٌ مِن فَرَحٍ
فَرَقَصْنَا أنا والقلبُ سُكَارَى
وعَرَانا طَائِفٌ مِنْ خَبَلٍ
فاندَفَعْنا في الأماني نتبارَى
سنَذمُّ النورَ حتى يَتَلاشى
ونذمُّ الليلَ حتى يتوارَى!

•••

انفردنا أنا والقلب عشيَّا
ننسج الآمالَ والنَّجْوى سويَّا
فركبنا الوهمَ نبغي دارَها
وطوينا الدهرَ والعالَم طَيَّا
فبلغناها وهللْنَا لها
ونزَلنَا الخُلْدَ فينَانًا نَدِيَّا
ولقينا الحسنَ غَضًّا والصِّبَا
وتملَّيْنَا الجلالَ الأبدِيَّا

•••

قال لي القلبُ: أحقًّا ما بلغنا؟
كيف نام القَدَرُ السَّاهر عنَّا
أتراها خدعةً حاقت بنا؟!
أتراها ظِنةً مما ظَنَنَّا؟
قلتُ: لا تجزع فكم من منزلٍ
عز حتى صار فوق المتَمنى
أذِنَ اللهُ به بعد النوى
فثوينا واسترحنا وأمِنّا!

•••

يا جِنانَ الخًلْدِ قَدَّمْتُ اعتذاري
إِذ يَطوف الخلدَ سقمي ودَماري
أيها الآمرُ في مُلكِ الهوى!
اعفُ عن لهفةِ روحي وأواري
أشتهي ضَمَّكَ حتى أشتفي
فكأني ظامئٌ آخذ ثاري!
غير أني كلَّما امتدت يدي
لعناقٍ خِفتُ أن تؤذيكَ ناري!

•••

أيها النورُ سَلامًا وخشوعا
أيها المعْبَدُ صَمْتًا ورُكُوعَا
ملكت قلبي ولُبِّي رهبةٌ
عصفت بالقلب واللُّبِّ جميعَا
رُبَّ قول كنتُ قد أعددتُه
لكَ إِذ ألقاك يأبى أن يطيعَا
وحبيسٍ من عتابٍ في فمي
قد عصاني فتفجَّرتُ دموعَا!

•••

لذعتني دمعة تلفح خدي
نبهتني من ضلالٍ ليس يُجْدِي
واختفتْ تلك الرُّؤَى عن ناظري
وطواها الغيبُ في سِحْريِّ بُرْدِ
وتَلَفَّتُّ فلا أنت ولا
جنةُ الخلد ولا أطيافُ سَعْدِ
وإِذا بي غارقٌ في محنَتي
وبلائي، أقطعُ الأيامَ وَحْدِي

•••

هاتِ قيثاري ودَعْني للخيالِ
واسقني الوهْمَ! وعَلِّلْ بالمحالِ!
ودَع الصدق لمن ينشده
الحجى خصميَ فاغمرْ بالضلالِ
وخُذ الأنوار عنِّي، ربما
أجدَ الرحمةَ في جوفِ الليالي
خلِّني بالشوقِ أستدني غدًا
فغدًا عندي كآبادٍ طوالِ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤