إلى الجامعة المصرية

قرأت في بعض الحكم هذه الكلمة: «تحرَّرْ من سُكْرِ السلطان وسكر المال وسكر العلم وسكر المنزلة!»

ولست أعرف أحدًا قد سكر من هذه الأربعة حتى عربد وخرج إلى السخف والهذيان غير الأستاذ المربع، الدكتور طه حسين، منذ ولي تدريس تاريخ الأدب في الجامعة، والله ما ندري كيف لا يعهدون إليه مع درس تاريخ الأدب بدرس آخر كشرح القانون المدني مثلًا، فإنه لقادر على هذا قدرته على ذاك، إذا كان لا مادة له إلا أن يفكر فيما يقول، ثم يقول كما يفكر، ما هو إلا الظن قبل العلم، وإلا الشك قبل اليقين، وإلا الوهم قبل الحقيقة، ولا أكثر من الكلام عند كل رجل يُسقط الخطأ والصواب من حسابه، ولا أيسر من الإنكار على من يكون رأس المال في علمه العناد والمكابرة.

سكر الدكتور طه حسين؛ لأنه سُلِّمَ إلى وزارة المعارف مع الجامعة بعقد واحد.١ وهذا هو سكر السلطان، تم حثوا له من خزانة الدولة قبل أن يسمعوا منه حرفًا في تاريخ الأدب أو يعرفوا له وزنًا فيه أو يبلوا منه بلاءً، وتلك سكرة المال، ثم ابتدع للجامعة علمًا يلقيه على من يذهب إليه من عرض الطرق وإن كان لا يميز بين أبي جهل وأبي زرع، فجاءت من ذلك سكرة العلم، ورأى مع كل هذا أنه قارٌّ في منزلته، يريدون أن يجعلوه آمنًا من العزل ممنوعًا من الصرف؛ فتم له سكر المنزلة.٢

لا نحسب هذه الجامعة تملك الأدب بعقد ولا وثيقة شرعية فتنزل عنه لهذا الأستاذ، ولا نظنها تدعي حقًّا على التاريخ فتسوغ له أن يهدم فيه ويبني، فهي وحدها مأخوذة بعبثه، مسئولة بخطئه، محاسبة على ما يجني، ونحن على ذلك نرفع إليها هذه المسائل التي نريد أن نناظرها فيها لنكشف لها عن حقيقة أستاذها، ولتعلم إن كانت لما تعلم أن الرجل مفسد لا مصلح، وملفق لا محقق، وأن مأتى ذلك فيه من ضعف اطلاعه على مادة التاريخ الأدبي فهو يتوسع بالثرثرة، ومن نقص خياله فهو يتزيد بالشك، ومن انحطاط قوته البيانية فهو يتماسك بمحامل الجدل.

نسأل إدارة الجامعة:
  • (١)

    هل قرر أستاذها أن المسلمين مَحَوْا شعر النصارى واليهود ومنعوا روايته؛ خوفًا على الإسلام، فمن أجل ذلك لم ينتهِ إلينا من شعرهم شيء؟

  • (٢)

    وأنه لا يوجد شعر جاهلي بل هو مصنوع بعد الإسلام، وأن هذا الجاهلي لا يُستشهد به على القرآن، بل القرآن هو الذي يحتج به للشعر؟

  • (٣)

    وأن العصر الجاهلي الذي ضاع شعره قد حُفظ؛ لأن القرآن الكريم يمثله؟!

  • (٤)

    وأن الغزل المروي لامرئ القيس هو لعمر بن أبي ربيعة؟

ونقتصر من خلط الرجل على هذه المسائل الأربع.

نسأل إدارة الجامعة هل قرر أستاذها كل ذلك في دروسه التي تأجره عليها من مال الأمة أم لا؟ وما هي أدلته؟ بل ما هي أدلتها — فلم يعد الرجل كاتبًا في جريدة السياسة لا يجيب إلا بالشتم ولا يبالي وهي تنشر له ولا تعبأ — ولا نظنه يملك أن يقول لمدير الجامعة كما قال لرئيس تحرير السياسة: أغضبتك في السنة الماضية فأثنيت على الرافعي في مقال صدرت به كتابك، وهأنذا أعتذر إليك فانسَ السنة الماضية وانزل لي عن هذا الفصل، أما إنه قد باعد الله بين صاحب هذا القول وبين الفهم، كأن رئيس تحرير السياسة لا يكتب للحق ولا يرى من رأي للحق، بل للغضب والرضا ولا ثالث لهما؛ أليس من المضحك أن يكون صاحب هذا الكلام المعكوس هو أستاذ الأدب العربي في الجامعة؟

وماذا بمصر من المضحكات
وحسبك طه حسين بها
ولكنه ضحك كالبكا
على علمها وعلى كتبها
١  كانت الجامعة المصرية قائمة بنفسها تنفق من الأوقاف المحبوسة عليها فلم تفلح؛ فسلموها لوزارة المعارف في سنة ١٩٢٥؛ إبقاءً عليها أن تندرس! وسلموا معها طه حسين، واشترطوا بقاءه مدرسًا، فبهذا الشرط لا بعلمه بقي فيها!
٢  كانت الجامعة قد شرعت تضع قانونًا يمنع كل أساتذتها من العزل، والمراد من كل أساتذتها أحد أساتذتها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤