الفصل الثاني

مُقَابَلَةُ الْجَدِّ

كَانَتْ هايدي مُسْتَمْتِعَةً بِمُرَاقَبَةِ الْمَعْزِ وَالْوَلَدِ الَّذِي يَقُودُهَا. كَافَحَتْ حَتَّى تُجَارِيَهُ بَيْنَمَا يَقْفِزُ هُوَ مِنْ صَخْرَةٍ إِلَى أُخْرَى. كَانَتْ طَبَقَاتُ الْمَلَابِسِ الَّتِي تَرْتَدِيهَا تَمْنَعُهَا مِنْ الِاقْتِرَابِ بِمَا يَكْفِي حَتَّى تَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ.

فَجْأَةً جَلَسَتْ هايدي عَلَى الْأَرْضِ. وَبَدَأَتْ فِي خَلْعِ حِذَائِهَا وَجَوَارِبِهَا بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ لِأَصَابِعِهَا الصَّغِيرَةِ أَنْ تَتَحَرَّكَ. عِنْدَمَا فَرَغَتْ مِنْ ذَلِكَ، خَلَعَتِ الشَّالَ الْأَحْمَرَ الْمَلْفُوفَ حَوْلَهَا وَأَلْقَتْهُ، ثُمَّ خَلَعَتْ مِعْطَفَهَا أَيْضًا. كَانَ يُوجَدُ مِعْطَفٌ آخَرُ لِتَخْلَعَهُ. كَانَتْ خَالَتُهَا قَدْ وَضَعَتْ مِعْطَفَ يَوْمِ الْأَحَدِ فَوْقَ مِعْطَفِهَا الْيَوْمِيِّ حَتَّى تُجَنِّبَهَا حَمْلَهُ. بِسُرْعَةِ الْبَرْقِ، كَانَتْ قَدْ خَلَعَتْ هَذَا أَيْضًا. وَقَفَتْ هايدي. كَانَتِ الْآنَ تَرْتَدِي قَمِيصَهَا التَّحْتِيَّ الَّذِي بَدَأَتْ بِهِ هَذَا الصَّبَاحَ. جَمَعَتْ كُلَّ مَلَابِسِهَا مَعًا فِي كَوْمَةٍ صَغِيرَةٍ مُرَتَّبَةٍ ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَقْفِزُ وَتَتَسَلَّقُ خَلْفَ بيتر وَالْمَعْزِ.

لَمْ يَكُنْ بيتر قَدْ لَاحَظَ الْفَتَاةَ. وَعِنْدَمَا رَآهَا تَظْهَرُ أَمَامَهُ فَجْأَةً فِي مَلَابِسِهَا الدَّاخِلِيَّةِ، ارْتَسَمَتْ عَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ عَرِيضَةٌ. اسْتَجْوَبَتْهُ هايدي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ بَدْءًا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ الْمَعْزُ إِلَى سُؤَالِهِ عَنْ عَدَدِهَا. كَانَتْ قَدِ اسْتَغْرَقَتْ فِي حَدِيثِهَا حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ ديتا.

– «هايدي، مَاذَا كُنْتِ تَفْعَلِينَ؟ مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِهِ بِنَفْسِكِ؟! وَأَيْنَ مِعْطَفَاكِ وَالشَّالُ الْأَحْمَرُ؟ وَالْحِذَاءُ الْجَدِيدُ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ وَالْجَوَارِبُ الْجَدِيدَةُ الَّتِي صَنَعْتُهَا مِنْ أَجْلِكِ؟ لَقَدْ ضَاعَ كُلُّ شَيْءٍ! لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ وَاحِدٌ! فِيمَ كُنْتِ تُفَكِّرِينَ يَا هايدي؟ أَيْنَ مَلَابِسُكِ كُلُّهَا؟»

أَشَارَتِ الطِّفْلَةُ بِهُدُوءٍ إِلَى بُقْعَةٍ فِي جَانِبِ الْجَبَلِ لِأَسْفَلَ وَأَجَابَتْ: «هُنَاكَ فِي الْأَسْفَلِ.» نَظَرَتْ ديتا إِلَى حَيْثُ يُشِيرُ إِصْبَعُهَا. لَمْ تَسْتَطِعْ سِوَى تَمْيِيزِ شَيْءٍ مَا مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ. كَانَ فَوْقَ الْكَوْمَةِ شَيْءٌ أَحْمَرُ، اسْتَنْتَجَتْ أنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّالَ.

قَالَتْ ديتا بِغَضَبٍ: «أَيَّتُهَا الطِّفْلَةُ الْفَاسِدَةُ! مَاذَا دَفَعَكِ لِلْقِيَامِ بِشَيْءٍ كَهَذَا؟ مَا الَّذِي جَعَلَكِ تَخْلَعِينَ مَلَابِسَكِ؟ مَاذَا تَعْنِينَ بِذَلِك؟»

قَالَتِ الطِّفْلَةُ: «لَا أُرِيدُ أَيَّ مَلَابِسَ.»

– «أَيَّتُهَا الطِّفْلَةُ الْأَنَانِيَّةُ! أَلَيْسَ لَدَيْكِ أَيُّ عَقْلٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ؟» كَانَتْ خَالَتُهَا غَاضِبَةً بِشِدَّةٍ. «مَنِ الَّذِي سَيَنْزِلُ كُلَّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ لِأَسْفَلَ لِإِحْضَارِهَا؟ سَيَسْتَغْرِقُ السَّيْرُ لِأَسْفَلَ نِصْفَ سَاعَةٍ! اذْهَبْ أَنْتَ يَا بيتر وَأَحْضِرْهَا لِي بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُكَ. انْطَلِقِ الْآنَ!»

أَطَاعَ بيتر الْأَمْرَ مُكْمِلًا الْمَسَافَةَ فِي أَقَلَّ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّتْهُ ديتا مُمْكِنًا. أَعْطَتْهُ عُمْلَةً نَظِيرَ سُرْعَتِهِ. أَشْرَقَ وَجْهُ بيتر بِالسَّعَادَةِ وَهُوَ يَضَعُهَا فِي جَيْبِهِ.

تَبِعَ الصَّبِيُّ ديتا وَهايدي فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ صُعُودِهِمَا. وَبَعْدَ حَوَالَيْ سَاعَةٍ، وَصَلُوا إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ. كَانَ كُوخُ الْجَدِّ يَقَعُ عَلَى مُنْحَدَرٍ صَخْرِيٍّ حَيْثُ يُمْكِنُ لِكُلِّ شُعَاعٍ مِنَ الشَّمْسِ أَنْ يَلْمسَهُ. كَمَا كَانَ لَدَيْهِ رُؤْيَةٌ كَامِلَةٌ لِلْوَادِي أَسْفَلَ مِنْهُ. كَانَ مَكَانًا جَمِيلًا.

كَانَ يَجْلِسُ خَارِجَ الْكُوخِ رَجُلٌ عَجُوزٌ يُرَاقِبُ الْأَشْخَاصَ الثَّلَاثَةَ الْقَادِمِينَ نَحْوَهُ. انْتَظَرَ بِصَبْرٍ أَنْ يَتَحَدَّثُوا أَوَّلًا.

قَالَتْ هايدي: «مَسَاءُ الْخَيْرِ يَا جَدِّي.» لَمْ تَكُنِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ خَجُولَةً فِي كَلِمَاتِهَا.

سَأَلَ جَدُّهَا بِخُشُونَةٍ: «مَا مَعْنَى هَذَا؟» صَافَحَ الطِّفْلَةَ مُصَافَحَةً سَرِيعَةً وَنَظَرَ لَهَا مِنْ تَحْتِ حَاجِبَيْهِ الْكَثِيفَيْنِ.

حَدَّقَتْ هايدي فِي وَجْهِهِ. لَمْ تَسْتَطِعْ رَفْعَ نَظَرِهَا عَنْ وَجْهِهِ! كَانَ الْجَدُّ الَّذِي أَمَامَهَا لَدَيْهِ لِحْيَةٌ طَوِيلَةٌ وَحَاجِبَانِ كَثَّانِ مُتَّصِلَانِ فَوْقَ أَنْفِهِ، وَكَأَنَّهُمَا شُجَيْرَةٌ كَثِيفَةُ الْأَوْرَاقِ.

قَالَتْ ديتا عِنْدَمَا وَصَلَتْ هِيَ وَبيتر أَخِيرًا إِلَى الرَّجُلِ الْعَجُوزِ: «عِمْتَ صَبَاحًا. لَقَدْ أَحْضَرْتُ لَكَ طِفْلَةَ توبياس وَأديلهايد. لَعَلَّكَ لَمْ تَتَعَرَّفْ عَلَيْهَا، فَأَنْتَ لَمْ تَرَهَا مُنْذُ أَنْ كَانَتْ رَضِيعَةً.»

سَأَلَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ: «وَمَا عَلَاقَتُهَا بِي؟ وَأَنْتَ يَا صَبِيُّ، اخْرُجْ مِنْ هُنَا أَنْتَ وَمَعْزُكَ! وَخُذْ مَعْزِي مَعَكَ!»

نَظْرَةٌ وَاحِدَةٌ إِلَى الرَّجُلِ الْعَجُوزِ جَعَلَتْ بيتر يُطِيعُ فِي الْحَالِ. كَانَ مِنَ السَّهْلِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْهَمَ أَنَّ جَدَّ هايدي يُرِيدُهُ أَنْ يَخْتَفِيَ مِنْ أَمَامِهِ.

قَالَتْ ديتا: «الطِّفْلَةُ هُنَا لِتَبْقَى مَعَكَ، لَقَدْ قُمْتُ بِوَاجِبِي بِرِعَايَتِهَا خِلَالَ السَّنَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْمَاضِيَةِ. وَالْآنَ جَاءَ دَوْرُكَ.»

قَالَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ: «هَذَا كُلُّ شَيْءٍ؟» نَظَرَ لَهَا وَالشَّرَرُ يَتَطَايَرُ مِنْ عَيْنَيْهِ: «وَعِنْدَمَا تَبْدَأُ الطِّفْلَةُ فِي الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ بَعْدَ رَحِيلِكِ، كَمَا يَفْعَلُونَ عِنْدَمَا يَفْتَقِدُونَ مَنَازِلَهُمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، فَمَاذَا يُفْتَرَضُ أَنْ أَفْعَلَ مَعَهَا عِنْدَئِذٍ؟!»

زَمْجَرَتْ ديتا: «هَذِهِ مُشْكِلَتُكَ، لَقَدْ تَحَمَّلْتُهَا وَهِيَ رَضِيعَةٌ تَبْكِي عِنْدَمَا مَاتَتْ وَالِدَتُهَا. لَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ صَعْبًا بِمَا يَكْفِي أَنْ أَعْتَنِيَ بِأُمِّي وَبِنَفْسِي! الْآنَ لَدَيَّ الْفُرْصَةُ لِأَنْ أَخْرُجَ وَأَشْعُرَ بِاسْتِقْلَالِيَّتِي. لَا يُمْكِنُنِي تَفْوِيتُ تِلْكَ الْفُرْصَةِ. أَنْتَ أَقْرَبُ أَقَارِبِهَا. أَنْتَ الْمَسْئُولُ عَنْهَا الْآنَ. وَضَعْ فِي اعْتِبَارِكَ أَنَّكَ سَتَتَحَمَّلُ الْمَسْئُولِيَّةَ إِذَا حَدَثَ لِلْفَتَاةِ أَيُّ شَيْءٍ.»

لَمْ يُحِبَّ جَدُّ هايدي الطَّرِيقَةَ الَّتِي تَحَدَّثَتْ بِهَا ديتا مَعَهُ. وَكَانَتْ ديتا تَعْلَمُ أَنَّ تَرْكَ طِفْلَةٍ صَغِيرَةٍ كَهَذِهِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الْعَجُوزِ شَيْءٌ فَظِيعٌ. وَشَعَرَتْ بِالْخِزْيِ وَالْإِحْرَاجِ وَهُوَ يَطْرُدُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ.

فَقَالَتْ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «وَدَاعًا لَكَ إِذَنْ، وَلَكِ أَنْتِ أَيْضًا يَا هايدي.» اسْتَدَارَتْ سَرِيعًا ثُمَّ بَدَأَتْ فِي الْجَرْيِ نَحْوَ أَسْفَلِ الْجَبَلِ.

سَمِعَتْ ديتا صَيْحَاتِ الْجِيرَانِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَ الْأَبْوَابِ وَالنَّوَافِذِ الْمَفْتُوحَةِ وَهِيَ تَمُرُّ مِنْ أَمَامِهِمْ وَهُمْ يَسْأَلُونَهَا: «أَيْنَ الطِّفْلَةُ؟ أَيْنَ تَرَكْتِ الطِّفْلَةَ؟»

فَتَحَتَ فَمَهَا وَلَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعِ الرَّدَّ. لَقَدْ تَرَكَتْهَا وَحْدَهَا مَعَ رَجُلٍ عَجُوزٍ كَانَ الْجَمِيعُ يَعْلَمُونَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَطِيفًا بِمَا يَكْفِي. هَلْ سَتَتَوَقَّفُ صَيْحَاتُهُمْ عَنِ التَّرَدُّدِ فِي أُذُنَيْهَا أَبَدًا؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤