الفصل الأول

الْأَرْنَبُ بيتر يُدَبِّرُ خُدْعَةً

شَيْطَانُ الْأَذَى، وَيَا لَلْأَسَفِ، مَشْغُولٌ يَعْمَلُ دُونَ كَلَلٍ.

لِهَذَا يَقَعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْمُشْكِلَاتِ دَائِمًا وَأَبَدًا؛ فَشَيْطَانُ الْأَذَى لَا يَهْدَأُ، لَا يَهْدَأُ إِلَّا مُضْطَرًّا، فَمَا إِنْ يُسْمَحْ لَهُ بِالْبَدْءِ فِي عَمَلِهِ، لَا يَعْلَمْ أَحَدٌ مَتَى يَنْتَهِي. كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر قَدْ رَأَى لِتَوِّهِ الظَّرِبَانَ جيمي يَخْتَفِي دَاخِلَ بِرْمِيلٍ مُلْقًى عَلَى جَانِبِهِ فَوْقَ التَّلِّ، وَعَلَى الْفَوْرِ بَدَأَ شَيْطَانُ الْأَذَى يُوَسْوِسُ لِبيتر. بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِبيتر أَنْ يُنْصِتَ لَهُ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ فَعَلَ؛ فَكَمَا تَعْرِفُونَ، بيتر مُولَعٌ بِالْحِيَلِ حِينَ يَكُونُ الْآخَرُونَ ضَحِيَّتَهَا. وَهَكَذَا، ظَلَّ بيتر فِي مَكْمَنِهِ، وَأَخَذَ يَتَطَلَّعُ لِيَرَى إِذَا كَانَ جيمي سَيَخْرُجُ مِنَ الْبِرْمِيلِ، وَلَكِنَّ جيمي لَمْ يَخْرُجْ، وَبَعْدَ بُرْهَةٍ تَسَلَّلَ بيتر إِلَى مَوْضِعِ الْبِرْمِيلِ وَاخْتَلَسَ النَّظَرَ بِدَاخِلِهِ، وَهُنَاكَ رَأَى الظَّرِبَانَ جيمي مُتَكَوِّرًا عَلَى نَفْسِهِ فِي إِغْفَاءَةٍ.

سَارَ بيتر مُبْتَعِدًا عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ بِهُدُوءٍ بَالِغٍ. وَطَوَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ شَيْطَانُ الْأَذَى يُوَسْوِسُ لِبيتر بِأَنَّ هَذِهِ فُرْصَةٌ رَائِعَةٌ لِتَدْبِيرِ خُدْعَةٍ لِجيمي؛ فَمَا أَسْهَلَ أَنْ تُدَبِّرَ خُدْعَةً لِشَخْصٍ نَائِمٍ! وَنَادِرًا مَا تُتَاحُ لِبيتر فُرْصَةٌ لِلسُّخْرِيَةِ مِنْ جيمي؛ فَذَلِكَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ مَأْمُونٍ إِذَا كَانَ جيمي مُسْتَيْقِظًا، وَبيتر خَيْرُ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. جَلَسَ بيتر عَلَى مَسَافَةٍ مِنَ الْبِرْمِيلِ تَسْمَحُ لَهُ بِمُرَاقَبَتِهِ، ثُمَّ اسْتَغْرَقَ فِي تَفْكِيرٍ عَمِيقٍ. كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُدَبِّرَ حِيلَةً لِجيمي، وَلَكِنَّ بيتر — كَمُعْظَمِ الْأَشْخَاصِ كَثِيرِي الدُّعَابَةِ — لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي أَنْ تَنْقَلِبَ عَلَيْهِ دُعَابَتُهُ، بَلْ إِنَّ بيتر شَعَرَ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ كَثِيرًا أَلَّا يَعْرِفَ جيمي أَنَّ لَهُ — أَيْ بيتر — أَيَّةَ صِلَةٍ بِالدُّعَابَةِ.

وَبَيْنَمَا بيتر غَارِقٌ فِي أَفْكَارِهِ، تَصَادَفَ أَنْ وَقَعَتْ عَيْنَاهُ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَهُنَاكَ رَأَى شَيْئًا أَحْمَرَ اللَّوْنِ، فَأَمْعَنَ فِيهِ النَّظَرَ، وَسُرْعَانَ مَا أَدْرَكَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ الثَّعْلَبَ ريدي؛ فَبَدَأَ عَقْلُ بيتر النَّشِطُ فِي التَّخْطِيطِ لِلْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُهُ بِهَا اسْتِغْلَالُ الثَّعْلَبِ ريدي لِتَدْبِيرِ خُدْعَةٍ لِجيمي. وَفِي لَمْحِ الْبَصَرِ، خَطَرَتْ بِبَالِهِ فِكْرَةٌ، جَعَلَتْهُ يَنْفَجِرُ ضَاحِكًا؛ فَقَدْ كَانَ شَيْطَانُ الْأَذَى شَدِيدَ الِانْشِغَالِ بِالْوَسْوَسَةِ لِبيتر.

فَكَّرَ بيتر قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «لَوْ أَنَّ ريدي يَأْتِي إِلَى هُنَا، أَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَكُونُ بِإِمْكَانِي أَنْ أُنَفِّذَ فِكْرَتِي، وَسَأَجْعَلُ مِنْ ريدي أَيْضًا أُضْحُوكَةً مِثْلَمَا سَأَفْعَلُ بِجيمي.» وَانْفَجَرَ ضَاحِكًا مَرَّةً أُخْرَى.

هُنَا سَمِعَ بيتر صَوْتًا يَقُولُ لَهُ سَائِلًا: «عَلَامَ تَضْحَكُ؟!» كَانَ ذَلِكَ صَوْتَ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي.

وَفَجْأَةً خَطَرَتْ عَلَى بَالِ بيتر خُطَّةٌ لِدَفْعِ الثَّعْلَبِ ريدي إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْهِ. سَيُثِيرُ غَضَبَ سامي؛ مِمَّا سَيَدْفَعُ سامي إِلَى الصُّرَاخِ. وَهَكَذَا، سَيَأْتِي إِلَيْهِ ريدي بِالتَّأْكِيدِ لِيَرَى سَبَبَ الْجَلَبَةِ الَّتِي يُحْدِثُهَا سامي. وَسامي سَرِيعُ الْغَضَبِ، وَبيتر خَيْرُ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ. وَهَكَذَا، عِوَضًا عَنِ الرَّدِّ عَلَى سامي بِأَدَبٍ — كَمَا كَانَ يَنْبَغِي — تَحَدَّثَ بيتر فِي حِدَّةٍ قَائِلًا:

«حَلِّقْ بَعِيدًا عَنْ هُنَا، يَا سامي، حَلِّقْ بَعِيدًا عَنْ هُنَا! لَا شَأْنَ لَكَ بِمَا أَضْحَكُ عَلَيْهِ.»

فَاشْتَاطَ سامي غَضَبًا عَلَى الْفَوْرِ، وَبَدَأَ فِي تَوْجِيهِ السِّبَابِ لِبيتر، وَبيتر يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ مِمَّا زَادَ سامي غَضَبًا، وَنَظَرًا لِأَنَّهُ دَائِمًا مَا يَصْرُخُ حِينَ يَكُونُ غَاضِبًا، فَإِنَّهُ سُرْعَانَ مَا بَدَأَ يُحْدِثُ جَلَبَةً عَالِيَةً لِدَرَجَةِ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لَمْ يَسَعْهُ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَهَا، فَرَآهُ بيتر يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيُنْصِتَ، وَفِي غُضُونِ بِضْعِ لَحَظَاتٍ، بَدَأَ الثَّعْلَبُ يُهَرْوِلُ تِجَاهَهُمَا. كَانَ آتِيًا لِمَعْرِفَةِ سَبَبِ كُلِّ تِلْكَ الضَّوْضَاءِ، وَكَانَ بيتر يَعْلَمُ أَنَّ ريدي لَنْ يَأْتِيَ بِالطَّرِيقِ الْمُبَاشِرِ؛ فَهَذَا لَيْسَ طَبْعَ ريدي، بَلْ إِنَّهُ سَيَتَسَلَّلُ مِنْ خَلْفِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَ أَطْرَافِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ خَلْفَ بيتر، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَرَى مَا يَحْدُثُ دُونَ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ.

فَكَّرَ بيتر قَائِلًا لِنَفْسِهِ: «مَا إِنْ يَرَنِي، حَتَّى يَعْتَقِدَ أَنَّ الْفُرْصَةَ قَدْ سَنَحَتْ لَهُ أَخِيرًا لِيُمْسِكَ بِي، وَسَيَكُونُ عَلَيَّ أَنْ أَجْرِيَ بِأَقْصَى سُرْعَتِي، لَكِنْ إِذَا سَارَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ، فَإِنَّهُ سُرْعَانَ مَا سَيَنْسَى أَمْرِي تَمَامًا. أَتَمَنَّى أَلَّا تَتَسَبَّبَ الضَّوْضَاءُ الَّتِي يُحْدِثُهَا طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي فِي إِيْقَاظِ الظَّرِبَانِ جيمي وَدَفْعِهِ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْبِرْمِيلِ لِيَرَى مَا الْأَمْرُ.»

وَهَكَذَا بِعَيْنٍ عَلَى الْبِرْمِيلِ حَيْثُ يَغْفُو الظَّرِبَانُ جيمي، وَعَيْنٍ عَلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي يَتَوَقَّعُ أَنْ يَتَسَلَّلَ الثَّعْلَبُ ريدي مِنْ خَلْفِهِ؛ انْتَظَرَ بيتر غَيْرَ عَابِئٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالشَّتَائِمِ الَّتِي يَكِيلُهَا لَهُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤