الفصل العاشر

مِحْنَةُ الْأَرْنَبِ بيتر

لَمْ يَأْسَفْ أَحَدٌ عَلَى خِدَاعِ الْآخَرِينَ مِثْلَمَا فَعَلَ بيتر آنَذَاكَ، لَكِنْ أَخْشَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ آسِفًا لِلْأَسْبَابِ الصَّحِيحَةِ؛ فَبيتر لَمْ يَكُنْ يَشْعُرُ بِالْأَسَفِ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ لِجيمي وَريدي، وَإِنَّمَا بِسَبَبِ مَا حَدَثَ لَهُ هُوَ؛ فَقَدْ كَانَ جَالِسًا فِي حُجْرَةِ نَوْمِ مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ، يَشْعُرُ بِالْوَخْزِ وَالْأَلَمِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ جِسْمِهِ بِسَبَبِ الرِّمَاحِ الصَّغِيرَةِ الْحَادَّةِ الَّتِي تَحْمِلُهَا الدَّبَابِيرُ الصَّفْرَاءُ الَّتِي أَتَتْ بِهِ إِلَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ السُّفْلِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تُتَاحَ لَهُ فُرْصَةُ رُؤْيَةِ مَا حَدَثَ لِلثَّعْلَبِ ريدي. كَانَ ذَلِكَ سَيِّئًا بِمَا يَكْفِي، لَكِنَّ مَا أَقْلَقَ بيتر أَكْثَرَ كَانَ فِكْرَةَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَرَّةً أُخْرَى دُونَ مُوَاجَهَةِ تِلْكَ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ السَّرِيعَةِ الْغَضَبِ، وَقَدْ تَمَنَّى بيتر مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ لَوْ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ بِوُجُودِ عُشِّ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ فِي مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني قَبْلَ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الِاخْتِبَاءِ فِيهِ.

لَكِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمْنِيَّاتِ مِنْ أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ الْعَدِيمَةِ الْفَائِدَةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ؛ فَهِيَ لَمْ تَكُنْ لِتُسَاعِدَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. كَانَ يَشْعُرُ بِآلَامٍ وَأَوْجَاعٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَتَخَيَّلُ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَمِلَ وَلَوْ لَدْغَةً وَاحِدَةً أُخْرَى، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَيْضًا كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَنْزِلِ دُونَ تَلَقِّي عِدَّةِ لَدَغَاتٍ أُخْرَى. وَفَجْأَةً طَرَأَتْ عَلَى ذِهْنِهِ فِكْرَةٌ مُطَمْئِنَةٌ؛ فَقَدْ تَذَكَّرَ أَنَّ الْخُلْدَ جوني دَائِمًا مَا يَكُونُ لَدَيْهِ بَابٌ خَلْفِيٌّ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَسَوْفَ تُصْبِحُ الْأُمُورُ عَلَى مَا يُرَامُ، وَهَمَّ لِتَقَصِّي ذَلِكَ الْأَمْرِ. أَخْرَجَ بيتر رَأْسَهُ بِحَذَرٍ مِنْ حُجْرَةِ النَّوْمِ الصَّغِيرَةِ؛ فَرَأَى أَمَامَهُ الرَّدْهَةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي أَتَى عَبْرَهَا، وَبِالْفِعْلِ كَانَ ثَمَّةَ رَدْهَةٌ أُخْرَى! لَا بُدَّ أَنَّهَا الطَّرِيقُ إِلَى الْبَابِ الْخَلْفِيِّ، فَتَسَلَّلَ بيتر عَبْرَ الرَّدْهَةِ بِحَذَرٍ.

هُنَا فَكَّرَ قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «غَرِيبٌ أَنَّنِي لَا أَرَى أَيَّ ضَوْءٍ أَمَامِي.»

هُنَالِكَ، ارْتَطَمَ أَنْفُهُ … أَجَلِ، ارْتَطَمَ أَنْفُ بيتر بِنِهَايَةِ تِلْكَ الرَّدْهَةِ؛ فَقَدْ كَانَ الْمَنْزِلُ قَدِيمًا، وَمِثْلَ مُعْظَمِ الْمَنَازِلِ الْقَدِيمَةِ، كَانَ مُتَدَاعِيًا إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ. عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، كَانَ الْبَابُ الْخَلْفِيُّ مَسْدُودًا بِحَجَرٍ عِمْلَاقٍ، وَقَدْ تَهَدَّمَتْ حَوَائِطُ الرَّدْهَةِ الْخَلْفِيَّةُ. وَهَكَذَا، لَمْ يَكُنْ مِنْ سَبِيلٍ لِلْخُرُوجِ؛ فَعَادَ بيتر أَدْرَاجَهُ إِلَى حُجْرَةِ النَّوْمِ فِي حُزْنٍ. كَانَ سَيَنْتَظِرُ إِلَى أَنْ يَجِنَّ اللَّيْلُ؛ فَرُبَّمَا تَكُونُ الدَّبَابِيرُ الصَّفْرَاءُ قَدْ نَامَتْ حِينَهَا، فَيَتَمَكَّنَ مِنَ التَّسَلُّلِ مِنَ الطَّرِيقِ الْأَمَامِيِّ دُونَ أَنْ يَتَلَقَّى أَيَّةَ لَدَغَاتٍ أُخْرَى، وَإِلَى أَنْ يَأْتِيَ اللَّيْلُ، كَانَ سَيُحَاوِلُ أَخْذَ قَيْلُولَةٍ وَيَنْسَى آلَامَهُ وَأَوْجَاعَهُ.

وَمَا إِنْ تَكَوَّرَ بيتر عَلَى نَفْسِهِ لِيَغْفُوَ حَتَّى سَمِعَ صَوْتًا. كَانَ الصَّوْتُ يَبْدُو كَأَنَّهُ قَادِمٌ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، لَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَصْدَرَهُ جَيِّدًا، كَانَ آتِيًا مِنْ مَدْخَلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الْقَدِيمِ، وَكَانَ يَعْرِفُ أَيْضًا صَاحِبَ الصَّوْتِ؛ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ صَوْتَ الظَّرِبَانِ جيمي.

قَالَ الصَّوْتُ: «أَنَا أَعْرِفُ أَيْنَ أَنْتَ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر، وَأَعْرِفُ سَبَبَ اخْتِبَائِكَ بِالْأَسْفَلِ، وَأَعْرِفُ أَيْضًا مَا الَّذِي جَعَلَنِي أَتَدَحْرَجُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ فِي ذَلِكَ الْبِرْمِيلِ. إِنَّنِي أُعْطِيكَ إِنْذَارًا بَسِيطًا فَحَسْبُ يَا بيتر، ثَمَّةَ الْكَثِيرُ مِنَ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ الْغَاضِبَةِ هُنَا، كَمَا سَتَرَى بِنَفْسِكَ إِذَا مَا حَاوَلْتَ الْخُرُوجَ مِنْ مَخْبَئِكَ قَبْلَ حُلُولِ الظَّلَامِ. أَنَا ذَاهِبٌ الْآنَ، لَكِنِّي سَأَعُودُ عِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ لِأَنْتَظِرَكَ؛ فَقَدْ أَرْغَبُ فِي تَدْبِيرِ خُدْعَةٍ صَغِيرَةٍ أَرُدُّ لَكَ بِهَا الْخُدْعَةَ الَّتِي دَبَّرْتَهَا لِي.»

وَقَدْ وَضَعَ هَذَا الْكَلَامُ نِهَايَةً لِأَيِّ أَمَلٍ لَدَى الْأَرْنَبِ بيتر فِي النَّوْمِ؛ فَقَدْ أَخَذَ يَرْتَعِدُ وَهُوَ يُفَكِّرُ فِيمَا قَدْ يَحْدُثُ لَهُ إِذَا مَا أَمْسَكَ بِهِ الظَّرِبَانُ جيمي. وَهَكَذَا، فَبِسَبَبِ آلَامِهِ وَأَوْجَاعِهِ مِنْ لَدَغَاتِ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ، وَخَوْفِهِ مِنْ أَنْ يُمْسِكَ جيمي بِهِ، صَارَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَنَامَ؛ كَانَ شِبْهَ مُسْتَعِدٍّ لِمُوَاجَهَةِ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ عِوَضًا عَنْ الِانْتِظَارِ وَمُقَابَلَةِ الظَّرِبَانِ جيمي، وَخَرَجَ مَرَّتَيْنِ إِلَى الرَّدْهَةِ الطَّوِيلَةِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَعُودُ أَدْرَاجَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ احْتِمَالَ الْمَزِيدِ مِنَ اللَّدَغَاتِ. كَانَ بَائِسًا، أَجَلْ كَانَ بَائِسًا، وَقَدِ اضْطَرَبَ عَقْلُهُ وَجَسَدُهُ.

قَالَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَكَادُ يَبْكِي: «لَيْتَنِي لَمْ أُفَكِّرْ فِي تِلْكَ الْخُدْعَةِ، كُنْتُ أَظُنُّهَا خُدْعَةً رَائِعَةً، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ خَطَأً، لَقَدْ كَانَتْ خُدْعَةً بَغِيضَةً وَدَنِيئَةً. لِمَاذَا؟! لِمَاذَا فَكَّرْتُ فِيهَا؟!»

حِينَذَاكَ كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي قَدْ غَادَرَ الْمَكَانَ كَاتِمًا ضَحْكَاتِهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤