الفصل الثاني عشر

الظَّرِبَانُ جيمي يَلْتَقِي الْعَمَّ بيلي الْأَبُوسُومَ

سَارَ الظَّرِبَانُ جيمي مُتَهَادِيًا عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. لَمْ يُسْرِعِ الْخُطَى، فَجيمي لَا يُسْرِعُ أَبَدًا؛ فَالْعَجَلَةُ وَالْقَلَقُ أَمْرَانِ يَتْرُكُهُمَا لِجِيرَانِهِ. وَكَانَ جيمي يَتَوَقَّفُ مِنْ آنٍ لِآخَرَ لِيَقْلِبَ قِطْعَةً مِنْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ عَصًا، آمِلًا فِي إِيجَادِ بَعْضِ الْخَنَافِسِ السَّمِينَةِ، لَكِنْ كَانَ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا آخَرَ بِبَالِهِ غَيْرَ الْخَنَافِسِ السَّمِينَةِ.

سَارَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ مُتَثَاقِلًا عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ يَسِيرُ مُسْرِعًا؛ فَحَرَارَةُ الْجَوِّ كَانَتْ تَمْنَعُهُ مِنَ الْإِسْرَاعِ. وَعَلَى عَكْسِ الظَّرِبَانِ جيمي، كَانَ الْعَمُّ بيلي يُسْرِعُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، خَاصَّةً حِينَ يَشُكُّ أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر فِي الْجِوَارِ، وَأَحْيَانًا يَشْعُرُ بِالْقَلَقِ أَيْضًا؛ فَبَعْضُ الْأَشْخَاصِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْعَمَّ بيلي يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ عَشَاءً شَهِيًّا، لَكِنَّ الْعَمَّ بيلي لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ. وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، هُوَ لَا يَرْغَبُ فِي طَرْحِ الْمَوْضُوعِ لِلتَّجْرِبَةِ، فَمِنْ حِينٍ لِآخَرَ، حِينَ يَجِدُ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ عَشَاءً شَهِيًّا، يَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنَ الْقَلَقِ.

لَكِنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَكُنِ الْعَمُّ بيلي مُتَعَجِّلًا وَلَا قَلِقًا؛ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ دَاعٍ لِذَلِكَ، وَالْعَمُّ بيلي لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لَا دَاعِيَ لَهُ. هَكَذَا، كَانَ الْعَمُّ بيلي يَسِيرُ مُتَثَاقِلًا فِي الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ، وَكَانَ جيمي يَسِيرُ مُتَهَادِيًا فِي الِاتِّجَاهِ الْمُعَاكِسِ مِنَ الطَّرِيقِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَ أَحَدِ مُنْعَطَفَاتِ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ الْتَقَيَا.

ابْتَسَمَ الظَّرِبَانُ جيمي وَقَالَ: «مَرْحَبًا أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي، هَلْ رَأَيْتَ أَيَّةَ خَنَافِسَ سَمِينَةٍ هَذَا الصَّبَاحَ؟»

فَأَجَابَ الْعَمُّ بيلي قَائِلًا: «صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ، لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَجْزِمَ بِأَنَّنِي رَأَيْتُ أَيًّا مِنْهَا. كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ.»

جَلَسَ جيمي وَنَظَرَ إِلَى الْعَمِّ بيلي بِعَيْنَيْنِ لَامِعَتَيْنِ، ثُمَّ رَاحَتِ ابْتِسَامَتُهُ تَتَّسِعُ إِلَى أَنْ تَحَوَّلَتْ إِلَى ضَحْكَةٍ خَافِتَةٍ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي، هَلْ سَبَقَ لَكَ فِي حَيَاتِكَ أَنْ مَشَّطْتَ شَعْرَكَ أَوْ فِرَاءَكَ؟» فَكَمَا تَعْلَمُونَ، الْعَمُّ بيلي دَائِمًا مَا يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ تَتَّجِهُ فِي نَاحِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنِ الْأُخْرَى، بَيْنَمَا يَبْدُو الظَّرِبَانُ جيمي دَائِمًا أَنِيقًا كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَقْضِي نِصْفَ وَقْتِهِ فِي تَمْشِيطِ وَتَهْذِيبِ فِرَائِهِ الْجَمِيلِ ذِي اللَّوْنَيْنِ الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ.

لَمَعَتْ عَيْنَا الْعَمِّ بيلي، وَقَالَ دُونَ أَنْ يَبْتَسِمَ: «أَعْتَقِدُ أَنَّنِي فَعَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حِينَ كُنْتُ صَغِيرًا يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ، وَلَكِنْ يَبْدُو لِي هَذَا الْأَمْرُ مَضْيَعَةً كَبِيرَةً لِلْوَقْتِ، وَأَنَا لَدَيَّ أَشْيَاءُ أَهَمُّ أُعْنَى بِهَا. بِالْمُنَاسَبَةِ يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ، هَلْ سَبَقَ أَنْ فَرَرْتَ هَارِبًا مِنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِكَ؟»

بَدَتْ عَلَى جيمي الدَّهْشَةُ مِنَ السُّؤَالِ، وَرَاحَ يَحُكُّ رَأْسَهُ مُفَكِّرًا، وَبَعْدَ بُرْهَةٍ قَالَ: «لَا أَذْكُرُ شَيْئًا كَهَذَا.» وَاسْتَطْرَدَ مُضِيفًا بِضَحْكَةٍ قَصِيرَةٍ خَشِنَةٍ: «مُعْظَمُ الْكَائِنَاتِ الْأُخْرَى تَفِرُّ مِنِّي، وَمَنْ لَا يَفِرُّونَ، دَائِمًا مَا يَكُونُونَ مُهَذَّبِينَ وَيَبْتَعِدُونَ عَنْ طَرِيقِي. رُبَّمَا كُنْتُ قَدْ فَرَرْتُ مِنْ أَحَدٍ مَا، حِينَ كُنْتُ صَغِيرًا جِدًّا وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا عَنِ الْعَالَمِ الْوَاسِعِ وَالْكَائِنَاتِ الَّتِي تَعِيشُ فِيهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ حَدَثَ، فَإِنَّنِي لَا أَذْكُرُهُ. لِمَ تَسْأَلُ أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي؟»

أَجَابَ الْعَمُّ بيلي، وَقَدِ ازْدَادَ بَرِيقُ عَيْنَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى: «أُوهْ! لَيْسَ لِسَبَبٍ مُحَدَّدٍ يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ، لَيْسَ لِسَبَبٍ مُحَدَّدٍ. إِنَّنِي فَقَطْ أَتَسَاءَلُ أَحْيَانًا إِنْ كُنَتَ تُدْرِكُ كَمْ أَنْتَ مَحْظُوظٌ. لَوْ لَمْ أَكُنْ مُضْطَرًّا لِلْقَلَقِ مِنْ جِيرَانِيَ الْجَوْعَى، أَعْتَقِدُ أَنَّنِي رُبَّمَا كُنْتُ مَشَّطْتُ فِرَائِي أَكْثَرَ.»

رَدَّ جيمي فِي حِكْمَةٍ: «إِنَّ الْقَلَقَ نَتِيجَةُ عَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ، وَالشَّخْصُ الَّذِي يَكُونُ مُسْتَعِدًّا، لَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْقَلَقِ. فَكِّرْ فِي الْأَمْرِ أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي.»

كَانَ هَذَا هُوَ دَوْرَ الْعَمِّ بيلي فِي حَكِّ رَأْسِهِ مُفَكِّرًا، ثُمَّ قَالَ: «أَخْشَى أَنَّنِي لَا أَفْهَمُ مَا تَعْنِيهِ يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ.»

أَجَابَهُ جيمي قَائِلًا: «اجْلِسْ أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي؛ فَسَوْفَ أَشْرَحُ لَكَ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤