الفصل الرابع عشر

عَنِ الْبَيْضِ

يَقُولُ جيمي: «مَا أَطْيَبَ الْبَيْضَ! مَا أَطْيَبَهُ مِنْ طَعَامٍ!»
وَتَقُولُ السَّيِّدَةُ طيهوجة: «مَا أَعَزَّ الْبَيْضَ! يَفْقِسُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ صِغَارِيَ الْأَحِبَّاءُ!»

هَكَذَا تَخْتَلِفُ الْآرَاءُ فِي الْبَيْضِ حَسَبَ وِجْهَةِ النَّظَرِ، مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ مَثَلُ الْكَثِيرِ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَى؛ فَالظَّرِبَانُ جيمي وَالْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ يَنْظُرَانِ إِلَى الْبَيْضِ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ يُؤْكَلُ. مَعِدَتَاهُمَا تَدْفَعَانِهِمَا إِلَى التَّفْكِيرِ فِي الْبَيْضِ، فَالْبَيْضُ طَعَامٌ مُنَاسِبٌ لِمَلْءِ الْبُطُونِ الْخَاوِيَةِ، وَمُجَرَّدُ التَّفْكِيرِ فِيهِ يَسِيلُ لَهُ لُعَابُ جيمي وَالْعَمِّ بيلي. هُمَا يَقُولَانِ إِنَّهُمَا «يُحِبَّانِ» الْبَيْضَ، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُحِبَّانِهِ، إِنَّهُ «يَطِيبُ» لَهُمَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُخْتَلِفٌ تَمَامًا.

وَلَكِنَّ السَّيِّدَةَ طيهوجة وَالْغَالِبِيَّةَ الْعُظْمَى مِنْ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ الْمَكْسُوِّينَ بِالرِّيشِ «يُحِبُّونَ» الْبَيْضَ بِحَقٍّ. فَفِي حَالَتِهِمُ، الْقَلْبُ — وَلَيْسَ الْمَعِدَةُ — هُوَ الَّذِي يَسْتَجِيبُ لِفِكْرَةِ الْبَيْضِ. فِي رَأْيِهِمْ، يَكَادُ الْبَيْضُ يَكُونُ عَزِيزًا كَصِغَارِهِمْ؛ لَأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا الْبَيْضَ فِي يَوْمٍ مَا — فِي يَوْمٍ مَا قَرِيبٍ جِدًّا — سَيَصِيرُ صِغَارَهُمْ. وَمِنَ الْمُؤْسِفِ أَنْ أَقُولَ إِنَّ بَعْضَ الْكَائِنَاتِ الْمَكْسُوَّةِ بِالرِّيشِ «تُحِبُّ» بَيْضَهَا، لَكِنَّهَا «يَطِيبُ» لَهَا أَكْلُ بَيْضِ الْآخَرِينَ، مَثَلُهَا مَثَلُ الظَّرِبَانِ جيمي وَالْعَمِّ بيلي، وَمِنْ هَؤُلَاءِ: الْغُرَابُ بلاكي، وَطَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي.

فَفِي فَصْلِ الرَّبِيعِ، كَثِيرًا مَا يَتَبَارَى سُكَّانُ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ الصِّغَارُ فِي اسْتِخْدَامِ ذَكَائِهِمْ؛ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَدَيْهِمْ بَيْضٌ، يُحَاوِلُونَ إِبْقَاءَ الْأَمْرِ سِرًّا، أَوْ يَبْنُونَ الْأَعْشَاشَ الَّتِي تَحْفَظُ الْبَيْضَ حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ مَنْ يَرْغَبُونَ فِي الْتِهَامِهِ الْوُصُولَ إِلَيْهِ، بَيْنَمَا يُحَاوِلُ مَنْ يَشْتَهُونَ الْبَيْضَ الْعُثُورَ عَلَيْهِ.

حِينَ غَيَّرَ الْعَمُّ بيلي الْمَوْضُوعَ فَجْأَةً بِسُؤَالِ الظَّرِبَانِ جيمي عَمَّا إِذَا كَانَ قَدْ رَأَى أَيَّ بَيْضٍ طَازَجٍ مُؤَخَّرًا، مَسَّ بِذَلِكَ مَوْضُوعًا عَزِيزًا عَلَى قَلْبِ جيمي؛ بَلْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ أَقُولَ عَزِيزًا عَلَى مَعِدَتِهِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ اشْتِيَاقُ جيمي لِلْبَيْضِ هُوَ مَا أَتَى بِهِ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ إِذْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ السَّيِّدَةَ طيهوجة تُخَبِّئُ مِلْءَ عُشٍّ مِنَ الْبَيْضِ اللَّذِيذِ فِي مَكَانٍ مَا، وَمَا أَتَى إِلَّا بِحْثًا عَنْهُ.

أَجَابَ جيمي قَائِلًا: «لَا، لَمْ يُحَالِفْنِي الْحَظُّ مُطْلَقًا طِيلَةَ هَذَا الرَّبِيعِ، حَتَّى إِنَّنِي كِدْتُ أَنْسَى طَعْمَ الْبَيْضِ؛ إِمَّا أَنَّنَي أَزْدَادُ غَبَاءً وَحُمْقًا، وَإِمَّا أَنَّ بَعْضَ الْكَائِنَاتِ قَدْ أَصْبَحَتْ أَكْثَرَ ذَكَاءً مِنَ الْمُعْتَادِ. بِالْمُنَاسَبَةِ، هَلْ رَأَيْتَ السَّيِّدَةَ طيهوجة مُؤَخَّرًا؟» بَدَا جيمي شَدِيدَ الْبَرَاءَةِ؛ إِذْ سَأَلَ هَذَا السُّؤَالَ.

قَهْقَهَ الْعَمُّ بيلي ضَاحِكًا حَتَّى اهْتَزَّ جَسَدُهُ، وَقَالَ مُتَسَائِلًا: «هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأُخْبِرُكَ لَوْ أَنَّنِي رَأَيْتُهَا؟! أَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مَا لَدَى السَّيِّدَةِ طيهوجة مِنَ الْبَيْضِ بِالْكَادِ يَكْفِينِي، نَاهِيكَ عَنِ السَّيِّدَةِ أبوسوم.» وَهُنَا نَظَرَ الْعَمُّ بيلي خَلْفَهُ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَةَ أبوسوم لَا تَسْتَطِيعُ سَمَاعَهُمَا، بَيْنَمَا أَخَذَ الظَّرِبَانُ جيمي يَضْحَكُ. وَاسْتَطْرَدَ الْعَمُّ بيلي قَائِلًا: «يَبْدُو لِي يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ أَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَذْهَبَ لِتَبْحَثَ عَنِ الْبَيْضِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَتَتْرُكَ لِيَ الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ. هَذَا حَلٌّ عَادِلٌ تَمَامًا؛ تَعْلَمُ أَنَّنِي لَا أُحِبُّ الِابْتِعَادَ عَنِ الْأَشْجَارِ أَبَدًا، أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُمَانِعُ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لَدَيْكَ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بَيْضًا أَكْثَرَ مِمَّا لَدَيَّ مِنْ بَيْضٍ هُنَا فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ فَكَثِيرٌ مِنَ الطُّيُورِ تَبْنِي أَعْشَاشَهَا عَلَى الْأَرْضِ هُنَاكَ؛ فَلَدَيْكَ السُّمَّانُ الْبَرِّيُّ، وَقُبَّرَةُ الْمُرُوجِ، وَطَائِرُ الْمِمْرَاحِ، وَعُصْفُورُ الْحَقْلِ، وَ…»

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي مُقَاطِعًا: «لَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَمُّ بيلي، أَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُمْ. أَقْصِدُ أَنِّي أَعْرِفُ عَنْهُمْ كُلَّ مَا أَرْغَبُ فِي مَعْرِفَتِهِ، فِيمَا عَدَا مَكَانَ بَيْضِهِمْ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ لِلتَّوِّ بِأَنَّ الْحَظَّ لَمْ يُحَالِفْنِي مُطْلَقًا؟ وَهَذَا سَبَبُ وُجُودِي هُنَا الْآنَ.»

فَرَدَّ الْعَمُّ بيلي قَائِلًا: «حَسَنًا، لَنْ يُحَالِفَكَ أَيُّ حَظٍّ هُنَا إِلَّا إِذَا كُنْتَ أَذْكَى مِنَ الْعَمِّ بيلي بِكَثِيرٍ، وَحِينَ يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْبَحْثِ عَنِ الْبَيْضِ، فَإِنَّنِي لَا أَتَنَازَلُ لِأَحَدٍ وَلَا حَتَّى أَنْتَ يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤