الفصل الخامس عشر

لِقَاءٌ ثَانٍ

لَمْ يَسْتَطِعِ الظَّرِبَانُ جيمي التَّفْكِيرَ فِي أَيِّ شَيْءٍ سِوَى الْبَيْضِ، وَكُلَّمَا فَكَّرَ فِيهِ ازْدَادَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْتِهَامِ بَعْضٍ مِنْهُ. وَبَعْدَمَا تَرَكَ الْعَمَّ بيلي فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، عَادَ أَدْرَاجَهُ إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَأَخَذَ يَجُولُ فِي الْأَنْحَاءِ بَحْثًا عَنِ الْأَعْشَاشِ الَّتِي بَنَاهَا جِيرَانُهُ ذَوُو الرِّيشِ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوْفَرَ حَظًّا مِنَ الْمَرَّاتِ السَّابِقَةِ.

وَكَانَتْ حَالُ الْعَمِّ بيلي كَحَالِ جيمي تَقْرِيبًا؛ فَهُوَ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّوَقُّفَ إِطْلَاقًا عَنِ التَّفْكِيرِ فِي بَيْضِ السَّيِّدَةِ طيهوجة، وَكُلَّمَا حَاوَلَ نِسْيَانَ أَمْرِ هَذَا الْبَيْضِ، ازْدَادَ تَفْكِيرُهُ فِيهِ.

قَالَ الْعَمُّ بيلي لِنَفْسِهِ وَهُوَ يُشَاهِدُ الظَّرِبَانَ جيمي يَتَهَادَى مُبْتَعِدًا فِي الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ: «لَدَيَّ شُعُورٌ قَوِيٌّ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ هَذَا الْبَيْضِ. حَقًّا، لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ ثَمَّةَ فَائِدَةٌ مِنَ الْبَحْثِ عَنْهُ؛ لَقَدْ بَحَثْتُ فِي كُلِّ مَكَانٍ خَطَرَ عَلَى بَالِي بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ التَّفْكِيرَ فِي أَيِّ طَعَامٍ طَيِّبٍ، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْضُ شَهِيًّا بِالتَّأْكِيدِ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى هَذَا الْبَيْضِ، وَإِلَّا مَا ظَلِلْتُ أُفَكِّرُ فِيهِ كَثِيرًا هَكَذَا. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْمُؤْلِمِ أَنْ أَحْمِلَ الْبَيْضَ فِي عَقْلِي طَوَالَ الْوَقْتِ، لَكِنِّي سَأَسْتَمْتِعُ أَكْثَرَ بِحَمْلِهِ فِي مَعِدَتِي، وَهَذَا أَكِيدٌ.» ابْتَسَمَ الْعَمُّ بيلي وَبَدَأَ يَتَسَكَّعُ فِي الْأَنْحَاءِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، آمِلًا فِي أَنْ تَقُودَهُ الصُّدْفَةُ إِلَى عُشِّ السَّيِّدَةِ طيهوجة.

وَمَهْمَا فَعَلَ، فَلَنْ يَسْتَطِيعَ الْعَمُّ بيلي التَّوَقُّفَ عَنِ التَّفْكِيرِ فِي الْبَيْضِ، وَكُلَّمَا فَكَّرَ فِيهِ أَكْثَرَ، ازْدَادَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْحُصُولِ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُ؛ وَقَدْ دَفَعَهُ هَذَا إِلَى التَّفْكِيرِ فِي حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ لَدَى الْمُزَارِعِ براون. كَانَ قَدْ عَقَدَ الْعَزْمَ مُنْذُ زَمَنٍ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى هُنَاكَ، لَكِنَّ اشْتِيَاقَهُ إِلَى مَذَاقِ الْبَيْضِ كَانَ أَقْوَى مِنْ قَرَارَاتِهِ الْحَاسِمَةِ. وَهَكَذَا، مَا إِنْ تَوَارَى قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ لِيَسْتَرِيحَ وَرَاءَ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ، وَزَحَفَتِ الظِّلَالُ السَّوْدَاءُ فِي أَنْحَاءِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، حَتَّى انْسَلَّ الْعَمُّ بيلي، مُحَاوِلًا قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ تَجَنُّبَ شَكِّ السَّيِّدَةِ أبوسوم الْعَجُوزِ فِي وِجْهَتِهِ.

تَسَلَّلَ الْعَمُّ بيلي خَارِجًا مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، مُتَدَثِّرًا بِالظِّلَالِ السَّوْدَاءِ وَمُحَاذِيًا لِلْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَ أَطْرَافِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ حَتَّى بَلَغَ حَظِيرَةَ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون. هُنَا تَوَقَّفَ لِيُصِيخَ السَّمْعَ؛ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَثَرٌ لِكَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، فَأَطْلَقَ الْعَمُّ بيلي تَنْهِيدَةً خَافِتَةً؛ كَانَتْ تَنْهِيدَةَ ارْتِيَاحٍ، ثُمَّ تَسَلَّلَ حَوْلَ أَحَدِ أَرْكَانِ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ بِاتِّجَاهِ حُفْرَةٍ أَسْفَلَهَا يَذْكُرُهَا جَيِّدًا، وَمَا إِنْ وَصَلَ إِلَى الْحُفْرَةِ، حَتَّى رَأَى شَيْئًا أَبْيَضَ اللَّوْنِ. كَانَ الشَّيْءُ يَتَحَرَّكُ مُتَّجِهًا نَاحِيَتَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ لِحَظِيرَةِ الدَّجَاجِ؛ فَتَسَمَّرَ الْعَمُّ بيلي فِي مَكَانِهِ، وَاحْتَارَ بَيْنَ الْفِرَارِ وَالْبَقَاءِ حَيْثُ هُوَ. ثُمَّ سَمِعَ صَوْتَ نَخْرٍ خَفِيضٍ، فَقَرَّرَ أَنْ يَبْقَى، بَلْ إِنَّهُ ابْتَسَمَ. وَبَعْدَ ثَوَانٍ، صَعِدَ الظَّرِبَانُ جيمي مِنَ الْحُفْرَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الشَّيْءُ الْأَبْيَضُ الَّذِي رَآهُ الْعَمُّ بيلي إِلَّا خَطًّا أَبْيَضَ عَلَى فَرْوَةِ جيمي.

أَصْدَرَ جيمي صَوْتَ نَخْرٍ خَافِتًا مِنْ فَرْطِ الْمُفَاجَأَةِ حِينَ كَادَ يَصْطَدِمُ بِالْعَمِّ بيلي.

وَسَأَلَهُ: «مَاذَا تَفْعَلُ هُنَا؟»

أَجَابَ الْعَمُّ بيلي قَائِلًا وَقَدِ ارْتَسَمَتْ عَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ أَعْرَضُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى: «إِنَّنِي أَتَمَشَّى قَلِيلًا لِأَفْتَحَ شَهِيَّتِي. وَأَنْتَ مَاذَا تَفْعَلُ هُنَا يَا صَدِيقِيَ الظَّرِبَانُ؟»

أَجَابَ جيمي قَائِلًا: «مَا تَفْعَلُهُ نَفْسَهُ.» ثُمَّ أَطْلَقَ ضَحْكَةً قَصِيرَةً وَأَضَافَ: «هَذَا لِقَاءٌ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ. أَظُنُّ أَنَّكَ كُنْتَ تُفَكِّرُ فِي نَفْسِ مَا كُنْتُ أُفَكِّرُ فِيهِ طِيلَةَ الْيَوْمِ.»

أَجَابَ الْعَمُّ بيلي قَائِلًا: «أَظُنُّ الْأَمْرَ نَفْسَهُ كَذَلِكَ.» وَابْتَسَمَ الِاثْنَانِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤