الفصل الثاني

بيتر يَثِبُ مُحَلِّقًا

حَمَاقَةٌ بَالِغَةٌ هِيَ أَنْ تُضِيعَ حَيَاتَكَ سُدًى.

لَا تَنْسَ هَذِهِ الْمَقُولَةَ أَبَدًا. لَا تُقْدِمْ أَبَدًا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الْمَجْنُونِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْأَرْنَبُ بيتر. مَاذَا كَانَ بيتر فَاعِلًا؟ عَجَبًا، كَانَ يُجَازِفُ بِأَنْ يَقَعَ فِي بَرَاثِنِ الثَّعْلَبِ ريدي مِنْ أَجْلِ مَزْحَةٍ؛ فَهَلْ سَبَقَ أَنْ سَمِعْتَ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ حُمْقًا مِنْ ذَلِكَ؟! وَلَكِنَّ بيتر لَا يَخْتَلِفُ عَنْ أَشْخَاصٍ كُثُرٍ يُخَاطِرُونَ بِحَيَاتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ بِمُنْتَهَى الْإِهْمَالِ وَالطَّيْشِ مِنْ أَجْلِ تَوْفِيرِ بِضْعِ دَقَائِقَ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ لَيْسَ أَقَلَّ حُمْقًا. وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ بيتر لَمْ يَتَمَهَّلْ لِيُفَكِّرَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخِيفَةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَحْدُثَ إِذَا لَمْ تَسِرْ خُطَطُهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَنْوِيهِ. لَمْ يُفَكِّرْ لِلَحْظَةٍ فِي السَّيِّدَةِ بيتر الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَرَكَهَا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ وَكَيْفَ سَيَكُونُ شُعُورُهَا إِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً أُخْرَى. تِلْكَ مُشْكِلَةُ الِاسْتِهْتَارِ؛ إِنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ الْآخَرِينَ أَبَدًا.

طَوَالَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي يَزْحَفُ فِيهِ وَرَاءَ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَ حَافَةِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، كَانَ بيتر يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ بِدِقَّةٍ، مَعَ أَنَّ ريدي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ، لَشَكَّ بِالْأَمْرِ وَظَنَّ أَنَّهَا إِحْدَى أَلَاعِيبِ الْأَرْنَبِ بيتر.

فَكَّرَ بيتر قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «سَوْفَ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ، وَمَا إِنْ يَرَنِي، فَسَيَمْتَلِئُ ثِقَةً بِأَنَّهُ سَوْفَ يُمْسِكُ بِي هَذِهِ الْمَرَّةَ، وَسَيَتَسَلَّلُ وُصُولًا إِلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ الْأَكْثَرِ انْخِفَاضًا مِنَ الْجِدَارِ، ثُمَّ يَقْفِزُ مِنْ فَوْقِهِ؛ فَيَجِبُ أَنْ أَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْقَفْزِ فِي اللَّحْظَةِ ذَاتِهَا.»

حَدَثَ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا تَوَقَّعَ بيتر تَمَامًا؛ فَبَيْنَمَا كَانَ يَبْدُو كَأَنَّهُ لَا يَنْتَبِهُ لِأَيِّ شَيْءٍ سِوَى طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، كَانَ بيتر مُبْقِيًا عَيْنَيْهِ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُنْخَفِضِ مِنَ الْجِدَارِ الْقَدِيمِ؛ وَفَوْرًا رَأَى بيتر أَنْفَ ريدي الْحَادَّ، بَيْنَمَا كَانَ الْأَخِيرُ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ بيتر لَا يَزَالُ هُنَاكَ. وَفِي اللَّحْظَةِ الَّتِي اخْتَفَى فِيهَا هَذَا الْأَنْفُ الْحَادُّ عَنِ الْأَنْظَارِ، اسْتَعَدَّ بيتر لِلْفِرَارِ لِكَيْ يَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. وَبَعْدَ ثَانِيَةٍ، قَفَزَ ريدي مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ، وَجَرَى بيتر بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ، وَريدي يَجْرِي فِي أَعْقَابِهِ. أَمَّا طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي — الَّذِي كَانَ مَشْغُولًا جِدًّا بِسَبِّ بيتر، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَلْحَظْ ريدي عَلَى الْإِطْلَاقِ — فَقَدْ نَسِيَ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ شِجَارِهِ مَعَ بيتر.

صَاحَ سامي فِي لَهْفَةٍ: «انْطَلِقْ يَا بيتر! انْطَلِقْ!» وَكَانَ ذَلِكَ يَلِيقُ بِسامي.

وَقَدِ انْطَلَقَ بيتر بِالْفِعْلِ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ يَجْرِي بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ. وَقَدِ ابْتَسَمَ ريدي مُكَشِّرًا عَنْ أَنْيَابِهِ حِينَ رَأَى بيتر يَنْطَلِقُ تِجَاهَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. كَانَتِ الْمَسَافَةُ طَوِيلَةً إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَى ريدي أَدْنَى شَكٍّ فِي أَنَّهُ سَيُمْسِكُ بِبيتر قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى هُنَاكَ، وَأَخَذَ يَتَرَقَّبُ مُحَاذِرًا أَنْ يُرَاوِغَهُ بيتر وَيُحَاوِلَ الْعَوْدَةَ إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ. هُوَ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي أَنْ يَدَعَ بيتر يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ بيتر لَمْ يُحَاوِلْ فِعْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ فَقَدِ انْطَلَقَ مُبَاشَرَةً تِجَاهَ حَافَةِ التَّلِّ الْقَائِمِ أَعْلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَهُنَاكَ — وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ — لَاحَظَ ريدي وُجُودَ بِرْمِيلٍ قَدِيمٍ مُلْقًى عَلَى جَانِبِهِ.

قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي فِي نَفْسِهِ: «أَيَظُنُّ يَا تُرَى أَنَّهُ بِاسْتِطَاعَتِهِ الِاخْتِبَاءُ فِي هَذَا الْبِرْمِيلِ.» ثُمَّ كَشَّرَ عَنْ أَنْيَابِهِ مَرَّةً أُخْرَى؛ إِذْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ بِذَلِكَ الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ قَبْلَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ، وَأَنَّ إِحْدَى نَاحِيَتَيْهِ مَفْتُوحَةٌ وَالْأُخْرَى مُغْلَقَةٌ، وَفَكَّرَ قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «إِذَا حَاوَلَ فِعْلَ ذَلِكَ، فَسَأُمْسِكُ بِهِ دُونَ أَنْ أَتَكَبَّدَ عَنَاءَ مُطَارَدَتِهِ.» وَضَحِكَ فِي سِرِّهِ.

رَاحَ بيتر يَجْرِي، وَالثَّعْلَبُ ريدي فِي أَعْقَابِهِ! أَمَّا عَنْ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، فَقَدْ بَدَا لَهُ أَنَّ ريدي سَيُمْسِكُ بِبيتر حَتْمًا بِبِضْعِ قَفَزَاتٍ أُخْرَى، فَصَاحَ قَائِلًا: «انْطَلِقْ يَا بيتر! هَيَّا، انْطَلِقْ!» فَهُوَ بِرَغْمِ مُشَاجَرَاتِهِ مَعَ بيتر، لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي رُؤْيَتِهِ يَتَعَرَّضُ لِأَيِّ أَذًى حَقِيقِيٍّ.

وَمَا إِنْ وَصَلَ إِلَى الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ، كَانَ ريدي قَرِيبًا جِدًّا مِنْ بيتر، حَتَّى إِنَّ بيتر كَادَ يَكُونُ وَاثِقًا مِنْ أَنَّهُ يَشْعُرُ بِأَنْفَاسِ ريدي. عِنْدَئِذٍ، وَثَبَ بيتر وَثْبَةً عَظِيمَةً فَوْقَ الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ وَوَاصَلَ رَكْضَهُ أَسْفَلَ التَّلِّ، وَرَاحَ يَرْكُضُ وَيَرْكُضُ بِأَقْصَى سُرْعَتِهِ، مُتَّجِهًا مُبَاشَرَةً إِلَى الْمَنْزِلِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَعْرِفُهُ لِلْخُلْدِ جوني، وَحِينَ وَصَلَ إِلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، اسْتَدَارَ لِيَرَى مَا يَحْدُثُ وَرَاءَهُ؛ حَيْثُ أَدْرَكَ مِنْ صِيَاحِ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي وَمِنْ أَصْوَاتٍ أُخْرَى أَنَّ أَمْرًا جَلَلًا يَحْدُثُ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ بيتر شِبْهَ مُتَأَكِّدٍ مِنْ أَنَّ حِيلَتَهُ تَسِيرُ بِنَجَاحٍ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي تَمَنَّاهُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤