الفصل الثالث

رِحْلَةُ الْبِرْمِيلِ

جَاءَتْ قَفْزَةُ الْأَرْنَبِ بيتر فَوْقَ الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ عِنْدَ حَافَةِ التَّلِّ مُبَاغِتَةً لِلثَّعْلَبِ ريدي. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ ريدي قَرِيبًا جِدًّا مِنَ الْأَرْنَبِ بيتر حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُفَكِّرُ فِي أَيِّ شَيْءٍ سِوَى الْإِمْسَاكِ بِهِ، وَكَانَ يَرْكُضُ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَتَّسِعِ الْوَقْتُ أَمَامَهُ لِكَيْ يَقْفِزَ هُوَ أَيْضًا حِينَ قَفَزَ الْأَرْنَبُ بيتر قَفْزَتَهُ الْعَظِيمَةَ فَوْقَ الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ؛ فَارْتَطَمَ بِالْبِرْمِيلِ مُبَاشَرَةً. لَا شَكَّ أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَنَّ الْبِرْمِيلَ كَانَ عِنْدَ حَافَةِ التَّلِّ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ ريدي حِينَمَا ارْتَطَمَ بِالْبِرْمِيلِ، تَدَحْرَجَ الْبِرْمِيلُ مِنْ شِدَّةِ الصَّدْمَةِ؛ وَطَبْعًا، بَدَأَ يَنْزِلُ مِنْ عَلَى التَّلِّ. وَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْبِرْمِيلَ تَسْهُلُ دَحْرَجَتُهُ؛ لِذَا مَا إِنْ يَنْدَفِعْ لِأَسْفَلِ التَّلِّ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ إِيقَافَهُ.

وَهَذَا مَا حَدَثَ بِالضَّبْطِ؛ فَالثَّعْلَبُ ريدي لَمْ يَكَدْ يَنْهَضُ مِنْ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى كَانَ الْبِرْمِيلُ قَدْ قَطَعَ نِصْفَ طَرِيقِهِ لِأَسْفَلِ التَّلِّ مُنْطَلِقًا بِسُرْعَةٍ مُتَزَايِدَةٍ. أَخَذَ الْبِرْمِيلُ يَتَدَحْرَجُ مُتَقَافِزًا، وَكُلَّمَا اصْطَدَمَ بِنُتُوءٍ صَغِيرٍ، بَدَا كَأَنَّهُ يَقْفِزُ عَالِيًا فِي الْهَوَاءِ، وَطَوَالَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَصْدُرُ مِنْهُ ضَوْضَاءُ عَجِيبَةٌ. نَسِيَ ريدي تَمَامًا الْكَدَمَاتِ الْمُؤْلِمَةَ فِي جَسَدِهِ الَّتِي نَتَجَتْ عَنِ اصْطِدَامِهِ بِالْبِرْمِيلِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ وَقَفَ مُحَمْلِقًا فِي الْبِرْمِيلِ الَّذِي رَاحَ يَتَدَحْرَجُ بِلَا هَوَادَةٍ.

هَتَفَ قَائِلًا: «أَنَا وَاثِقٌ تَمَامَ الثِّقَةِ مِنْ أَنَّهُ ثَمَّةَ أَحَدٌ بِدَاخِلِ هَذَا الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ!» وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا؛ فَكَمَا تَذْكُرُونَ، كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي غَافِيًا دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَلَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، كَانَ جيمي مُسْتَيْقِظًا، بَلْ مُسْتَيْقِظًا تَمَامًا. وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي حَيَاتِهِ، كَانَ يَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ، أَكْبَرَ كَثِيرًا مِنْ أَيِّ سُرْعَةٍ تَحَرَّكَ بِهَا مُنْذُ مَوْلِدِهِ. لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُرِيحًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. نَعَمْ، لَمْ تَكُنْ تِلْكَ طَرِيقَةً مُرِيحَةً لِلتَّحَرُّكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَقَدْ رَاحَ يَتَدَحْرَجُ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ أَشْعَرَتْهُ بِالدُّوَارِ. فِي الْبِدَايَةِ، كَانَ رَأْسُهُ بِالْأَعْلَى، ثُمَّ انْقَلَبَ لِيَصِيرَ بِالْأَسْفَلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْدُثُ بِسُرْعَةٍ بَالِغَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ مَا عَادَ يُدْرِكُ فِي أَيِّ وَضْعٍ هُوَ، وَكُلَّمَا كَانَ الْبِرْمِيلُ الْقَدِيمُ يَقْفِزُ فِي الْهَوَاءِ عِنْدَ ارْتِطَامِهِ بِأَيِّ بُرُوزٍ فِي الْأَرْضِ، كَانَ جيمي يُقْذَفُ إِلَى أَعْلَى حَتَّى يَرْتَطِمَ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنَ الْبِرْمِيلِ يُصَادِفُ وُجُودَهُ فَوْقَهُ. وَبِالطَّبْعِ، لَمْ يَسْتَطِعِ الْخُرُوجَ مِنَ الْبِرْمِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَدَحْرَجُ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا بِحَيْثُ لَمْ يَحْظَ بِفُرْصَةِ الْمُحَاوَلَةِ.

لَمْ يَكُنْ ريدي يَعْلَمُ مَنْ بِدَاخِلِ الْبِرْمِيلِ، فَقَطْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ خِلَالِ الْأَصْوَاتِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْبِرْمِيلِ أَنَّهُ ثَمَّةَ أَحَدٌ بِدَاخِلِهِ؛ لِذَا انْطَلَقَ نَازِلًا مِنْ عَلَى التَّلِّ وَرَاءَ الْبِرْمِيلِ لِيَرَى مَا سَيَحْدُثُ عِنْدَ تَوَقُّفِهِ. طَوَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَتَرَاقَصُ مِنْ فَرْطِ الْإِثَارَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى الْبَقَاءِ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِ الْخُلْدِ جوني حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنَ الْقَفْزِ بِدَاخِلِهِ فِي حَالِ وُقُوعِ أَيِّ خَطَرٍ. وَرَأَى أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي قَدْ نَسِيَ أَمْرَهُ تَمَامًا وَسْطَ فُضُولِهِ لِمَعْرِفَةِ مَنِ الْمَوْجُودُ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَكَتَمَ ضَحْكَتَهُ حِينَ فَكَّرَ فِيمَا قَدْ يَحْدُثُ عِنْدَمَا يَتَوَقَّفُ الْبِرْمِيلُ عَنِ التَّدَحْرُجِ وَيَكْتَشِفُ ريدي مَنْ بِدَاخِلِهِ. كَانَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي يَطِيرُ فَوْقَهُ، صَارِخًا بِمِلْءِ صَوْتِهِ حَتَّى كَادَ يَنْشَقُّ حَلْقُهُ. كَانَ الْأَمْرُ بِرُمَّتِهِ أَكْثَرَ مَا رَآهُ بيتر فِي حَيَاتِهِ إِثَارَةً.

وَتَصَادَفَ أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ كَانَ فِي سَبِيلِهِ إِلَى عُبُورِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ تَمَامًا فِي ذَاتِ الْوَقْتِ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ تَدَحْرُجُ الْبِرْمِيلِ مِنْ عَلَى التَّلِّ، وَبِالطَّبْعِ سَمِعَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ الضَّوْضَاءَ؛ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَى لِيَعْرِفَ مَصْدَرَهَا، وَحِينَ رَأَى الْبِرْمِيلَ يَنْدَفِعُ تِجَاهَهُ، شَعَرَ بِالْخَوْفِ، فَأَطْلَقَ عُوَاءً وَانْطَلَقَ يَجْرِي نَحْوَ الْمَرْعَى الْقَدِيمِ بِسُرْعَةِ الْبَرْقِ، وَقَدْ أَتَاحَ بِذَلِكَ الْفُرْصَةَ لِبيتر لِيَعْرِفَ مَدَى سُرْعَتِهِ — أَيِ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ — فِي الْجَرْيِ. وَعَلَيْهِ؛ قَرَّرَ بيتر أَلَّا يَدْخُلَ فِي سِبَاقِ جَرْيٍ مَعَهُ أَبَدًا.

وَبِالْأَسْفَلِ عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ، كَانَ ثَمَّةَ حَجَرٌ ضَخْمٌ، وَحِينَ اصْطَدَمَ بِهِ الْبِرْمِيلُ، انْكَسَرَتِ الْحَلَقَاتُ الْمَعْدِنِيَّةُ الَّتِي تَرْبِطُ أَجْزَاءَهُ مَعًا؛ فَتَحَوَّلَ الْبِرْمِيلُ إِلَى أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَحِينَهَا قَرَّرَ بيتر أَنَّهُ قَدْ حَانَ وَقْتُ اخْتِفَائِهِ عَنِ الْأَنْظَارِ. وَهَكَذَا، انْطَلَقَ إِلَى دَاخِلِ مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ وَاخْتَبَأَ فِي الْمَدْخَلِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مُرَاقَبَةُ مَا يَحْدُثُ، وَحِينَ رَأَى بيتر الظَّرِبَانَ جيمي رَاقِدًا بِلَا حِرَاكٍ، زَحَفَ خَوْفٌ عَظِيمٌ إِلَى قَلْبِهِ. هَلْ قُتِلَ جيمي؟ لَمْ يَكُنْ قَدْ فَكَّرَ لِلَحْظَةٍ فِيمَا قَدْ يَحْدُثُ لِجيمي حِينَ دَبَّرَ تِلْكَ الْخُدْعَةَ. لَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، بَدَأَ جيمي يُحَرِّكُ رِجْلًا ثُمَّ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ كَانَ يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ أَرْجُلَهُ لَا تَزَالُ فِي مَوْضِعِهَا، ثُمَّ تَقَلَّبَ بِبُطْءٍ وَوَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَعِنْدَئِذٍ تَنَفَّسَ بيتر الصُّعَدَاءَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤