الفصل الرابع

ثَوْرَةُ الظَّرِبَانِ جيمي

حِينَ يَغْضَبُ الظَّرِبَانُ جيمي، فَلْيَأْخُذِ الْجَمِيعُ حِذْرَهُمْ! فَالْأَسْلَمُ لَكَ آنَذَاكَ، أَنْ تَتَوَارَى عَنْ نَاظِرِهِ.

كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي غَاضِبًا هَذِهِ الْمَرَّةَ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. كَانَ قَدْ جُنَّ جُنُونُهُ، وَحِينَ يَكُونُ الظَّرِبَانُ جيمي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، يَحْرِصُ الْجَمِيعُ عَلَى الِابْتِعَادِ عَنْهُ. هُوَ — كَمَا تَعْلَمُونَ — أَحَدُ أَكْثَرِ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ طِيبَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ عَادَةً؛ فَهُوَ لَا يَتَدَخَّلُ فِي شُئُونِ الْآخَرِينَ، وَإِذَا لَمْ يَتَطَفَّلْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَطَفَّلُ عَلَى أَحَدٍ، لَكِنَّهُ مَا إِنْ يُسْتَفَزَّ وَيَشْعُرْ أَنَّ ظُلْمًا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْتَرِسَ مِنْهُ!

وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، كَانَ جيمي يَسْتَشِيطُ غَضَبًا، حِينَمَا وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَرَاحَ يَهُزُّ جَسَدَهُ لِيَرَى إِنْ كَانَتْ كُلُّ أَعْضَائِهِ فِي أَمَاكِنِهَا. وَلَا أَرَى أَنَّ أَحَدًا يُمْكِنُهُ لَوْمُهُ فِي ذَلِكَ؛ فَالِاسْتِيقَاظُ مِنْ غَفْوَةٍ هَانِئَةٍ عَلَى دَحْرَجَةٍ وَهَزٍّ، كَادَ يَكُونُ مُمِيتًا، كَمَا حَدَثَ لِجيمي فِي تِلْكَ الرِّحْلَةِ الْجُنُونِيَّةِ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ الْقَدِيمِ؛ يَكْفِي لِيُجَنَّ جُنُونُ أَيِّ شَخْصٍ؛ لِذَا فَإِنَّهُ حَقًّا لَا يُلَامُ عَلَى مَشَاعِرِهِ تِلْكَ.

وَإِنَّ جيمي لَا يُمْكِنُ أَبَدًا وَصْفُهُ بِالْغَبَاءِ؛ فَقَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بِرْمِيلًا قَدِيمًا ظَلَّ فِي مَكَانِهِ وَقْتًا طَوِيلًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَرَّكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَتَدَحْرَجَ الْبِرْمِيلُ لِأَسْفَلِ التَّلِّ إِلَّا إِذَا دَفَعَهُ أَحَدُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ أَدْنَى شَكٍّ فِي أَنَّ أَيًّا كَانَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ بِدَاخِلِ الْبِرْمِيلِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ لِإِزْعَاجِهِ. وَهَكَذَا، مَا إِنْ تَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزَالُ حَيًّا سَالِمًا حَقًّا، حَتَّى نَظَرَ حَوْلَهُ لِيَرَى مَنْ ذَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ هَكَذَا.

وَكَانَ الثَّعْلَبُ قَدْ رَكَضَ لِأَسْفَلِ التَّلِّ وَرَاءَ الْبِرْمِيلِ لِيَرَى مَنْ بِدَاخِلِهِ حِينَ سَمِعَ الْأَصْوَاتَ الْغَرِيبَةَ الصَّادِرَةَ عَنْهُ، بَيْنَمَا كَانَ الْبِرْمِيلُ يَتَدَحْرَجُ مُتَوَاثِبًا إِلَى أَسْفَلَ، وَلَوْ أَنَّ ريدي عَرَفَ أَنَّ مَنْ بِدَاخِلِ الْبِرْمِيلِ هُوَ الظَّرِبَانُ جيمي لَقَنَعَ بِالْبَقَاءِ فَوْقَ التَّلِّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ يُمَنِّي نَفْسَهُ بِأَنَّ مَنْ بِدَاخِلِ الْبِرْمِيلِ قَدْ يُمِدُّهُ بِوَجْبَةِ إِفْطَارٍ شَهِيَّةٍ. وَهَكَذَا، وَصَلَ ريدي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَهَشَّمَ فِيهِ الْبِرْمِيلُ الْقَدِيمُ مُتَقَطِّعَ الْأَنْفَاسِ مِنَ الْجَرْيِ، فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ الَّتِي وَقَفَ فِيهَا جيمي عَلَى قَدَمِهِ.

حِينَ يَكُونُ الظَّرِبَانُ غَاضِبًا، فَإِنَّهُ لَا يَعَضُّ أَوْ يَخْدِشُ؛ فَقَدْ زَوَّدَتْهُ الطَّبِيعَةُ الْأُمُّ الْعَجُوزُ بِكِيسِ رَائِحَةٍ صَغِيرٍ، لَا يَضِيرُ جيمي مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ يَجْعَلُ مُعْظَمَ الْكَائِنَاتِ الْأُخْرَى تَرْغَبُ فِي سَدِّ أُنُوفِهَا وَاللَّوْذِ بِالْفِرَارِ. إِنَّ جيمي لَا يَسْتَخْدِمُهُ أَبَدًا، إِلَّا عِنْدَمَا يَشْعُرُ بِالْغَضَبِ أَوِ الْخَطَرِ، وَلَكِنَّهُ حِينَ يَسْتَخْدِمُهُ، فَدَائِمًا مَا يَفِرُّ أَعْدَاؤُهُ هَارِبِينَ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ لَا يَخْشَى جيمي أَحَدًا، وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا يَحْتَرِمُ الْجَمِيعُ جيمي وَحُقُوقَهُ.

وَقَدِ اسْتَخْدَمَ جيمي ذَلِكَ الْكِيسَ هَذِهِ الْمَرَّةَ دُونَ أَنْ يُضَيِّعَ وَقْتًا؛ فَقَدْ نَفَثَ بَعْضًا مِنْ هَذِهِ الرَّائِحَةِ فِي وَجْهِ الثَّعْلَبِ ريدي قَبْلَ أَنْ تَسْنَحَ الْفُرْصَةُ لِريدي لِكَيْ يَسْتَدِيرَ أَوْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةٍ.

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي فِي حِدَّةٍ: «خُذْ هَذَا، فَلَرُبَّمَا يُعَلِّمُكَ أَلَّا تُمَارِسَ أَلَاعِيبَكَ هَذِهِ مَعَ جِيرَانِكَ الشُّرَفَاءِ!»

يَا لَهُ مِنْ مِسْكِينٍ ريدي! لَقَدْ دَخَلَ بَعْضٌ مِنْ هَذِهِ الرَّائِحَةِ فِي عَيْنَيْهِ وَآلَمَهُمَا بِشِدَّةٍ. فِي الْوَاقِعِ، لَمْ يَسْتَطِعِ الثَّعْلَبُ الرُّؤْيَةَ لِوَهْلَةٍ، بَعْدَ ذَلِكَ أَصْبَحَتِ الرَّائِحَةُ قَوِيَّةً جِدًّا حَتَّى إِنَّهَا أَصَابَتْهُ بِالْغَثَيَانِ؛ فَرَاحَ يَتَدَحْرَجُ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدِ اخْتَنَقَتْ أَنْفَاسُهُ فِي صَدْرِهِ وَرَاحَ يَلْهَثُ وَيَفْرُكُ عَيْنَيْهِ، فَاكْتَفَى جيمي بِالْوُقُوفِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَقَدْ خَلَتْ عَيْنَاهُ مِنْ ذَرَّةٍ مِنْ شَفَقَةٍ.

بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ جيمي: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ ظَنَنْتَ نَفْسَكَ ذَكِيًّا إِذْ دَحْرَجْتَنِي إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ وَأَنَا بِدَاخِلِ بِرْمِيلٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟! كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تُكْسَرَ رَقَبَتِي.»

قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي بَاكِيًا، بَعْدَمَا تَمَكَّنَ مِنَ اسْتِرْدَادِ صَوْتِهِ: «لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّكَ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَلَمْ أَقْصِدْ دَحْرَجَتَهُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ مِنَ الْأَسَاسِ.»

هَتَفَ جيمي مُسْتَهْزِئًا؛ إِذْ لَمْ يُصَدِّقْ كَلِمَةً مِمَّا قَالَهُ ريدي: «حَقًّا!»

فَاحْتَجَّ ريدي قَائِلًا: «لَمْ أَفْعَلْ، صَدِّقْنِي لَمْ أَفْعَلْ، لَقَدِ اصْطَدَمْتُ بِالْبِرْمِيلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَأَنَا أُطَارِدُ الْأَرْنَبَ بيتر. لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ مُطْلَقًا بِوُجُودِ أَحَدٍ دَاخِلَهُ.»

هَتَفَ الظَّرِبَانُ جيمي ثَانِيَةً: «حَقًّا!» ثُمَّ اسْتَطْرَدَ قَائِلًا: «إِذَا كُنْتَ تُطَارِدُ الْأَرْنَبَ بيتر، فَأَيْنَ هُوَ؟»

أَقَرَّ ريدي عَلَى مَضَضٍ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ؛ فَقَدْ كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر قَدِ اخْتَفَى، وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مُتَّسَعًا مِنَ الْوَقْتِ لِلْوُصُولِ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. أَدَارَ جيمي عَيْنَيْهِ هُنَا وَهُنَاكَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَيُّ أَثَرٍ لِلْأَرْنَبِ بيتر.

قَالَ جيمي: «هَأْ هَأْ» مُدِيرًا ظَهْرَهُ إِلَى الثَّعْلَبِ ريدي لِيَسِيرَ مُبْتَعِدًا فِي شُمُوخٍ وَكِبْرِيَاءَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤