الفصل السابع

ظُنُونُ سامي

طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي كَائِنٌ غَرِيبُ الْأَطْوَارِ؛ فَمَعَ أَنَّهُ وَغْدٌ مُولَعٌ بِإِثَارَةِ الْمَتَاعِبِ لِجِيرَانِهِ، فَإِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ دَائِمًا لِلدِّفَاعِ عَنْهُمْ حِينَ يُوقِعُهُمُ الْآخَرُونَ فِي الْمَتَاعِبِ؛ فَكَثِيرًا مَا كَانَ يُنْذِرُهُمْ بِالْخَطَرِ، وَهَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اسْتِعْدَادِهِمْ لِلتَّغَاضِي عَنْ عُيُوبِهِ؛ فَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي مِنْ عِدَّةِ نَوَاحٍ، فَإِنَّهُ مُولَعٌ بِإِحْبَاطِ خُطَطِ ريدي، وَعَادَةً مَا يَبْتَهِجُ حِينَ يَقَعُ ريدي فِي الْمَتَاعِبِ. وَبِالطَّبْعِ، نَظَرًا لِوُجُودِهِ فِي قَلْبِ الْحَدَثِ، رَأَى سامي كُلَّ مَا حَدَثَ حِينَ اصْطَدَمَ ريدي بِالْبِرْمِيلِ عَلَى قِمَّةِ التَّلِّ وَدَفَعَهُ لِيَتَدَحْرَجَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ، وَقَدْ فُوجِئَ بِقَدْرِ مَا فُوجِئَ ريدي بِأَنَّهُ ثَمَّةَ أَحَدٌ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَتَبِعَ ريدي لِيَعْرِفَ مَنْ هُوَ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَقَدْ شَاهَدَ بِالطَّبْعِ مَا حَدَثَ لِريدي.

وَعِوَضًا عَنِ الشُّعُورِ بِالْأَسَفِ عَلَى ريدي، لَمْ يُخْفِ سامي فَرْحَتَهُ، وَيَبْدُو أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُشَارِكُونَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يَرَوُا الْآخَرِينَ الَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ شَدِيدِي الذَّكَاءِ وَاقِعِينَ فِي الْمَتَاعِبِ. وَهَكَذَا، ضَحِكَ سامي وَسَخِرَ مِنْ ريدي الْمِسْكِينِ. أَوَّلًا كَانَ الْأَمْرُ مُثِيرًا جِدًّا، وَسامي يَعْشَقُ الْإِثَارَةَ، وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا سَتَكُونُ قِصَّةً رَائِعَةً لِيَحْكِيَهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُحِبُّ نَقْلَ الْقِصَصِ أَكْثَرَ مِنْ سامي. وَقَدْ رَأَى سامي الثَّعْلَبَ ريدي وَهُوَ يَتَسَلَّلُ هَارِبًا إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، بَيْنَمَا سَارَ الظَّرِبَانُ جيمي مُبْتَعِدًا عَلَى مَهَلٍ فِي كِبْرِيَاءَ. حِينَئِذٍ طَارَ سامي عَائِدًا إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ لِنَشْرِ الْخَبَرِ بَيْنَ سُكَّانِهِ الصِّغَارِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ سامي الْأَرْنَبَ بيتر إِلَّا حِينَ وَصَلَ إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَهُنَا بَدَلًا مِنْ أَنْ يَطِيرَ فِي جَمِيعِ أَرْجَاءِ الْبُسْتَانِ لِيُخْبِرَ الْجَمِيعَ بِمَا حَدَثَ لِلظَّرِبَانِ جيمي وَالثَّعْلَبِ ريدي، وَجَدَ بُقْعَةً مُرِيحَةً فِي شَجَرَةِ تُفَّاحٍ عَجُوزٍ وَقَفَ عَلَيْهَا صَامِتًا عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي مُسْتَغْرِقًا فِي تَفْكِيرٍ عَمِيقٍ؛ إِذْ كَانَ قَدْ بَدَأَ فِي التَّسَاؤُلِ فَجْأَةً، فَقَدْ طَرَأَ عَلَى رَأْسِهِ الصَّغِيرِ الْحَادِّ الذَّكَاءِ أَنَّ اخْتِفَاءَ الْأَرْنَبِ بيتر الْمُفَاجِئَ كَانَ غَرِيبًا جِدًّا.

فَكَّرَ سامي قَائِلًا: «بِالطَّبْعِ يَظُنُّ الظَّرِبَانُ جيمي أَنَّ ريدي دَحْرَجَ الْبِرْمِيلَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ مُتَعَمِّدًا، وَلَا عَجَبَ فِي ظَنِّهِ هَذَا، لَكِنَّنِي شَاهَدْتُ الْأَمْرَ بِرُمَّتِهِ، وَأَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ صُدْفَةً مِنْ نَاحِيَةِ ريدي. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ الظَّرِبَانَ جيمي كَانَ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَعْرِفَ ريدي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَى هُنَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَتَيْتُ أَنَا. لَكِنْ، رُبَّمَا كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَعْرِفُ؛ وَإِلَّا فَلِمَ جَرَى الْأَرْنَبُ بيتر بِحَيْثُ يَقْفِزُ فَوْقَ الْبِرْمِيلِ فِي حِينِ كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَمُرَّ مِنْ جَانِبِهِ؟

طَبْعًا قَدْ يَكُونُ الْأَرْنَبُ بيتر فَكَّرَ أَنَّهُ إِذَا مَا جَعَلَ الثَّعْلَبَ ريدي يَرْتَطِمُ بِالْبِرْمِيلِ، فَإِنَّ هَذَا سَيُوقِفُ ريدي لِمُدَّةٍ كَافِيَةٍ تُتِيحُ لِبيتر الْهُرُوبَ، وَهَذِهِ فِكْرَةٌ ذَكِيَّةٌ جِدًّا مِنْ بيتر، كَمَا أَنَّهَا تَلِيقُ بِهِ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ. لَكِنِّي لِسَبَبٍ مَا يُرَاوِدُنِي شُعُورٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّ الظَّرِبَانَ جيمي كَانَ غَافِيًا دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَأَنَّ شَيْئًا مَا سَيَحْدُثُ حَتْمًا إِذَا مَا أَزْعَجَهُ أَحَدُهُمْ. كُلَّمَا فَكَّرْتُ فِي الْأَمْرِ أَكْثَرَ، زَادَ يَقِينِي مِنْ أَنَّ بيتر كَانَ يَعْرِفُ فِعْلًا، وَأَنَّهُ خَطَّطَ لِلْأَمْرِ بِرُمَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَسَتَكُونُ هَذِهِ هِي أَذْكَى خُدْعَةٍ سَمِعْتُ بِهَا فِي حَيَاتِي. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ بيتر قَادِرٌ عَلَى تَدْبِيرِ مِثْلِ هَذِهِ الْخُدْعَةِ، لَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ صَعْبًا عَلَى الظَّرِبَانِ جيمي، لَكِنَّهُ خَلَّصَنَا مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي لِفَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ؛ فَهُوَ لَنْ يَجْرُؤَ عَلَى الظُّهُورِ فِي هَذِهِ الْأَنْحَاءِ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ بيتر سَيَتَخَلَّصُ مِنْ أَحَدِ مَصَادِرِ قَلَقِهِ. آهْ! هَا هُوَ الظَّرِبَانُ جيمي، سَوْفَ أُوَجِّهُ لَهُ بِضْعَةَ أَسْئِلَةٍ.»

جَاءَ جيمي مُتَهَادِيًا بِطَرِيقَتِهِ الْكَسُولَةِ الْمُعْتَادَةِ. كَانَ قَدِ اسْتَعَادَ كَامِلَ طَبِيعَتِهِ الطَّيِّبَةِ، وَكَانَ يَشْعُرُ أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ بِالثَّعْلَبِ ريدي انْتِقَامًا عَادِلًا. وَنَظَرًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَبْ بِسُوءٍ نَتِيجَةَ تَدَحْرُجِهِ بِعُنْفٍ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ وَهُوَ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، فَقَدْ نَسِيَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ فَقَدَ أَعْصَابَهُ.

صَاحَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي: «مَرْحَبًا يَا جيمي، هَلْ رَأَيْتَ الْأَرْنَبَ بيتر هَذَا الصَّبَاحَ؟»

فَنَظَرَ جيمي إِلَى أَعْلَى وَابْتَسَمَ: «نَعَمْ؛ رَأَيْتُهُ هُنَا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ. لِمَاذَا؟»

فَقَالَ سامي فِي إِصْرَارٍ: «هَلْ رَآكَ وَأَنْتَ تَدْخُلُ فِي الْبِرْمِيلِ؟»

فَأَقَرَّ جيمي قَائِلًا: «لَا أَعْرِفُ، رُبَّمَا. مَا الَّذِي يَدُورُ فِي رَأْسِكَ يَا سامي؟»

فَأَجَابَ سامي قَائِلًا: «لَا شَيْءَ، كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي كَانَ يُطَارِدُهُ حِينَ اصْطَدَمَ بِالْبِرْمِيلِ وَدَفَعَهُ لِيَتَدَحْرَجَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ.»

أَصَاخَ جيمي لِكَلَامِهِ، وَهَتَفَ: «إِذَنْ ريدي لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا؟!»

فَأَجَابَ سامي قَائِلًا: «نَعَمْ، لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا، إِنَّنِي مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّكَ بِدَاخِلِ الْبِرْمِيلِ. لَكِنْ مَاذَا عَنِ الْأَرْنَبِ بيتر؟ إِنَّنِي لَأَتَسَاءَلُ وَتُرَاوِدُنِي أَيْضًا بَعْضُ الظُّنُونِ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤