الفصل العاشر

مروان بن محمد

١٢٧–١٣٢ﻫ/٧٤٤–٧٤٩م

(١) أوَّليته

هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وأمُّهُ لبابة الكردية، ولد بدمشق سنة ٧٣ﻫ، وكان من أحزم بني أمية وأكثرهم تدبيرًا، نشأ في دمشق كما ينشأ شباب العرب، فقرأ القرآن وحفظ الشعر، وتأدب بآداب العرب، وكان مؤدبه الجعد بن درهم أحد أئمة الكلام، وأول من قال بنفي القدر، وكان يقول بخلق القرآن ونفي الصفات الأزلية عن الله سبحانه.١ ولقب مروان بالجعدي نسبة إلى أستاذه ولتحمسه لمذهبه، وكان الناس من أعدائه يذمونه وينادونه: يا جعدي يا معطل.٢ وذكر ابن القيم في الصواعق المرسلة أن كلام الجعد نفق عند الناس؛ لأنه كان معلم مروان وشيخه.٣ كما لقب بالحمار لصبره في الحرب.٤

(٢) خلافته

رأينا كيف تم استخلاف مروان في دمشق، فلم يلبث أهل حمص إلا ثلاثة أشهر، حتى ثاروا عليه بزعامة ثابت بن نعيم، فسار إليهم مروان سنة ١٢٧، ودخل المدينة ففتك بالثائرين، وهرب ثابت إلى فلسطين، ولم يلبث أن جاءه أن أهل الغوطة ثاروا وحاصروا دمشق بزعامة يزيد بن خالد القسري، فبعث إليهم مروان من حمص أبا الورد بن الكوثر، وعمرو بن الوضاح في عشرة آلاف، ففتكوا بالثوار، وحرقوا المزة من قرى اليمانية.

وفي تلك السنة أيضًا ثار أهل فلسطين بزعامة ثابت بن نعيم، الذي هرب من حمص فأتى طبرية، فكتب مروان إلى أبي الورد وابن الكوثر أن يلحقا به، فأدركاه وفتكا به، ورجع مروان إلى دمشق فبايع لولديه عبيد الله وعبد الله، وزوَّجهما ابنتَي هشام بن عبد الملك، وجمع بذلك أمر بني أمية، فاستقامت له الشام، ما خلا تدمر، فبعث إليها الأبرش بن الوليد وسليمان بن هشام فقضيا على أهلها، وبذلك هدأت ديار الشام فَفَرَّق فِرَق الثوار إلى العراق، ولكن ذلك الهدوء لم يلبث طويلًا؛ إذ ثار سليمان بن هشام بن عبد الملك بقنسرين، فأتاه مروان فهزمه، ففر سليمان إلى تدمر.٥
أما العراق فقد بعث إليه مروان النضر بن الحرشي، فثار عليه الضحاك بن قبب الشيباني الخارجي، وجرت بين الاثنين معارك كثيرة، انتهت بخضوع الضحاك ثم قتله في سنة ١٢٨. ثم إن مروان سَيَّر يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق؛ لقتال من فيه من الخوارج، فقاتل المثنى بن عمران العائذي، خليفة الخوارج في العراق، فهزمهم ابن هبيرة، واستولى على العراق والماهين والجبل. غير أن الشيعة العلوية والعباسية والخوارج أخذت تعمل بقوة في الخفاء؛ أما الخوارج فإنهم بعد أن فقدوا الضحاك زَعَّموا عليهم أبا حمزة الخارجي، وكان قويًّا نشيطًا يزور مكة كل سنة، ويحرض المسلمين على حرب الأمويين، فتبعه كثيرون، واشتدَّ أمره، وتبعه جماعات في الحجاز والعراقين، ثم إنه جاء إلى عبد الله بن يحيى العلوي المُلَقَّب بطالب الحق في سنة ١٢٨، وقال له: اسمع كلامًا حسنًا، إني أراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإني رجل مطاع في قومي. فخرج معه حتى أتيا اليمن وحضرموت، فبايعه أبو حمزة وجماعته بالخلافة، ودعا إلى قتال مروان وبني أمية، ثم خرج في سنة ١٢٩ إلى مكة، وكان عليها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الله، فهادنهم إلى أن ينتهي موسم الحج، فلما انتهى الموسم، سار عبد الواحد إلى المدينة، وزاد في أعطيات أهلها، ودعاهم إلى قتال أبي حمزة، ولما التقى الجمعان في قديد تشتت المدنيون، وهرب عبد الواحد إلى الشام، ودخل أبو حمزة المدينة في صفر سنة ١٣٠ وأحسن السيرة فيها، وقال لأهلها: علينا الآن أن نغزو بني أمية الظالمين في عقر دارهم، فتوجه بهم إلى دمشق، فبعث إليهم مروان أربعة آلاف، عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، فالتقوا بهم بوادي القرى، فقتل أبو حمزة، وسار عبد الملك حتى أتى المدينة ثم اليمن فقتل طالب الحق.٦ وهكذا قُضِي على الخوارج.

وأما العلويون فإنهم ثاروا بالكوفة بزعامة مروان بن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبايعوه وسار بهم إلى المدائن، ثم استولى على حلوان، ودخل بلاد العجم، واستولى على همدان وأصفهان والري، وظل ينشر نفوذه حتى قتله أبو مسلم الخراساني سنة ١٢٨.

وأما الشيعة العباسية فإن أبا مسلم حين قدم خراسان آخر قدمة رأى أن خير وسيلة لتغلبه هي في الإيقاع بين العنصر العربي، فأجج نيران العصبية بين النزارية واليمنية من جديد وجعلهم يقتتلون، ثم سار يسيطر على المشرق الذي لم يبقَ فيه لأمية نفوذ. ولما سيطر عليه، وقهر نصر بن سيار أمير خراسان، وقضى على حركة مروان بن عبد الله العلوي سار نحو العراق، وأخذ يحتل عواصمه، ولما بلغت هذه الأخبار مسامع مروان بعث من جاءه بإبراهيم الإمام، وكان يقيم بالحميمة من أرض فلسطين، فحبسه في حران ثم قتله، وتمكن العباسيون — السفاح والمنصور وأهلوهم — أن يهربوا بأنفسهم إلى العراق، فأتوا الكوفة. ولما تمكَّن أبو مسلم من العراق قصد الكوفة، فاستولى عليها سنة ١٣٢، ثم بويع أبو العباس السفاح، وبعث عمه عبد الله بن علي إلى مروان، فلقيه بالزاب وهزمه، فأتى مروان، ثم قصد الشام لعله يجد له عونًا، فإذا الناس قد ولوا عنه، وصار مروان لا يمر بجند من أجناد الشام إلا انتهبوه، فلما اجتاز بقنسرين أومقت تنوخ بساقته، ثم أتى حمص فقال أهلها: مرعوب منهزم، فاتبعوه وقاتلوه، ثم أتى دمشق فوثب عليه الحارث بن عبد الرحمن الحرشي، فجاء الأردن، فوثب له هاشم بن عمر العنسي والمذحجون اليمانيون، ثم أتى فلسطين فوثب الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع على جنده. قال صاحب الأخبار الطوال: «جعل مروان يستقري مدن الشام، فيستنهضهم فيروغون عنه ويهابون الحرب، فلم يسر معه منهم إلا قليل، ورأى أخيرًا أن يذهب إلى مصر، فلحقه المسودة قرب أبو صير، وقتلوه في ذي الحجة سنة ١٣٢، وبموته انقرض الملك الأموي في المشرق.»

(٣) موته ومناقبه

قُتل مروان في ذي الحجة سنة ١٣٢ بعد حكم دام خمس سنوات، وله من العمر تسع وخمسون سنة، وهو من دهاة بني أمية وعقلائهم وأحزمهم، ولكنه أدرك الدولة وهي منهارة، فلم يستطع أن يعمل شيئًا ذا غناء كبير في إحيائها. قال الأستاذ كرد علي: «وكان مروان من أمثل خلفائهم، وكان سديد الرأي ميمون النقيبة حازمًا، فلما ظهرت المسودة ولقيهم كان ما يدبر أمرًا إلا كان فيه خلل.»

(٤) كبار رجال الدولة في عهده

  • (١)

    شيبان بن سلمة الحروري (؟–١٣٠) قائد شجاع من الخوارج، كان بمرو، لمع اسمه في أواخر الدولة الأموية، وأراد أبو مسلم أن يدخله في الدعوة العباسية، فقال له: أنا أدعوك إلى بيتي. فاختلفا وسار شيبان إلى سرخس، واجتمع إليه خلق كثير من بني وائل، فَسَيَّر إليه أبو مسلم جيشًا، فالتقى بهم عند سرخس وقتل شيبان.

  • (٢)

    بشر بن هرموز الضبي (؟–١٢٩) أحد الأشراف الشجعان، خرج مع الضحاك بن قيس ضد بني أمية وقاتل معه، ثم اعتزل في خمسة آلاف، وعاد إليه بعد ذلك، فلم يزل معه إلى أن قُتلا معًا على أبواب مرو.

  • (٣)

    الضحاك بن قيس الشيباني الحروري (؟–١٢٩) كان شجاعًا داهية، خرج مع سعيد بن بهدل سنة ١٢٦ في مائتين من حرورية الجزيرة، ومات سعيد فخلفه، وبايع له الشراة الخوارج، فقصد الموصل وشهرزور، واجتمعت عليه الصفرية حتى صار في أربعة آلاف، فسار إلى الكوفة واستولى عليها وحاصروا سطا، فصالحه صاحبها، ثم احتل الموصل، وعَظُم جيشه حتى بلغ مائة ألف، فخرج إليه مروان بن محمد فالتقيا بكفر توثا من أعمال ماردين، فقُتل الضحاك. قال الجاحظ: «هو من علماء الخوارج، ملك العراق، وسار في «٥٠ ألفًا»، وبايعه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام وصلَّيا خلفه.»

  • (٤)

    الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن (١٤٢) شيخ المضرية في الأندلس وأحد الشجعان الأجواد، ثارَ على عامل الأندلس أبي الخطار، فقتله واستولى على السلطة، وأقام على الأندلس منذ عهد مروان إلى أن دخل الأندلس عبد الرحمن الداخل، ومات في سجنه، وكان أميًّا شاعرًا.

  • (٥)

    أبو الخطار الحسام بن ضرار الكلبي (١٣٠) أمير الأندلس سنة ١٢٥، ولَّاه إيَّاها حنظلة بن سفيان والي إفريقية لهشام بن عبد الملك، ثم خاصمه الصميل بن حاتم المضري فاستولى عليها منه، فغضبت المضرية، وفارقت قرطبة، ثم استعانت بثوابة بن سلمة الحدائي، وكان يضمر الشر لأبي الخطار، واجتمعوا بشدونة فقصدهم أبو الخطار من قرطبة، وجرت بين الطرفين معارك أسر فيها أبو الخطار وتولى ثوابة مكانه، والسلطة للصميل، ثم هرب أبو الخطار والتف حوله اليمانية، فعلقت الفتنة بينهما وبين المضرية إلى أن قُتل أبو الخطار.

  • (٦)

    عبد الرحمن بن حبيب الفهري (١٣٧) قصد إفريقية مع أبيه سنة ١٢٢، وأراد فتح الأندلس فلم يفلح، فرجع إلى إفريقية وتمم فتوحها، وغزا صقلية وسردينية.

  • (٧)

    يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب القرشي الفهري (١٤٢) أمير الأندلس وأحد القادة الدهاة العظماء. كان مقيمًا بألبِرة، فلما مات ثوابة بن سلمة بقرطبة اختلفت اليمانية والمضرية فيمن يولونه، ثم اتفقوا عليه فجاءهم سنة ١٢٩، واستمر إلى أن دخل عبد الرحمن فقاتله يوسف وانهزم.

  • (٨)

    كلثوم بن عياض القشيري (١٢٤) أمير إفريقية وأحد الشجعان الذين أبلوا بلاء حسنًا في شمال إفريقية، قتله البربر.

  • (٩)

    حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب الفهري (١٤٠) أحد الشجعان الذين أبلوا في إفريقية والأندلس مع أبيه وأخويه يوسف وإلياس، امتلك الأندلس ثلاثة أعوام، ثم ثار عليه عبد الحق بن الجعد فقتله.

  • (١٠)

    عبد الله بن معاوية بن عبد الله الكلبي العلوي (١٢٩) من شجعان آل أبي طالب وشعرائهم ونبلائهم، ظهر بالكوفة سنة ١٢٧ فقاتله أميرها عبد الله بن عمر، وتفرق عنه أصحابه، فخرج إلى المدائن، واجتمع إليه نفر كثير، غلب بهم على حلوان والجبال وهمدان وأصبهان والري وإصطخر، ثم قتله أمير هراة بأمر أبي مسلم الخراساني.

  • (١١)

    قحطبة بن شبيب الطائي (؟–١٣٢) من ذوي الرأي والشأن والقواد الشجعان، لمع اسمه في عهد مروان، فاستدعاه محمد بن علي بن عبد الله فالتحق به، وجعله أحد النقباء الاثني عشر، وقاد جيوش أبي مسلم، وكان مظفرًا في معاركه، غرق في الفرات.

  • (١٢)

    عبد الله بن يحيى الحضرمي العلوي (؟–١٣٠) المُلقب بطالب الحق، إمام إباضي يمني، خلع طاعة مروان وبويع بالخلافة وتبعه أبو حمزة، وعظم أمره إلى أن قُتِل قرب صنعاء، وحُمِل رأسه إلى مروان بالشام.

١  سرح العيون، ص١٥٩.
٢  ابن الأثير ٥: ١٧١.
٣  الصواعق المرسلة ١: ٢٣٠.
٤  الفخري، ص١١٦.
٥  ابن الأثير ٥: ١٢٢-١٢٣.
٦  ابن الأثير ٥: ١٥٨، والطبري ٩: ١١٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤