الفصل السادس

هشام بن عبد الملك

١٠٥–١٢٥ﻫ/٧٢٤–٧٤٣م

(١) أوَّليته

هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان، وأمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، ولد سنة ٧٢ﻫ، فرباه أبوه أحسن تربية، فنشأ رجلًا عاقلًا حليمًا عفيفًا مدبرًا سائسًا، حتى شُبِّه بمعاوية وعبد الملك، وذكر المسعودي أن المنصور العباسي كان يقتدي به في أكثر أموره وفي سياساته وتدبيره للدولة، وفي إصلاحاته وتعميره للأرض والدولة واصطناع الرجال.

(٢) خلافته

استخلف هشام لأربع ليالٍ بقين من شعبان سنة ١٠٥، وله من العمر أربع وثلاثين سنة ونصف، أتته الخلافة وهو في دويرة له في الرصافة، فأتى دمشق، وفرح الناس باستخلافه؛ لما عُرِفَ عنه من عقل وحكمة.

وأول أعماله عزله عمر بن هبيرة عن العراق، واستعماله خالد بن عبد الله القسري؛ لما كان يبلغه عن عمر بن هبيرة من قسوة وشدة على الناس، وقد جرت في عهد هشام حوادث كثيرة أهمها ما يلي:

في سنة ١٠٥ غزا الجراح الحكمي بلاد اللان، حتى جاوز مدائن وحصونًا وراء بلنجر، ففتح وأصاب غنائم كثيرة، كما غزا مسلم بن سعيد الكلابي أمير خراسان بلاد الترك، فلم يفتح شيئًا ورجع.

وفي سنة ١٠٦ قطع مسلم بن سعيد النهر، ولحق به جماعات كثيرة من العرب، فوصل بلاد فرغانة، فدخلها وأوغل فيها إلى أن صالحه أهلها.

وفي سنة ١٠٧ غزا عنبسة بن شحيم الكلبي عامل الأندلس فرنسة في جمع كثير، ونازل مدينة قرقسونة فصالحه أهلها على نصف أعمالهم، وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم، وأن يعطوا الجزية، ويلتزموا بأحكام الذمة من محاربة مَن حاربه المسلمون، ومسالمة من سالمه، فعاد عنهم، وتوفي في شعبان من تلك السنة.

وفي سنة ١٠٨ قطع أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان النهر، وأتاه خاقان الترك، وغزا بلاد الختل والغور، وغنم، وفيها غزا مسلمة بلاد الروم، ففتح قيسارية، وهي من أمهات مدنهم وأكثرها تحصينًا، كما غزا إبراهيم بن هشام الروم ففتح عدة حصون لهم هناك.

وفي سنة ١٠٩ غزا عبد الله بن عقبة الفهري بلاد الروم في البحر، ومعاوية بن هشام بالبر ففتح حصن طيبة.

وفي سنة ١١٠ أرسل أشرس بن عبد الله السلمي إلى أهل سمرقند والصغد وما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام، على أن تُوضع عنهم الجزية، فقبلوا ودخلوا في الإسلام، فقلَّ الهزاج، فكتب أشرس إلى عامله عليهم: إنهم إنما أسلموا تعوذًا من الجزية، وإن في الخراج قوة للمسلمين، فانظر من اختتن وأقام الفرائض، وقرأ سورة من القرآن فارفع خراجه. فثار أهل البلاد وقالوا: أسلمنا وبنينا المساجد! وجرت بسبب ذلك فتن.

وفي سنة ١١١ عزل أشرس بن عبد الله عن خراسان وتولاها الجنيد بن عبد الرحمن المري، فسار إلى ما وراء النهر، وقاتل الترك فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم إنهم كروا عليه فكادوا أن يقتلوه، ثم أظهره الله عليهم قرب «رزمان» من بلاد سمرقند، وأسر ابن أخي خاقانهم، وبعث به إلى هشام.

وفي سنة ١١٢ هاجم الجراح بن عبد الله الحكمي بلاد الخزر فاجتمعوا عليه هم والترك من ناحية بلاد اللان، وتغلب الترك، واستشهد الجراح ومَن معه بمرج أردبيل، فطمع الخزر ببلاد المسلمين، فدخلوها حتى قاربوا الموصل، وعظم الخطب على المسلمين، ابن الأثير «٥: ٥٨»، وكان الجراح خَيِّرًا فاضلًا من عُمَّال عمر بن عبد العزيز، ورثاه كثير من الشعراء، وقيل كان قتله ببلنجر، ولما بلغ هشامًا خبره، دعا سعيدًا الحرشي فقال له: بلغني أن الجراح انحاز عن المشركين.

فقال: كلَّا يا أمير المؤمنين! الجراح أعرف بالله من أن ينهزم، ولكنه قُتل.

قال: فما رأيك؟

قال: تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد، ثم تبعث إليَّ كل يوم أربعين رجلًا، ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافونني.

فقبل ذلك هشام، وسار الحرشي، فكان لا يمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها، فيجيبه من يريد الجهاد، إلى أن وصل إلى «أرزن»، فلقيه جماعة من أصحاب الجراح، وبكوا وبكى لبكائهم وفرق فيهم نفقة، وردَّهم معه، ووصل إلى «خلاط» ففتحها، ثم سار وفتح الحصون إلى أن وصل «برزعة»، وكان ابن خاقان يومئذٍ بأذربيجان يغير وينهب، فهاجمه وفتك به وبمجموعه، واستنقذ مَن بيده من أسرى المسلمين والمسلمات، وأخذ أولاد الجراح فأكرمهم، ثم إن الترك جمعوا قواهم، وهاجموا المسلمين فقُتل منهم جماعة منهم سورة بن الحر، وحليس بن غلب الشيباني، وغيرهما في وقعة الشعب، وفي تلك الوقعة يقول نصر بن سيار:١
إني نشأت وحسادي ذوو عدد
يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
أرمي العداة بأفراس مكلمة
حتى اتخذت على حُسادهن يدا
من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا
لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا
هلا شهدتم دفاعي عن جنودكم
وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا

وفي سنة ١١٣ غزا عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، أمير الأندلس فرنسة، وأوغل في أرضهم وغنم، وكان فيما أصاب رِجل من ذهب مُفَصصة بالدر والياقوت والزمرد، فكسرها وقسمها في المقاتلين.

وفي سنة ١١٤ غزا عبد الرحمن الغافقي بلاد فرنسة، فَقُتل هناك شهيدًا مبرورًا، وفيها غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى ببلاد الروم، وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى فبلغ قيسارية.

وفي سنة ١١٥ غزا معاوية بن هشام بلاد الروم، وغزا عبد الملك بن قطن — عامل الأندلس — أرض البشكنس، وعاد سالمًا ناجيًا بنفسه.

وفي سنة ١١٧ استعمل هشام عبيد الله بن الحجاب على إفريقية والأندلس، وأمره أن يسير إليها لفوره، ولما وصلها استعمل على الأندلس عقبة بن الحجاج، واستعمل على طنجة ابنه إسماعيل، وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازيًا إلى المغرب، فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان، فظهر عليهم، وأصاب من السبي والغنائم أمرًا عظيمًا، فملئ أهل المغرب منه رعبًا ورجع سالمًا، فسير جيشًا في البحر إلى جزيرة سردينية ففتح منها وغنم، ثم بعث بعثًا إلى صقلية في سنة ١٢٢، فغنم وصالحه أهلها على الجزية.

وفي سنة ١١٩ غزا أسد بن عبد الله الختل، فافتتح قلعة زغرزك، وسار إلى خداش، وملأ يديه من السبي والشاء، وكان الجيش الختلي قد هرب إلى الصين، وفيها لقي أسد خاقان — صاحب الترك — فقتله وقتل بشرًا كثيرًا، وغنم أسد غنائم كثيرة وسبى.٢

(٣) العلويون في عصره

كان هشام غليظًا شديدًا، عامل آل علي معاملة قاسية فثاروا عليه؛ ففي سنة ١٢١ خرج زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان يحدث نفسه بالخلافة، ويرى أنه أحق بها من الأمويين، وكان يقيم في الكوفة، تفقه على واصل بن عطاء رأس المعتزلة، واقتبس منه الاعتزال، وكان قوي الإيمان بنفسه، شديد الحماسة على المبطلين المخالفين لعقيدته، داعيًا إلى الكتاب والسنة وجهاد الظالمين، والدفع عن المُستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفيء، ورد المظالم، ونصر أهل البيت وإعطائهم حقوقهم في الخلافة وغيرها.

وقد ذكر المسعودي أن زيدًا دخل على هشام؛ فلم يَحْفل به، فجلس حيث انتهى به المجلس فقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله، فانتهره هشام وقال له: أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة!٣ واتهمه هشام بوديعه لخالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة من قبل، فبعث به إلى يوسف بن عمر أمير الكوفة في ذلك الوقت، فاستحلفه، فحلف أنه ليس عنده مال لخالد، فخلى سبيله.٤ فخرج زيد وتوجه إلى المدينة، فتبعه أهل الكوفة وقالوا: أين تذهب يرحمك الله ومعك مائة ألف سيف، نضرب بها دونك، وليس عندنا من بني أمية إلا نفر قليل؟
فقال: إني أخاف غدركم، فأنتم فعلتم بجدي الحسين ما فعلتم. فلم يزالوا يحلفون له حتى رَدُّوه، فلما رجع إلى الكوفة، وأقبل أهلها يبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألفًا من أهل الكوفة، سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة، وأقاموا بالكوفة شهورًا، ولما تمت له البيعة وخفقت على رأسه الألوية خطب جماعته فقال: «الحمد لله الذي أكمل ديني، والله إني كنت أستحي من رسول الله أن أَرِد عليه الحوض غدًا، ولم آمر في أمته بمعروف، ولم أنهَ عن منكرٍ.»٥ وجمع جموعه فبعث هشام إلى أميره يوسف بن عمر الثقفي أن يقاتله، فعبَّى كلٌّ منهما أصحابه، والتقى الفريقان، وجرى قتال شديد، فتفوق أصحاب زيد، وخذلوه، فأبلى هو وشرذمة قليلة، وأصابه سهم في جبينه فقتله، فحفر له أصحابه ساقية ودفنوه فيها، وأجروا الماء على قبره خوفًا أن يُمثِّلوا به، ثم إن يوسف عرف قبره فنبشه وأخرجه فصلبه، وبعث برأسه إلى دمشق فصلب، وبقي جسمه مدة ثم أحرقه وذراه. وفي أيامه انبث دُعاة بني علي وبني العباس وتحركت الشيعة.٦ وكان زيدًا إمامًا فاضلًا عاقلًا. وقد عثر المجمع العلمي في ميلانو منذ مدة على كتاب زيد في الفقه فطبعه، وهو أقدم كتاب في الفقه عُثِر عليه، وإلى الإمام زيد هذا تنتسب الفرقة الزيدية من فرق الشيعة.٧ وفيه يقول السيد الحميري:
بتُّ ليلًا مسهدًا
ساهرَ العين مقصدا
لعن الله حَوْشبًا
وخراشًا ومزيدا
ويزيدًا فإنه
كان أعتى وأعتدا
إنهم حاربوا الإلـ
ـه وآذوا محمدا

(٤) العباسيون في عصره

في زمن هشام اشتد العباسيون في دعوتهم بخراسان، وكان زعيم الحركة بكير بن ماهان؛ ففي سنة ١١٨، وجه بكير عمارَ بن يسار إلى خراسان واليًا على شيعة بني العباس، فنزل مرو وغَيَّرَ اسمه وتَسمَّى بخداش، ودعا إلى محمد بن علي، فدخل الناس في الدعوة، وأخذت الشيعة العباسية تقوى في الخفاء في خراسان، إلى أن جاء أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم فاتصل بإبراهيم الإمام، فأرسله إلى خراسان رئيسًا للشيعة العباسية، كما كتب إبراهيمُ إلى سلمة الخلال داعيته في الكوفة يُعْلمه أنه أرسل أبا مسلم، وكان وصول أبي مسلم إلى خراسان سنة ١٢٤ بكثير، وأخذ من ذلك الحين يعمل في الخفاء إلى أن أعلن الدعوة سنة ١٣٢.٨

(٥) أصحاب المقالات في عصره

  • (١)

    قوي أمر أهل المقالات، فظهر منهم المغيرة بن سعيد بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبد الله القسري، وكان يقول: «لو أنني أردت أن أحيي عادًا وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا لأحييتهم.» وكان مجسمًا يقول: «إن الله على صورة رجل على رأسه تاج، وأعضاء على عدد حروف الهجاء.»

    ويزعم أن الله تعالى لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأعظم فطار، فوقع على تاجه، ثم كتب بأصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأى المعاصي ارفضَّ عرقًا، فاجتمع من عرقه بحران: أحدهما ملح مظلم، والآخر عذب منير، ثم ينظر إلى البحر فرأى ظله، فذهب ليأخذه فطار، فأدركه فقلع عينَي ذلك الظل ومحقه، فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى، وخلق من البحر الملح الكفارَ، ومن البحر العذب المؤمنين. وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلَّا مَن ثبت مع علي.

    وكان يقول: إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر وعين أو بئر وقعت فيه نجاسة. وقد ظفر به خالد القسري فأحرقه وأصحابه.٩
  • (٢)

    في تلك السنة ظهر بهلول بن بشر الشيباني، المُلقَّب بكثارة، وكان معه أربعون شخصًا، اتفقوا على قتل خالد القسري؛ لأنه يهدم المساجد ويبني الكنائس، ويولي المجوس على المسلمين، ويُنكح أهل الذمة المسلمات. وخرج إليه خالد وجماعته من جند أهل الشاميين، ففتك بهلول وجماعته بالشاميين، ثم إن خالدًا بعث إليهم بجيش كثيف، فحاصرهم في دير قرب الموصل، وأظهر الخوارج من البطولة ضروبًا رائعة إلى أن قُتل بهلول، فظل أصحابه يقاتلون حتى قُتلوا عن آخرهم إلا واحدًا أخذوه إلى خالد، فلما دخل عليه أخذ يَعِظه ويتلو عليه آي القرآن، فأُعجب خالد به، وأمسك عن قتله وحبسه عنده، وكان يبعث إليه في الليالي، فيؤتى به فيُحادثه ويسائله، فبلغ ذلك هشامًا الخليفة، فعاتبه وأمره بإحراقه.

  • (٣)
    المُرجئة: كانت الفرق الإسلامية في العهد الأموي ثلاثة طوائف: الشيعة، والخوارج، والمُرجئة، أما الشيعة فقد كانوا «ملكيين»، يعتقدون أن الخلافة في عليٍّ وآلهِ لا غير، وأن من أخذها غيرهم فهو مغتصب. وأما الخوارج «فجمهوريون»، يعتقدون أن الخلافة للمسلمين، يضعونها حيث يشاءون، وحيث يرون مصلحة الإسلام وأهله. وأما المرجئة فطائفة قالت: نحن نرجئ أمر عصاة المسلمين إلى يوم البعث ولا نكفر أحدًا نطق بالشهادتين مهما أذنب، وقد أخذوا اسمهم من قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.١٠ وقد غالى بعض المرجئة في نظريته فقال: إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأصنام، أو لزم اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية١١ في دار الإسلام أو عَبَد الصليب، ومن مات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان.
    وقد قوي أمر هؤلاء في العصر الأموي، لا لأن الأمويين كانوا يشجعون هذه الحركة كما يذهب إليه المستشرقون مثل جولد تسيهر١٢ وبراون.١٣ وإنما لأن الأمويين كانوا لا يريدون التضييق على الناس في عقائدهم، ولا يرون أن تُحرم الدولة من مزايا رعاياها من غير المسلمين من نصارى أو يهود أو مجوس في الشئون الإدارية، أو المالية، أو الأدبية، أو الطبية.

(٦) مشاهير الرجال في دولته

  • (١)
    عنبسة بن سحيم الكلبي (؟–١٠٧) من الغزاة الفاتحين الشجعان، ولاه هشام بن عبد الملك سنة ١٠٣، وأوغل في غزو فرنسة، فافتتح قرقسونة Carcassonne صلحًا بعد أن حاصرها مدة، ودامت ولايته إلى أن توفي.
  • (٢)

    عبد الرحمن بن عبد الله بن بشر الغافقي (؟–١١٤) القائد البطل الشجاع، ولَّاه موسى بن نصير قيادة الأندلس الشرقية، ثم ولَّاه هشام سنة ١١٢ إمارة الأندلس، فزار أقاليمها كلها، وتأهب لفتح بلاد الغال (الأرض الكبيرة) أو فرنسة، فاستولى على بوردو، ودحر جيوش شارل مارتل، ولكن شارل تَمَكَّن من رده وقتله.

  • (٣)

    عبد الملك بن قطن الفهري (؟–١٢٣) أمير فاتح شجاع، تولى الأندلس سنة ١١٤ بعد مقتل الغافقي، وأقام يغزو كل عام، فافتتح «جليقية»، ثم عزله ابن الحجاب أمير إفريقية سنة ١١٧، وولَّى عقبة بن الحجاج، فلم يخرج الفهري منها، وبقي إلى أن توفي عقبة سنة ١٢٣، فنادى به أهل الأندلس أميرًا عليها، فأحسن الإدارة، وجاءه بلج بن بشر ضيفًا فأكرمه، وخاف بقاءه، فدعاه إلى الخروج بعد مدة، فثار عليه بلج فقتله، واستولى على الإمارة بعده.

  • (٤)

    الحارث بن سريج التميمي (؟–١٢٨) ثائر نبيل متدين من وجوه بني تميم، سكن خراسان، وثار على بني أمية في عهد هشام، ودعا إلى الكتاب والسنة والبيعة للرضي، وصار إلى الفارياب ومنها إلى بلخ فقاتله أميرها، فهزمه الحارث ودخلها، ثم استولى على الجوزجان والطالقان ومرو الروذ، وعظم أمره حتى بلغ جيشه الستين ألفًا، ثم كاتبه نصر بن سيار، وبعث إليه أمان الخليفة، فعاد إلى مرو سنة ١٢٧، ولكنه لم يتحمل رؤية الظلم والظالمين، فخرج ثائرًا ثانية فقتله نصر بن سيار.

  • (٥)

    أسد بن عبد الله القسري (؟–١٢٠) أمير جواد شجاع، ولد بدمشق، ولاه أخوه خالد بن عبد الله على خراسان سنة ١٠٨، وفي أيامه جاشت الترك بخراسان، حتى أتوا مرو الروذ، فسار إليهم أسد، فكانت له معهم وقائع انتهت بفشلهم.

  • (٦)

    نصر بن سيار الكناني (؟–١٣١) أمير شجاع داهية، كان شيخ مصر بخراسان، تولى بلخ ثم خراسان سنة ١٢٠ بعد وفاة أسد القسري في عهد هشام، غزا ما وراء النهر، ففتح عدة حصون وأقام بمرو، وقويت الدعوة العباسية في زمنه، فكتب إلى هشام يُحذِّره فلم يأبه لقوله، حتى تغلب أبو مسلم فسير إليه قحطب بن شبيب، فانتقل نصر إلى قوس ومات سنة ١٣١.

  • (٧)

    عقبة بن الحجاج السلولي (؟–١٢٣) أمير من أشراف بني سلول، بعثه هشام بن عبد الملك إلى المغرب سنة ١١٦، وبقي فيها إلى أن مات.

(٧) موته ومناقبه

مات هشام لست ليالٍ خلون من ربيع الآخر سنة ١٢٥ بداء الذبحة، وكانت خلافته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأيامًا، وهو ابن خمس وخمسين سنة، وكانت وفاته بالرصافة وبها قبره.

وكان هشام من رجال بني أمية، حليمًا عفيفًا مدبرًا، ولولا بخله وجبنه لكان من رجال الطبقة الأولى فيهم، وكان يحب عمارة القصور، وإصلاح الأرض، واصطناع الرجال، وتحصين الثغور، وإقامة الأقنية، وإشادة الجسور. قال الفخري: كان غزير العقل، حليمًا عفيفًا، واجتمع له من الأموال ما لم يجتمع في خزانة أحد من ملوك بني أمية في الشام، وبنى «رصافة هشام» على بُعْد أربعة فراسخ من الرقة غربًا.

١  ابن الأثير ٥: ٥٨–٦٣.
٢  الطبري ٨: ٢٣١، وابن الأثير ٥: ٧٣.
٣  المروج ٢: ١٨١.
٤  الفخري، ص١١٣.
٥  الفخري، ص١١٣.
٦  الفخري، ص١١٤، وابن الأثير ٥: ٨٤–٨٩.
٧  انقسم الزيدية بعد موت زيد إلى طوائف عديدة، فظل بعضهم على ولائه لزيد وبايعوا ابنه يحيى وقاتلوا معه في خراسان سنة ١٢٥ إلى أن قُتل.
٨  الطبري ٨: ٢٢٨.
٩  الطبري ٨: ٢٤١.
١٠  سورة التوبة: ١٠٦.
١١  انظر الفَرق بين الفِرق، للبغدادي، ص١٢٢، والعقيدة والشريعة، لجولد تسيهر، ص٧٦.
١٢  العقيدة والشريعة، لجولد تسيهر، ص٧٠ وما بعدها.
١٣  تاريخ الأدب الفارسي ٢: ٢٨٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤