فلما كانت الليلة ١

حكاية التاجر مع العفريت

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان تاجر من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد، قد ركب يومًا، وخرج يطالب في بعض البلاد، فاشتَدَّ عليه الحر، فجلس تحت شجرة وحطَّ يده في خُرجه، وأكل كسرة كانت معه وتمرة، فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة، وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف، دنا من ذلك التاجر، وقال له: قُمْ حتى أقتلك مثلما قتلتَ ولدي. فقال له التاجر: كيف قتلتُ ولدَك؟ قال له: لما أكلتَ التمرة ورميتَ نواتها، جاءت النواة في صدر ولدي فقُضِي عليه ومات من ساعته. فقال التاجر للعفريت: اعلم أيها العفريت أني عليَّ دَيْنٌ، ولي مال كثير وأولاد وزوجة، وعندي رهون، فدعني أذهب إلى بيتي، وأعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ثم أعود إليك ولك عليَّ عهد وميثاق أني أعود إليك، فافعل بي ما تريد، والله على ما أقول وكيل. فاستوثق منه الجني وأطلقه، فرجع إلى بلده، وقضى جميع تعلقاته، وأوصل الحقوق إلى أهلها، وأعلم زوجته وأولاده بما جرى له فبكوا، وكذلك جميع أهله ونسائه وأولاده، وأوصى وقعد عندهم إلى تمام السنة، ثم توجَّه وأخذ كفنه تحت إبطه، وودَّعَ أهله وجيرانه وجميع أهله، وخرج رغمًا عن أنفه، فأقاموا عليه العياط والصراخ، فمشى إلى أن وصل إلى ذلك البستان، وكان ذلك اليوم أول السنة الجديدة، فبينما هو جالس يبكي على ما يحصل له، وإذا بشيخ كبير قد أقبل عليه ومعه غزالة مُسَلْسَلَةٌ، فسلَّم على هذا التاجر وحيَّاه، وقال له: ما سبب جلوسك في هذا المكان وأنت منفرد، وهو مأوى الجن؟! فأخبره التاجر بما جرى له مع ذلك العفريت، وبسبب قعوده في هذا المكان، فتعجَّبَ الشيخُ صاحبُ الغزالة، وقال: واللهِ يا أخي ما دَينُك إلا دَيْنٌ عظيم، وحكايتك حكاية عجيبة، لو كُتِبت بالإبر على آماق البصر لَكانت عِبرةً لمَنِ اعتبر. ثم إنه جلس بجانبه وقال: واللهِ يا أخي لا أبرح من عندك حتى أنظر ما يجري لك مع ذلك العفريت. ثم إنه جلس عنده يتحدَّث معه، فغُشِي على ذلك التاجر، وحصل له الخوف والفزع، والغم الشديد والفكر المزيد، وصاحب الغزالة بجانبه، وإذا بشيخ ثانٍ قد أقبل عليهما، ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب السود، فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجن، فأخبراه بالقصة من أولها إلى آخِرها، فلم يستقرَّ به الجلوس حتى أقبل عليهم شيخٌ ثالث، ومعه بغلة زرزوريَّة، فسلَّمَ عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان، فأخبروه بالقصة من أولها إلى آخِرها وليس في الإعادة إفادة، وإذا بغبرة هاجت، وزوبعة عظيمة قد أقبلت من وسط تلك البرية، فانكشفتِ الغبرةُ؛ وإذا بذلك الجني وبيده سيف مسلول، وعيونه ترمي بالشرر، فأتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم، وقال له: قُمْ حتى أقتلك مثلما قتلتَ ولدي وحشاشةَ كبدي. فانتحب ذلك التاجر وبكى، وأعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل والنحيب.

فانتبه منهم الشيخ الأول، وهو صاحب الغزالة، وقبَّل يد ذلك العفريت وقال له: أيها الجني وتاج ملوك الجان، إذا حكيتُ لك حكايتي مع هذه الغزالة، ورأيتها عجيبةً أتهب لي ثلُث دَمِ هذا التاجر؟ قال: نعم أيها الشيخ، إذا أنت حكيتَ لي الحكايةَ، ورأيتُها عجيبةً وهبتُ لك ثلثَ دمه. فقال ذلك الشيخ الأول: اعلم أيها العفريت أن هذه الغزالة هي بنت عمي، ومن لحمي ودمِي، وكنتُ تزوَّجتُ بها وهي صغيرة السن، وأقمت معها نحو ثلاثين سنة، فلم أُرْزَقْ منها بولدٍ، فأخذتُ لي سريةً، فرُزِقت منها بولدٍ ذكرٍ كأنه البدر؛ إذ بَدَا بعينين مليحتين، وحاجبين مُزَجَّجَيْنِ، وأعضاء كاملة، فكبر شيئًا فشيئًا إلى أن صار ابن خمس عشرة سنة، فطرأت لي سفرةٌ إلى بعض المدائن، فسافرتُ بمتجر عظيم، وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلَّمَتِ السحر والكهانة من صغرها، فسحرَتْ ذلك الولدَ عِجْلًا، وسحرَتِ الجاريةَ أمَّه بقرةً، وسلَّمتهما إلى الراعي، ثم جئتُ أنا بعد مدة طويلة من السفر، فسألتُ عن ولدي وعن أمه، فقالت لي: جاريتك ماتَتْ، وابنك هرب ولم أعلم أين راح. فجلستُ مدةَ سنة وأنا حزين القلب باكي العين إلى أن جاء عيد الضحية، فأرسلتُ إلى الراعي أن يخصني ببقرة سمينة، فجاءني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة، فشمَّرْتُ ثيابي، وأخذت السكين بيدي وتهيَّأْتُ لذبحها، فصاحت وبكت بكاءً شديدًا، فقمت عنها وأمرت ذلك الراعي بذبحها وسلخها، فذبحها وسلخها فلم يجد فيها شحمًا ولا لحمًا غير جلد وعظم، فندمتُ على ذبحها حيث لا ينفعني الندم، وأعطيتها للراعي وقلتُ له: ائتني بعجل سمين. فأتاني بولدي المسحور عجلًا، فلما رآني ذلك العجل قطع حبله، وجاءني وتمرَّغ عليَّ، وولول وبكى، فأخذتني الرأفة عليه، وقلت للراعي: ائتني ببقرة ودَعْ هذا.

figure
فقالَت لها: باللهِ عليكِ يا أختي حدِّثينا حديثًا نقطع به سهَر ليلتنا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أطيب حديثك، وألطفه وألَذَّه وأعذبه! فقالت لها: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلةَ القابلة إن عشتُ وأبقاني الملك! فقال الملك في نفسه: والله ما أقتُلها حتى أسمع بقية حديثها. ثم إنهما باتَا تلك الليلة إلى الصباح متعانِقَيْنِ، فخرج الملك إلى محل حكمه، وطلع الوزير بالكفن تحت إبطه، ثم حكم الملك وولَّى وعزل إلى آخِر النهار، ولم يُخبر الوزير بشيء من ذلك؛ فتعجب الوزير غاية العجب، ثم انفَضَّ الديوان، ودخل الملك شهريار قصره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤