الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَعُودُ
هَرْوَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ لِأَعْلَى التَّلِّ، وَكَانَتْ فِي طَرِيقِهَا لِلْمَنْزِلِ وَمَعَهَا دَجَاجَةٌ صَغِيرَةٌ طَرِيَّةٌ مِنْ أَجْلِ الثَّعْلَبِ ريدي. كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي مِسْكِينًا حَقًّا! بِالطَّبْعِ كَانَ الْأَمْرُ خَطَأَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا وَمُهْمِلًا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ اقْتَرَبَ مِنْ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي كَانَ يَخْتَبِئُ وَرَاءَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون.
وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ذَلِكَ؛ فَهِيَ لَا تَرْتَكِبُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَخْطَاءِ مُطْلَقًا؛ لِذَلِكَ الْآنَ، وَهِيَ تَصْعَدُ التَّلَّ لِتَصِلَ إِلَى مَكَانٍ يُمْكِنُ أَنْ تَرَى مِنْهُ الْمَنْزِلَ، وَضَعَتِ الدَّجَاجَةَ أَرْضًا، ثُمَّ تَسَلَّلَتْ خَلْفَ شُجَيْرَةٍ صَغِيرَةٍ، وَنَظَرَتْ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِتَرَى إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ خَالِيًا؛ فَقَدْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر مُقَيَّدٌ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتِ الْمُزَارِعَ براون وَابْنَهُ يَعْزِقَانِ حَقْلَ الذُّرَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا تَخْشَاهُ مِنْهُمَا.
وَبَيْنَمَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى عَتَبَةِ بَابِ مَنْزِلِهَا، رَأَتِ الثَّعْلَبَ ريدي مُسْتَلْقِيًا فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ رَأَتْ شَيْئًا آخَرَ؛ شَيْئًا جَعَلَهَا تَكَزُّ عَلَى أَسْنَانِهَا وَعَيْنَاهَا تَلْمَعَانِ، إِذْ رَأَتِ الْأَرْنَبَ بيتر يَجْلِسُ مُبَاشَرَةً عَلَى بُعْدِ مَا يَقِلُّ عَنْ عَشْرِ أَقْدَامٍ مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي.
قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ فِي نَفْسِهَا: «إِذَنْ هَذَا هُوَ الْأَرْنَبُ بيتر الْوَغْدُ الَّذِي كَانَ ريدي سَيُمْسِكُهُ مِنْ أَجْلِي عِنْدَمَا كُنْتُ مَرِيضَةً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ! سَأُرِي الثَّعْلَبَ ريدي سُهُولَةَ الْقِيَامِ بِالْأَمْرِ، وَسَيَكُونُ لَدَيْهِ أَرْنَبٌ صَغِيرٌ مَعَ دَجَاجَتِهِ!»
لِذَلِكَ دَرَسَتْ أَوَّلًا كُلَّ كُتْلَةٍ مِنَ الْعُشْبِ وَكُلَّ شُجَيْرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَتَسَلَّلَ خَلْفَهَا؛ فَرَأَتْ أَنَّهُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصِلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ بيتر تَقْرِيبًا بِدُونِ أَنْ تُظْهِرَ لَهُ نَفْسَهَا. ثُمَّ نَظَرَتْ فِي كِلَا الِاتِّجَاهَيْنِ لِتَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ.
لَمْ تَرَ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَحَدًا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ يَنْظُرُ بِاتِّجَاهِهَا؛ فَبَدَأَتْ تَزْحَفُ مِنْ مَجْمُوعَةِ عُشْبٍ إِلَى أُخْرَى وَمِنْ شُجَيْرَةٍ إِلَى أُخْرَى. كَانَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ تَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهَا. وَشَيْئًا فَشَيْئًا بَدَأَتْ تَقْتَرِبُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِنَ الْأَرْنَبِ بيتر.
وَلَكِنْ مَعَ كُلِّ دَهَاءِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ فَقَدْ نَسِيَتْ شَيْئًا. أَجَلْ؛ لَقَدْ نَسِيَتْ شَيْئًا وَاحِدًا؛ فَهِيَ لَمْ تَنْظُرْ نَظْرَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ. وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ يَدُورُ وَيُحَلِّقُ وَهُوَ يَنْظُرُ لِأَسْفَلَ وَيَرَى كُلَّ مَا يَجْرِي.
كَانَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ حَادَّ الذَّكَاءِ؛ فَقَدْ عَرَفَ مَاذَا تُخَطِّطُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ لِتَفْعَلَ بِالضَّبْطِ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ أَفْكَارَهَا، وَبَرَقَتْ عَيْنَاهُ.
تَمْتَمَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ وَهُوَ يَضْحَكُ: «بِالتَّأْكِيدِ لَا يُمْكِنُنِي السَّمَاحُ بِأَذِيَّةِ الْأَرْنَبِ بيتر الصَّغِيرِ، بِالتَّأْكِيدِ لَا!»
عِنْدَئِذٍ وَجَّهَ أَجْنِحَتَهُ الْعَرِيضَةَ لِأَسْفَلَ، وَبِدُونِ أَنْ يُصْدِرَ أَيَّ صَوْتٍ اتَّجَهَ لِأَسْفَلَ حَتَّى أَصْبَحَ خَلْفَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ تَمَامًا.
وَسَأَلَهَا الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ: «هَلْ تَزْحَفِينَ إِلَى الْمَنْزِلِ دَائِمًا أَيَّتُهَا الْجَدَّةُ ثعلبة؟!»
تَفَاجَأَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ كَثِيرًا؛ فَهِيَ لَمْ تَكُنْ قَدْ سَمِعَتْ أَيَّ صَوْتٍ، حَتَّى إِنَّ قَلْبَهَا كَادَ يَتَوَقَّفُ مِنَ الْفَزَعِ. وَبِالطَّبْعِ، كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر قَدْ رَآهَا وَانْطَلَقَ رَاكِضًا كَالرَّصَاصَةِ.
أَظْهَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَسْنَانَهَا كُلَّهَا وَزَمْجَرَتْ فِي غَضَبٍ: «أَتَمَنَّى لَوْ تَهْتَمُّ بِأُمُورِكَ فَقَطْ أَيُّهَا الصَّقْرُ ميستاه!»
أَجَابَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ: «بِالطَّبْعِ، بِالطَّبْعِ، سَأَقُومُ بِذَلِكَ!» وَحَلَّقَ عَالِيًا نَحْوَ السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ.