الفصل الثامن عشر

مُطَارَدَةُ الثَّعْلَبِ ريدي

مَشَاكِلُ مَشَاكِلُ مَشَاكِلُ، أَشْعُرُ بِهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ؛
مَشَاكِلُ مَشَاكِلُ مَشَاكِلُ، إِنَّهَا حَوْلِي فِي كُلِّ مَكَانٍ!

تَمْتَمَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِذَلِكَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا، وَهِيَ تَمْشِي فِي الْأَنْحَاءِ فِي ضِيقٍ وَتَتَشَمَّمُ الْهَوَاءَ.

قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي: «لَا أَرَى أَيَّ مَشَاكِلَ، وَلَا أَشْعُرُ بِأَيِّ مَشَاكِلَ مِنْ حَوْلِي! كُلُّ الْمَشَاكِلِ فَقَطْ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُلْتَهِبَةِ فِي مَوْضِعِ إِصَابَتِي.» وَقَدْ كَانَ ريدي يَتَمَدَّدُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ مَنْزِلِهِمَا.

رَدَّتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «هَذَا لِأَنَّكَ لَا تَمْلِكُ أَيَّ إِحْسَاسٍ! عِنْدَمَا تَحْصُلُ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُ وَتَتَعَلَّمُ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؛ لَنْ تُصَابَ بِطَلْقٍ نَارِيٍّ مِنْ خَلْفِ جُذُوعِ الْأَشْجَارِ الْعَجَائِزِ، وَسَتَتَمَكَّنُ مِنَ الشُّعُورِ بِالْمَشَاكِلِ عِنْدَمَا تَقْتَرِبُ وَقَبْلَ أَنْ تَنْتَظِرَ ظُهُورَهَا، وَالْآنَ أَنَا أَشْعُرُ بِالْمَشَاكِلِ؛ فَادْخُلْ إِلَى الْمَنْزِلِ وَابْقَ هُنَاكَ!» تَوَقَّفَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ لِتَتَفَحَّصَ الْهَوَاءَ بِأَنْفِهَا كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ فِي الدَّقَائِقِ الْعَشْرِ الْمَاضِيَةِ.

تَذَمَّرَ الثَّعْلَبُ ريدي قَائِلًا: «لَا أُرِيدُ الدُّخُولَ! إِنَّ الطَّقْسَ جَمِيلٌ وَدَافِئٌ، وَأَنَا أَشْعُرُ بِتَحَسُّنٍ هُنَا بَدَلًا مِنَ التَّكَوُّرِ فِي الْأَسْفَلِ فِي الظَّلَامِ.»

الْتَفَتَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَعَيْنَاهَا غَاضِبَتَانِ نَاظِرَةً إِلَى الثَّعْلَبِ ريدي. لَمْ تَتَفَوَّهْ بِكَلِمَةٍ؛ فَلَمْ تَكُنْ بِحَاجَةٍ لِذَلِكَ. زَحَفَ ريدي إِلَى دَاخِلِ الْمَنْزِلِ وَهُوَ يُتَمْتِمُ فِي نَفْسِهِ، وَأَدْخَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ رَأْسَهَا مِنَ الْبَابِ.

وَأَمَرَتْهُ قَائِلَةً: «لَا تَخْرُجْ قَبْلَ أَنْ أَعُودَ؛ فَابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَادِمٌ وَمَعَهُ بُنْدُقِيَّتُهُ.»

ارْتَجَفَ الثَّعْلَبُ ريدي عِنْدَمَا سَمِعَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُصَدِّقِ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ؛ فَقَدْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ لِإِخَافَتِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدَّاخِلِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَرْتَجِفُ عَلَى أَيِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى وَعْيٍ بِأَلَمِ الْإِصَابَةِ بِطَلْقٍ نَارِيٍّ؛ حَيْثُ كَانَ لَا يَزَالُ مُتَأَلِّمًا وَمُتَيَبِّسًا بِحَيْثُ لَا يَقْوَى عَلَى الرَّكْضِ. وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَرَبَ مِنِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون وَبُنْدُقِيَّتِهِ.

وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ تَخْدَعُ الثَّعْلَبَ ريدي عِنْدَمَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون قَادِمٌ وَمَعَهُ بُنْدُقِيَّتُهُ؛ فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةَ؛ حَيْثُ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ قَادِمًا مِنَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ وَأَمَامَهُ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر. كَيْفَ عَرَفَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ ذَلِكَ؟ شَعَرَتْ بِهِمَا فَحَسْبُ! لَمْ تَسْمَعْهُمَا وَلَمْ تَرَهُمَا وَلَمْ تَشْتَمَّ رَائِحَتَهُمَا؛ شَعَرَتْ بِقُدُومِهِمَا فَقَطْ، وَانْطَلَقَتِ الْجَدَّةُ فِي لَمْحِ الْبَصَرِ بِمُجَرَّدِ أَنِ اسْتَجَابَ الثَّعْلَبُ ريدي لَهَا.

قَالَتِ الْجَدَّةُ فِي نَفْسِهَا: «لَنْ أَدَعَهُمَا يَجِدَانِ مَنْزِلَنَا.» وَاخْتَفَتْ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

فِي بَادِئِ الْأَمْرِ، أَسْرَعَتْ نَحْوَ نُقْطَةٍ فِي أَعْلَى التَّلِّ لِتَتَمَكَّنَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ، وَكَمَا تَوَقَّعَتْ رَأَتِ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَأَمَامَهُ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يَتَشَمَّمُ كُلَّ شُجَيْرَةٍ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ. لَمْ تَمْكُثِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ لِتَرَى الْمَزِيدَ، بَلْ رَكَضَتْ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُهَا فِي دَائِرَةٍ وَاسِعَةٍ قَرَّبَتْهَا مِنَ الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ مَعَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون وَكَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، وَلَكِنْ دُونَ أَنْ يَرَيَاهَا بِسَبَبِ مُنْعَطَفٍ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ هَرْوَلَتْ لِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ وَعَادَتْ بَعْدَهَا إِلَى الْغَابَةِ وَأَسْرَعَتْ نَحْوَ أَعْلَى التَّلِّ؛ حَيْثُ جَلَسَتْ لِتَنْتَظِرَ. وَفِي غُضُونِ بِضْعِ دَقَائِقَ سَمِعَتْ صَوْتَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، فَقَدِ اشْتَمَّ أَثَرَهَا فِي الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ وَكَانَ يَتَتَبَّعُهُ. ابْتَسَمَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ ابْتِسَامَةً وَاسِعَةً، فَكَمَا تَرَى كَانَتْ تُخَطِّطُ لِتَضْلِيلِهِمَا بَعِيدًا جِدًّا جِدًّا عَنِ الْمَنْزِلِ الَّذِي يَخْتَبِئُ فِيهِ الثَّعْلَبُ ريدي، وَلَنْ تَتْرُكَهُمَا يَجِدَانِهِ.

وَابْتَسَمَ الصَّبِيُّ براون أَيْضًا وَهُوَ يَسْمَعُ صَوْتَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر.

وَقَالَ: «سَأُطَارِدُ ذَلِكَ الثَّعْلَبَ حَتَّى أَجِدَهُ.» فَكَمَا تَرَى، لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَيَّ شَيْءٍ عَنِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ، وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر يَتَتَبَّعُ الثَّعْلَبَ ريدي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤