الفصل الثالث والعشرون

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَشْعُرُ بِذُعْرٍ شَدِيدٍ

شَعَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَكَأَنَّ قَلْبَهَا سَقَطَ فِي قَدَمَيْهَا، فَقَدِ اسْتَشَفَّتْ أَنَّ الصَّقْرَ ميستاه الْعَجُوزَ بِالتَّأْكِيدِ قَدْ رَأَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَبُنْدُقِيَّتَهُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي يُعَالِجُ فِيهِ الثَّعْلَبُ ريدي جِرَاحَهُ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ نَصَحَهَا بِالْإِسْرَاعِ إِلَى الْمَنْزِلِ. كَانَتْ بِالْفِعْلِ مُتْعَبَةً وَتَشْعُرُ بِالْحَرَارَةِ مِنَ الرَّكْضِ طَوِيلًا لِتَضْلِيلِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر بَعِيدًا عَنِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. كَانَتْ تُفَكِّرُ فِي السَّيْرِ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي الطُّرُقِ الظَّلِيلَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْآنَ الرَّكْضُ أَسْرَعَ مِنْ ذِي قَبْلُ؛ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَقَّقَ إِنْ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ عَثَرَ عَلَى مَنْزِلِهَا أَمْ لَا.

فَكَّرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَهِيَ تَرْكُضُ: «مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّنِي أَمَرْتُ الثَّعْلَبَ ريدي أَنْ يَدْخُلَ إِلَى الْمَنْزِلِ وَلَا يَخْرُجَ حَتَّى أَعُودَ. مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّنِي فَعَلْتُ ذَلِكَ.» كَانَتْ تَسْمَعُ الْآنَ أَصْوَاتًا تُغَنِّي، وَبَدَا أَنَّهَا فِي أَعْلَى الشَّجَرِ.

نَرْقُصُ وَنَلْعَبُ فِي سَعَادَةٍ
طَوَالَ الْيَوْمِ الْمُشْمِسِ،
نَرْكُضُ وَنَتَسَابَقُ فِي سَعَادَةٍ
وَنَكْسِبُ أَوْ نَخْسِرُ بِوَجْهٍ ضَاحِكٍ!

كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَعْرِفُ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ، فَنَظَرَتْ لِأَعْلَى. وَكَمَا تَوَقَّعَتْ، كَانَتْ هَذِهِ أَصْوَاتَ النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ بَنَاتِ الرِّيَاحِ الْغَرْبِيَّةِ الْعَجُوزِ وَهِيَ تَلْعَبُ بَيْنَ الْأَوْرَاقِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَظَرَتْ إِحْدَاهَا لِأَسْفَلَ وَرَأَتْهَا.

صَاحَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ: «هَا هِيَ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ! انْظُرْنَ كَيْفَ تَبْدُو مُتْعَبَةً وَتَشْعُرُ بِالْحَرَارَةِ. لِنَذْهَبْ لِلْأَسْفَلِ وَنُبَرِّدِ الْجَوَّ مِنْ حَوْلِهَا!»

وَفِي لَمْحِ الْبَصَرِ نَزَلْنَ جَمِيعًا مِنْ أَعَالِي الْأَشْجَارِ، وَأَخَذْنَ يَرْقُصْنَ حَوْلَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. وَبِالطَّبْعِ، اسْتَمَرَّتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ فِي الرَّكْضِ. كَانَتْ شَدِيدَةَ الْقَلَقِ، وَلَكِنَّ النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةَ الْمَرِحَةَ ظَلَّتْ تَرْكُضُ بِجَانِبِهَا، وَلَمْ يَعُدِ الرَّكْضُ صَعْبًا كَمَا كَانَ.

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَهِيَ تَلْهَثُ: «هَلْ رَأَيْتُنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون؟»

صَاحَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ: «أَجَلْ؛ لَقَدْ رَأَيْنَاهُ مُنْذُ قَلِيلٍ بِالْقُرْبِ مِنْ مَنْزِلِكِ أَيَّتُهَا الْجَدَّةُ ثعلبة. لَقَدْ سَحَبْنَا قُبَّعَتَهُ فَقَطْ لِنَسْمَعَ تَوْبِيخَهُ.» وَضَحِكَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ وَكَأَنَّهَا قَدْ قَضَتْ وَقْتًا لَطِيفًا مَعَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ لَمْ تَضْحَكْ مُطْلَقًا! فَقَدْ شَعَرَتْ بِالْخَوْفِ أَكْثَرَ، وَرَكَضَتْ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ. وَسُرْعَانَ مَا وَصَلَتْ لِأَعْلَى التَّلِّ حَتَّى تَتَسَنَّى لَهَا الْمُرَاقَبَةُ، وَبَدَا قَلْبُهَا وَكَأَنَّهُ قَدِ انْقَبَضَ وَتَوَقَّفَ عَنِ الْخَفَقَانِ، وَأَوْشَكَتْ عَيْنَاهَا أَنْ تَخْرُجَا مِنْ رَأْسِهَا؛ فَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَقِفُ أَمَامَ بَابِ مَنْزِلِهَا تَمَامًا. وَبَيْنَمَا كَانَتِ الْجَدَّةُ تُرَاقِبُ مَاذَا يَفْعَلُ الثَّعْلَبُ ريدي، أَخْرَجَ ريدي رَأْسَهُ مِنَ الْبَابِ.

شَاهَدَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بُنْدُقِيَّةَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون وَهِيَ مُوَجَّهَةٌ نَحْوَ ريدي، فَوَضَعَتْ يَدَيْهَا الِاثْنَتَيْنِ عَلَى عَيْنَيْهَا لِكَيْلَا تَرَى ذَلِكَ الْمَشْهَدَ الْبَشِعَ. ثُمَّ انْتَظَرَتْ صَوْتَ انْطِلَاقِ الْبُنْدُقِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ. نَظَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهَا، فَوَجَدَتِ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَا يَزَالُ هُنَاكَ بَيْنَمَا الثَّعْلَبُ ريدي قَدِ اخْتَفَى.

تَنَهَّدَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ فِي ارْتِيَاحٍ. لَقَدْ كَانَتْ فِي نَوْبَةِ ذُعْرٍ رَهِيبَةٍ، أَسْوَأِ مَا يُمْكِنُهَا تَذَكُّرُهُ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤