الفصل السادس

نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر يَنْقُرُ عَبَثًا

فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، قَبْلَ أَنْ يَظُنَّ نَفْسَهُ شَدِيدَ الذَّكَاءِ، لَمْ يُفَكِّرِ الثَّعْلَبُ ريدي قَطُّ فِي الرَّكْضِ دُونَ أَنْ يُرَاقِبَ جَمِيعَ الِاتِّجَاهَاتِ. لَوْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ، كَانَ سَيَرَى هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي يَبْدُو كَبُنْدُقِيَّةٍ تَخْرُجُ مِنْ خَلْفِ الشَّجَرَةِ وَهِيَ مُوَجَّهَةٌ نَحْوَهُ. وَكَانَ سَيَشْتَبِهُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّأْكِيدِ، وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ مَا يُفَكِّرُ فِيهِ ريدي هُوَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الرَّائِعَةَ لِيُشَاهِدَ أَهْلُ الْمَرْجِ الصَّغِيرِ وَالْغَابَةِ كَمْ هُوَ جَرِيءٌ وَذَكِيٌّ.

وَمَرَّةً أُخْرَى جَلَسَ الثَّعْلَبُ ريدي وَانْتَظَرَ حَتَّى كَادَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يَلْحَقُ بِهِ؛ وَعِنْدَئِذٍ بَدَأَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر فِي إِصْدَارِ ضَوْضَاءَ عَالِيَةٍ: رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! كَانَ الْجَمِيعُ يَعْلَمُونَ أَنَّ رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ هِيَ إِشَارَةُ خَطَرٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر لِيُصْدِرَ هَذِهِ الضَّوْضَاءَ مِنْ أَجْلِ الْمُتْعَةِ، وَلَكِنَّ الثَّعْلَبَ ريدي لَمْ يُعِرِ الْأَمْرَ انْتِبَاهًا، بَلْ لَمْ يُلَاحِظْهُ مِنَ الْأَسَاسِ؛ فَكَمَا تَرَى، كَانَ مَشْغُولًا بِذَكَائِهِ فَلَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ مِسَاحَةٌ لِأَيِّ شَيْءٍ آخَرَ.

قَالَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر لِنَفْسِهِ: «يَا لَهُ مِنْ غَبِيٍّ! لَا أَعْلَمُ لِمَاذَا أَقُومُ بِإِنْذَارِهِ مِنَ الْأَسَاسِ. الْمُرُوجُ وَالْغَابَةُ الْخَضْرَاءُ سَتَكُونُ أَفْضَلَ بِدُونِهِ، أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ! فَلَا أَحَدَ هُنَا يُحِبُّهُ؛ إِنَّهُ مُتَنَمِّرٌ مُزْعِجٌ وَيُحَاوِلُ طَوَالَ الْوَقْتِ إِخَافَةَ مَنْ هُمْ أَصْغَرُ مِنْهُ أَوِ الْإِمْسَاكَ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ وَسِيمٌ جِدًّا!» مَالَ درامر بِرَأْسِهِ إِلَى الْجَنْبِ وَنَظَرَ إِلَى ريدي.

كَانَ ريدي يَضْحَكُ وَهُوَ يُشَاهِدُ كَمْ يَبْذُلُ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر مِنْ مَجْهُودٍ لِمُحَاوَلَةِ فَكِّ طَلَاسِمِ أَثَرِ ريدي الْمُخْتَلِطِ.

قَالَ درامر مَرَّةً أُخْرَى: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي؛ إِنَّهُ وَسِيمٌ بِالتَّأْكِيدِ.»

ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْأَسْفَلِ عِنْدَ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَمَا شَاهَدَهُ كَانَ كَافِيًا لِيُغَيِّرَ رَأْيَهُ؛ فَتَمْتَمَ قَائِلًا: «سَأَفْتَقِدُ بِالتَّأْكِيدِ رُؤْيَةَ فَرْوِهِ الْأَحْمَرِ الْجَمِيلِ! بِالتَّأْكِيدِ سَأَفْتَقِدُهُ! إِذَا لَمْ يَسْمَعْ وَيُصْغِ الْآنَ؛ فَلَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ ذَنْبِي!»

وَبَدَأَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر فِي النَّقْرِ بِغَضَبٍ: رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! عَلَى جِذْعِ الشَّجَرَةِ، وَدَوَّتِ الضَّوْضَاءُ فِي أَنْحَاءِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَعَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَحَتَّى التِّلَالِ الْبَنَفْسَجِيَّةِ تَقْرِيبًا.

وَفِي أَسْفَلِ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ، كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ مَلِيءٌ بِالنَّمَشِ وَتَكْسُوهُ نَظْرَةُ غَضَبٍ. كَانَ ذَلِكَ وَجْهَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

تَمْتَمَ قَائِلًا: «مَا خَطْبُ نَقَّارِ الْخَشَبِ اللَّعِينِ هَذَا؟! إِذَا لَمْ يَقِفْ سَاكِنًا، فَسَيُخِيفُ الثَّعْلَبَ!»

لَوَّحَ بِقَبْضَتِهِ لِيُخِيفَ درامر، وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّ درامر لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ فِي نَقْرِهِ: رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤