الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَعْتَنِي بِريدي
كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي ضَعِيفًا وَمُتَأَلِّمًا؛ فَبِالْكَادِ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْعَرَجِ. كَانَ أَصْعَبُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي قَامَ بِهَا هُوَ مُحَاوَلَةَ الِابْتِعَادِ عَنْ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر بِمَا يَكْفِي لِخَلْطِ آثَارِهِ؛ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَتَبُّعِهِ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى الْمَنْزِلِ وَالدُّمُوعُ تَتَسَاقَطُ عَلَى أَنْفِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ مُحَاوَلَتِهِ الْجَاهِدَةِ لِعَدَمِ الْبُكَاءِ. تَأَوَّهَ الثَّعْلَبُ ريدي وَهُوَ يَئِنُّ: «آهْ! آهْ! آهْ!» وَزَحَفَ إِلَى مَدْخَلِ مَنْزِلِهِ.
صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ فِي غَضَبٍ: «مَا الَّذِي حَدَثَ الْآنَ؟!» فَقَدِ اسْتَيْقَظَتْ لِلتَّوِّ مِنْ قَيْلُولَتِهَا.
قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي: «ﻟَ … لَقَدْ تَأَذَّيْتُ!» وَبَدَأَ يُجْهِشُ بِالْبُكَاءِ.
نَظَرَتْ لَهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِحِدَّةٍ، وَقَالَتْ فِي غَضَبٍ: «مَاذَا كُنْتَ تَفْعَلُ الْآنَ؟! … هَلْ مَزَّقْتَ مَلَابِسَكَ فِي أَسْلَاكٍ شَائِكَةٍ أَوْ أَثْنَاءَ مُحَاوَلَةِ الزَّحْفِ عَبْرَ شُجَيْرَةِ وَرْدٍ بَرِّيٍّ شَائِكٍ؟ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ بِمَا يَكْفِي الْآنَ لِتَهْتَمَّ بِنَفْسِكَ!» وَاقْتَرَبَتْ لِتَرَى إِصَابَةَ ريدي.
قَالَ ريدي فِي تَرَجٍّ: «رَجَاءً لَا تُؤَنِّبِينِي يَا جَدَّةُ، رَجَاءً!» وَكَانَ قَدْ بَدَأَ يَعْرُجُ وَيَشْعُرُ بِالْغَثَيَانِ وَحَسْرَةٍ شَدِيدَةٍ.
أَلْقَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ نَظْرَةً وَاحِدَةً عَلَى إِصَابَاتِ ريدي وَعَرَفَتْ عَلَى الْفَوْرِ مَاذَا حَدَثَ. جَعَلَتْ ريدي يَتَمَدَّدُ بِالْكَامِلِ وَبَدَأَتْ فِي عِلَاجِهِ. قَامَتْ بِغَسْلِ جُرُوحِهِ بِحِرْصٍ شَدِيْدٍ وَرَبْطِهَا. كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَلْمِسُ الْأَمَاكِنَ الْمُتَقَرِّحَةَ بِلُطْفٍ، وَلَكِنْ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ كَانَ لِسَانُهَا لَا يَتَوَقَّفُ أَثْنَاءَ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَكُنْ مَا تَقُولُهُ لَطِيفًا عَلَى الْإِطْلَاقِ! لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِهَا أَيُّ لُطْفٍ!
فَكَمَا تَرَى، كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ حَكِيمَةً جِدًّا، وَشَدِيدَةَ الذَّكَاءِ وَالدَّهَاءِ. فَبِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا لِجُرُوحِ ريدي، عَرَفَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهَا مِنْ جَرَّاءِ طَلْقَةِ بُنْدُقِيَّةٍ. وَكَانَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي كَانَ مُهْمِلًا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ تَعَرَّضَ لِمَوْقِفٍ فِيهِ خَطَرُ إِطْلَاقِ نَارٍ.
قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ: «أَتَمَنَّى أَنْ يُلَقِّنَكَ ذَلِكَ دَرْسًا! مَا فَائِدَةُ عَيْنَيْكَ وَأُذُنَيْكَ وَأَنْفِكَ؟ فَائِدَتُهَا إِبْقَاؤُكَ بَعِيدًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَشَاكِلِ.»
«وَالْآنَ أَخْبِرْنِي بِكُلِّ شَيْءٍ عَنِ الْمَوْضُوعِ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ ريدي. إِنَّهُ فَصْلُ الصَّيْفِ وَلَا يَقُومُ الرِّجَالُ بِصَيْدِ الثَّعَالِبِ الْآنَ. لَا أَرَى سَبَبًا لِانْتِظَارِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون لَكَ وَمَعَهُ بُنْدُقِيَّةٌ.»
أَخْبَرَ الثَّعْلَبُ ريدي الْجَدَّةَ كَيْفَ رَكَضَ بِالْقُرْبِ مِنْ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي كَانَ يَخْتَبِئُ خَلْفَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهَا كَيْفَ كَانَ يَتَبَاهَى وَكَيْفَ قَامَ بِسَرِقَةِ دَجَاجَةِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون فِي وَضَحِ النَّهَارِ. تَأَكَّدْ أَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَلَّا يَذْكُرَ ذَلِكَ.
رَفَعَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ حَاجِبَيْهَا وَفَكَّرَتْ كَثِيرًا وَهِيَ تُحَاوِلُ إِيجَادَ سَبَبٍ مُقْنِعٍ لِخُرُوجِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون لِلصَّيْدِ فِي الصَّيْفِ.
صَاحَ الْغُرَابُ بلاكي: «كَاوْ! كَاوْ! كَاوْ!»
ارْتَاحَ وَجْهُ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ، وَقَالَتْ وَهِيَ تُحَدِّثُ نَفْسَهَا بِصَوْتٍ عَالٍ: «كَانَ الْغُرَابُ بلاكي يَسْرِقُ، وَخَرَجَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون خَلْفَهُ فِي نَفْسِ وَقْتِ ظُهُورِ ريدي.»
احْمَرَّ وَجْهُ الثَّعْلَبِ ريدي بِشِدَّةٍ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا.